أحوال عربية

قضايا كوردية قابلة للحوار 6

د. محمود عباس

قضايا كوردية قابلة للحوار

6

–         هل يمكن الاستناد على موقف الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) من الكورد، وعلى تصريحاته، والسماح لأردوغان باحتلال سري كانيه وكري سبي، لتقييم استراتيجية أمريكا في غربي كوردستان؟

طوال السنتين الأوليتين من فترة رئاسته، لم يكن (دونالد ترامب) على علم بالوجود الكوردي، شعبا وقضية، وبالتالي لم يسمع قبل شرح بعض مستشاريه وعروض أردوغان، شيئا عن الصراع الكوردي مع الأنظمة التركية، بل والدول المحتلة الأخرى لكوردستان. كانت معارفه خارج عالم الاقتصاد والتجارة وصراع المافيا على الكازينوهات وملكات الجمال ضحلة، كان معجبا بالطغاة أمثال (فلاديمير بوتين) و(كيم جونغ أن) رئيس كوريا الشمالية، ولم يكن يصنف كسياسي على معرفة بالعالم الخارجي وتاريخ الشعوب، والصراعات الدولية خارج أمريكا، إلا تلك التي كانت لشركاته علاقة بهم.

 وهو ما تبين بشكل فاضح عندما عرضت أمامه قضية الصراع الكوردي مع داعش وتركيا، ففي جوابه أمام سؤال مراسل قناة روداو السيد (رحيم رشيدي) تبين للمراقبين السياسيين ضحالته المعرفية، وللتغطية ناداه بـ (مستر كورد) دون أن يفهم بنية السؤال، فكان جوابه كلمات عشوائية ساذجة، تلقف السيد رحيم التوصيف فيما بعد كتسمية لذاته (مستر كورد)، ورغم ما قدمه استراتيجييه فيما بعد من المعلومات، تلافيا لفضيحة معرفية أخرى عن المنطقة، لكنه سقط في فضيحة أبشع، تاريخية هذه المرة، عندما سأله المراسل ذاته، ثانية عن الكورد، فجاء جوابه الكارثي وحديثه عن (إنزال النورماندي في الحرب العالمية الثانية والكورد).

  قلت الضحالة المعرفية، لكن المفاهيم انحرفت عن مسار استراتيجية الإمبراطورية الأمريكية، فرغم تصاعد خطر داعش، المنظمة التي كانت لها حضور مرعب على الساحتين الأمريكية والأوروبية ودخول القوات الأمريكية بشكل أوسع في الصراع ودعمهم للبيشمركة والـ ي ب ك، وما كان مستشاروه يلقنونه من المعلومات الضرورية، تأثر بمعلومات اللوبي الأردوغاني الذي كان يسرب له حسب خلفية مصالح تركيا، وعلى أثرها تبنى ما كان يقول له أردوغان في اجتماعاتهم، التي لم  تخلى من ذكر الكورد، وبالوجه الذي كان يريد تبيانهم، مرة كإرهابيين، ومرة كقوى تريد تدمير تركيا حليفة أمريكا في الناتو، وهلم جرا، وحسب المنهجية التي تتبناها الأنظمة التركية حول القضية الكوردية، وعليه تكونت لدى دونالد ترمب صور نمطية مشوهة عن الكورد كشعب، وعن تاريخهم وقضيتهم، بل وأصبحت لديه خلفيات مشوهة عن حربهم ضد داعش، تبناها كما شرحها أردوغان على أن القوات الـ ي ب ك وقسد، مجموعات من المرتزقة تحارب من أجل المال، رددها بدونية؛ شوه بها مكانة الجيش الأمريكي ذاته وكأنه يتحالف مع مرتزقة، عارضه فيها العديد من السياسيين الأمريكيين بينهم أقطاب من الحزب الجمهوري.

 ومن كثرة ما نق أردوغان برأس دونالد ترمب، في السنتين الأخيرتين من رئاسته في البيت الأبيض، وهو الواقع ما بين مصالحه الشخصية مع عائلة أردوغان والجهالة بتاريخ الشرق الأوسط والكورد حصراً، باستثناء قضايا النفط وإسرائيل، ظن أن الكورد أصحاب دولة، وشعب يتحكمون بالصراعات في الشرق الأوسط، إلى أن عاد خبراءه وللمرة الثالثة بإعطائه دروس عن تاريخ المنطقة، وعن الكورد، مع ذلك ظلت معلوماته تتعارض ومصالح أمريكا في المنطقة، وتبينت من خلال التصريحات الطفولية والمواقف الغارقة في الجهالة التاريخية والسياسية والعسكرية، والتي أثرت على الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

1-    تحدث عن الكورد على إنهم كانوا أصحاب قوة ودولة، وكانوا ينافسون الإمبراطورية العثمانية، وصراعهم مع تركيا امتداد للماضي، والتي لها تأثير على الصراعات الدولية، وعلى أمريكا كحليف لتركيا في الناتو، وعليه يتطلب منه التخلي عن الكورد، عسكريا وسياسيا، وهو ما دفع به ليقول أن الكورد ليسوا أصدقاؤنا التاريخيين، فلم يساعدوننا، في الإنزال العسكري على سواحل النورماندي، في فرنسا (ما يسمى بـ D Day 6 تموز 1944م) يوم الهجوم على القوات الألمانية الهتلرية، من قبل دول الحلفاء؛ في الحرب العالمية الثانية.

2-     السماح لأردوغان باحتلال ما بين سري كانيه وكري سبي، وهي منطقة الوجود الأمريكي، وهو ما أدى إلى أضعاف أمريكا أمام روسيا في غربي كوردستان، ففي الوقت الذي لم يكن هناك وجود لأية قوة في المنطقة باستثناء أمريكا، فخلق بتخليه عن الكورد، منافس تركي وروسي وزيادة لوجود النظام والمليشيات الإيرانية.

3-     لم يكتفي بذلك، بل أرفقه بتصريح عشوائي عن أهداف أمريكا في غربي كوردستان، وهي سرقة النفط السوري، والتي أصبحت فضيحة سياسية، تراجع عنها بعدما بين له مستشاروه الخطأ الفادح الذي عرض به مصالح أمريكا لطعنة دولية، تدفع الإدارة الأمريكية الكثير حتى اليوم.

4-     وعلى نفس الخلفية، وتماشيا مع رغبات أردوغان، صرح على أن الكورد ليسوا سوى أدوات يخدموننا بالمال، وكما نوهنا أضاف بأنهم في سوريا من أجل النفط. التصريح الذي نقده أغلبية الكونغرس، جمهوريون وديمقراطيون، وهذه واحدة من الإشكاليات التي أدت إلى تخلي شريحة واسعة من حزبه عنه في الانتخابات الرئاسية.

ترمب من أحد رجالات المافيا الأمريكية العريقة، والتي أصبحت تتحكم ببعض مفاصل الشركات الرأسمالية العالمية، يحركونه عند الطلب، وتخلوا عنه بعدما جلب لهم بعض الإشكاليات. وهو وبعض من كان حوله، يواجهون المحاكم الأمريكية، بعضها تخص عملية انقلاب على الدولة، وبعضها متعلقة بالفساد المالي والتهرب الضريبي، وغيرها.

فاستناد البعض من الإخوة الكورد، المعارضين لقوى الإدارة الذاتية، أو المتربصين بالشعب الكوردي في غربي كوردستان، على ما قاله، تنم عن قصر نظر، وضحالة في التحليل لعدم معرفة في خلفيات التصريحات، وتناسيهم لشخصية دونالد ترامب المعرفية، ونحن هنا لا نتحدث عن خبرته بحركة الأسواق المالية، والاقتصاد، والعلاقات التجارية، وبعالم ملكات الجمال والتي كان يترأسها لسنوات، بل بالتاريخ والإستراتيجية الأمريكية العالمية كإمبراطورية عسكرية-سياسية، وعالم السياسة والتي دخلها بمساعدة ثروته، والدولة العميقة، التي تتحكم بأمريكا، لمصلحة لا تزال غير معروفة إلا للطبقة السياسية العليا، والتي تعمل بصمت من خلف الكواليس.

فالسياسي الواعي والناجح، لا يمكن الاستناد على تصريحاته لتبيان الموقف الأمريكي من الكورد واستراتيجيتها في المنطقة، أو حول مصالحها والتي ترسخ وجودها في غربي كوردستان. فالإتيان على ما قاله كسند للطعن، ينم إما عن عدم خبرة، أو تعكس خلفية الصراع مع أحد أطراف الحراك الكوردي، والتي تزيد من التآكل الداخلي، وتؤثر سلبا على تقاطع مصالح الكورد والقضية.

 لا شك يجب دراسة مواقف الدول الكبرى وفي مقدمتهم أمريكا، والانتباه إلى مدى ديمومة أو توقف مصالحهم في منطقتنا، وإلى أي درجة تتقاطع مع المصالح الكوردية، وهل ستتعارض ومتى، ليتمكن الحراك الكوردي من أخذ احتياطاته قدر الإمكان، وهل بإمكان الحراك الكوردي التأثير لتستمر المصلحة الأمريكية بالتحالف مع الكورد؟

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى