تعاليقرأي

قصة حصول عدي صدام حسين على شاهدة ما فوق الدكتوراه

داخل حسن جريو
أكاديمي

الدكتوراه هي شهادة جامعية عليا تمنحها الجامعات ,بعد الشهادة الجامعية الأولية البكالوريوس / الليسانس , وشهادة الماجستير التي تعد هي الأخرى شهادة جامعية عليا لكنها لا تخول حامها التدريس في الجامعات , إلاّ بعد حصوله على شهادة الدكتوراه , أو نشره عددا من البحوث التي تؤهله للتدريس . تخوّل شهادة الدكتوراه حاملها التدريس، وفق اختصاصه في الجامعات وممارسة البحث العلمي. تُمنح الدكتوراه بعد تقديم أطروحة مطبوعة ومناقشتها أمام لجنة من الأساتذة المتخصصين في مجال تخصص الأطروحة، وعادة ما تكون تلك المناقشة علنية، يتم بموجبها منح الشهادة أو حجبها أو المطالبة بالقيام ببعض التنقيحات . تعرف هذه الشهادة في معظم دول العالم بشهادة دكتوراه/ فلسفة في التخصص المعني أو دكتوراه /علوم كما هو الحال في عدد من الجامعات الأمريكية , أي أن شهادة دكتوراه /علوم هي ذاتها شهادة دكتوراه / فلسفة لا فرق بينهما في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى, لكنها غير ذلك في بلدان أخرى إذ أن شهادة دكتوراه /علوم, تعد شهادة أعلى من شهادة دكتوراه/ فلسفة كما هو الحال في الجامعات البريطانية مثلا , حيث يستلزم الحصول عليها قيام الباحث بنشر بحوث أصيلة في مجلات علمية رصينة معترف بها , ولا تستلزم التفرغ الجامعي للبحث, وبدون مشرف علمي أي إشراف ذاتي , وليس كما هو الحال في الحصول على شهادة الدكتوراه/ فلسفة , التي تستلزم التفرغ الجامعي تحت إشراف أحد الأساتذة .ويشترط أن تشكل بحوث إطروحة الدكتوراه /علوم إضافة علمية متميزة في مجال تخصصه . ولا يشترط حصول الباحث على شهادة الدكتوراه / فلسفة كشرط مسبق للحصول على شهادة الدكتوراه /علوم .
وفي دول أخرى مثل ألمانيا وروسيا والنمسا وبعض دول أوروبا الغربية والشرقية, تمنح شهادة جامعية تعرف بشهادة الهابلتيشن وهي أعلى درجة أكاديمية تلي درجة الدكتوراه , حيث يقوم الشخص بكتابة أطروحة تعرف بأطروحة التأهيل .ويتم تقييم ومناقشة هذه الأطروحة بشكل أكثر تفصيلاً من درجة الدكتوراه بالإضافة إلى شروط عدة أهمها التدريس والإشراف على طلبة الدراسات العليا , وكذلك نشر بحوث أصيلة في مجلات عالمية رصينة , يتفاوت عددها من جامعة لأخرى ومن تخصص لآخر، لكن يجب أن لا تقل هذه البحوث عن ( 12 ) بحثاً. وكل هذه الشروط وبضمنها البحوث يجب أن تكون قد تمت بعد مرحلة الدكتوراه وليس خلالها أو قبلها. ونظراً لصعوبة الحصول على هذه الدرجة فهنالك العديد من البدائل الحديثة المقبولة وبالرغم من هذه البدائل فإن العلماء ينظرون إلى هذه الدرجة بشكل مميز وذو قيمة عالية جداً . يمنح صاحب هذه الدرجة لقب أكاديمي .
منح عدي ابن الرئيس العراقي السابق صدام حسين شهادة ما فوق الدكتوراه من كلية العلوم السياسية بجامعة صدام ( النهرين حاليا ) عام 1998 , عن أطروحته الموسومة : “عالم ما بعد الحرب الباردة دراسة مستقبلية ” , التي تقدم بها إلى مجلس كلية العلوم السياسية في جامعة صدام. عرض فيها عالم الحرب الباردة وناقش فيها المرحلة الانتقالية والتناقض الايديولوجي و تباين المصالح وكذلك تجنب المواجهة العسكرية . تضمنت الأطروحة خمسة فصول :
الفصل الأول : قواعد إدارة الأزمة ومن محاوره الثورة الصينية وتوازن الرعب ومدخلات سياسة الوفاق والإدراك الأمريكي السوفيتي للوفاق .
الفصل الثاني : عالم ما بعد الحرب الباردة – المرحلة الانتقالية ومن أهم محاوره : اختلال ميزان القوة الاقتصادية العالمية، تدهور المكانة الدولية لعالم الجنوب، دور الأمم المتحدة خلال الحرب الباردة، توسيع مضمون مفهوم السلم والأمن الدوليين، الهيمنة الأمريكية على مجلس الأمن، إذكاء الصراع بين عالمي الشمال والجنوب، التباين الحضاري الثقافي، استحداث وسائل عمل جديدة، اتجاه الاقتصاد العالمي إلى التمركز الجبهوي، اختلال القدرة التسويقية بين دول عالم الشمال، تغيير مفهوم القطب الدولي .
الفصل الثالث :عالم ما بعد الحرب الباردة – احتمالات المستقبل ومن محاوره : القوى المؤثرة في عالم القرن الحادي والعشرين، المداخلات الناعمة، الاختلالات على الصعيد الاجتماعي، اختلالات ذات علاقة بضآلة التوفير وتدهور التعليم، اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، مدخلات القوة، ألمانيا الموحدة وأوروبا، رؤية للتاريخ الألماني، مدخلات الضعف في الجسد القومي الألماني، رؤية للتاريخ الصيني، عالم ما بعد الحرب الباردة – الهيكلية السياسية الدولية، مفهوم الهيكلية، احتمالات هذه الهيكلية، استمرار هيكلية القطب الواحد، عودة القطبية الثنائية، بروز القطبية المتعددة، تغليب الأمن الاقتصادي على سواه، تغليب التعاون على الصراع .
وفي المجال الدولي فأنه من المتوقع أن الصين في حال استمرار قدرتها ستكون مؤهلة لقيادة آسيا وربما عالم الجنوب وربما لن تستطيع قوة أخرى الحيلولة دون ذلك، ويتوقع أن القرن الحادي والعشرين سيشهد أرجحية عالية نمطا لتوزيع القوة بين القوى الأساسية الأربع الأكثر تأثيراً لا يسمح أن يكون آحادياً أو ثنائياً وإنما متعدد الاقطاب .
جرت مناقشة علنية للأطروحة في أحد أيام شهر رمضان في قاعة نادي القادة في منطقة الكسرة بحي الأعظمية ببغداد , دعي إليها أعضاء المجمع العلمي العراقي وأنا منهم, وأعضاء المكتب التنفيذي لطلبة وشباب العراق لكون عدي كان في حينها رئيسا للمكتب المذكور , وعينة من منظمة فدائيي صدام التي كان يرأسها عدي , وعدد من مراسلي الصحف ووسائل الإعلام المختلفة , وآخرين ربما يقدر عددهم بالف شخص على أقل تقدير . كانت المناقشة مناقشة هادئة أعد لها جيدا , لكن الملفت للنظر فيها أن الأساتذة كانوا يتهيبون الطالب كثيرا , وكأنه هو الأستاذ وهم طلبته , حيث كانوا يخاطبونه أثناء المناقشة بلقب أستاذ على غير المألوف في هكذا حالة في الوسط الجامعي , إذ لكل مكانته في رحاب العلم . والأغرب من ذلك أن رئيس الجامعة قد تلى على مسامع الحضور قرار مجلس الجامعة بمنح الطالب عدي صدام حسين شهادة ما فوق الدكتوراه فور إنتهاء المناقشة في قاعة نادي القادة , مما يعني أن المناقشة كانت مناقشة شكلية لا قيمة لها , فالجامعة قد إتخذت قرارها مسبقا دون الحاجة للتريث لمعرفة قرار لجنة المناقشة , والذي جاء كما هو متوقع بحق أو بدونه . ويذكر أن عدي هو أحد خريجي قسم الهندسة المدنية بجامعة بغداد .
نشرت جريدة بابل لصاحبها عدي صدام حسين الأطروحة بكاملها في أحد أعدادها على شكل ملحق إعلامي للجريدة يوزع مجانا .
. ونعود بالذاكرة إلى موضوع شهادة ما فوق الدكتوراه , الذي إقترح إستحداثه في الجامعات العراقية الدكتور سعدون حمادي رئيس المجلس الوطني يومذاك , بمذكرة رفعها إلى رئاسة الجمهورية التي بدورها أحالتها إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في النصف الثاني من عقد التسعينيات من القرن المنصرم , مفاده أن الجامعات العراقية قد قطعت شوطا مهما في مسيرة التعليم العالي والبحث العلمي , وبخاصة في دراسات الدكتوراه التي أثبت فيها جدارتها, وأصبح لديها من الخبرة والرصانة العلمية في مجال البحوث والدراسات العليا , ما يمكنها لتخطو خطوة أخرى لمنح شهادات علمية أعلى من شهادات الدكتوراه , وبذلك تسجل الجامعات السبق والجدارة والتميز العلمي على صعيد الجامعات العربية .
عرضت الوزارة المقترح الوارد إليها من رئاسة الجمهورية على هيئة الرأي , التي قررت تشكيل لجنة برئاستي وعضوية عدد من رؤساء الجامعات وبعض المدراء العامين في الوزارة لدراسة المقترح وتقديم دراسة تفصيلية بذلك . أعدت الدراسة بعد عقد عدة إجتماعات بديوان رئاسة الجامعة التكنولوجية ورفعت إلى الوزارة . تضمنت الدراسة معلومات تفصيلية عن ماهية شهادة ما فوق الدكتوراه التي تمنحها بعض الجامعات العالمية التي تفوق مستوياتها مستوى شهادة الدكتوراه المعروفة , بمسمياتها ومتطلباتها وطرق الحصول عليها , كما قدمت جردا بأسماء العلماء العراقيين الحاصلين على هذه الشهادة الذين تبين أن عددهم أربعة أشخاص , إثنان منهم بتخصص الكيمياء , أحدهما من ألمانيا الغربية والآخر من بريطانيا , وواحد في الطب البيطري من المانيا الشرقية , والرابع في علم الإجتماع من هنغاريا .
إرأت اللجنة عدم توفر الإمكانات لإستحداث هكذا دراسة في ظروف العراق الراهنة , وإذا ما أرتؤي ضرورة إستحداثها , فإن ثمة شروط لابد من مراعاتها بدقة , أبرزها أن يقتصر إستحداثها على الأقسام العلمية الرصينة التي خرجت بضعة دفعات من طلبة الدكتوراه في التخصص المراد إستحداث الدراسة فيه , وأن تتوفر لديها جميع مستلزماتها المادية والبشرية , ويفضل أن تكون الدراسة بالتعاون مع بعض الأقسام العلمية المناظرة في الجامعات العالمية الرصينة ممن لديها دراسات مماثلة . ويشترط فيمن يتقدم للدراسة أن يكون من حملة شهادة الدكتوراه المشهود له بالتمييز العلمي . وتكون الدراسة دراسة ذاتية يجريها الباحث بدون مشرف خارجي داخل القسم العلمي . ويشترط فيمن يشرف على الأطروحة أن يكون أستاذا حاملا شهادة ما فوق الدكتوراه في حقل تخصص الأطروحة أو من كبار الأساتذة الجامعيين المشهود لهم بالكقاءة والتمييز العلمي . لا يجوز إجراء مناقشة الأطروحة إلاّ بعد تقديم الباحث ما يؤيد نشرخمسة بحوث أصيلة ومبتكرة في الأقل في مجلات علمية رصينة ومحكمة . يتم تشكيل لجنة مناقشة الأطروحة من كبار الأساتذة المختصين من حملة شهادة ما فوق الدكتوراه حفاظا على الرصانة العلمية .
عرضت الدراسة على هيئة الرأي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي , حيث خففت بعض الفقرات التي إرتأتها شديدة ورفعتها إلى ديوان رئاسة الجمهورية صاحبة الطلب . لم تنفذ الدراسة على حد علمي وأسدل الستار على الموضوع ربما لعدم ملاءمة ظروف الجامعات يومذاك حيث وطأة الحصار الظالم تطبق على أنفاسها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى