ثقافة

قراءة نقدية في المجموعة القصصية (من عبق الماضي)
للقاصّ السوري “جورج عازار”.

(الجزائر)

قراءة نقدية في المجموعة القصصية (من عبق الماضي)
للقاصّ السوري “جورج عازار”.

هناك ذكريات حلوة في ذاكرة كل منا من أيام الطفولة أو الشباب
أو المرحلة الجامعية لا نستطيع نسيانها وكلما كبرنا لمرحلة أكبر من التي
كنا فيها تزيد أحزاننا أحيانا، فكثيرون يندمون على كثرة أحزانهم على
بعض الأشياء في الماضي التي من الممكن أن تمرّ دون أن تُؤثّر فينا
بشكل سلبي.
وقد تبدو بعض المواقف التي قمنا باتخاذها في الماضي تُجاه أمور عادية
هي أكثر المواقف الذي قمنا بالنّدم عليها وتمنّينا أن تعود الأيام مرّة
أخرى حتّى نستطيع أن نستمتع باللّحظة تاركين كلّ الأفكار السلبية
جانبا حيث أنها مرّتْ وأصبحت ذكرى فعلينا أن نعي أنّ كلّ الأشياء تمرّ
وتُصبح ماضي سواء أليم أو ماضي يحمل ذكريات نتمنّى عودتها.
نشعر بالحنين والاشتياق لأيام مضت نتمنّى عودتها فهناك من يتحسّر
علي أيام شبابه أو طفولته متمنيا عودته يوماً حتّى يستطيع أن يفعل

ما كان يفعله في الماضي ولكن ليت الزمان يعود يوماً لنفعل ما عجزنا عن
فعله الآن.
و الشيء الجميل هو تلك الذاكرة القوية التي يملكها البعض كما لاحظتها
في المجموعة القصصية للقاصّ السّوري (جورج عازار) فليس الماضي إلاّ
كنزا من المهارات و الخبرات و التّجارب، بدونها يتخبّط الإنسان في الظّلام.
حيث يقول (جورج إليوت) بهذا الصّدد: ” لا أريد مُستقبلا يفصلني عن
الماضي”.
نتوغّل قليلا في قصصه و نتحدّث عنها..

ففي قصّة ( إرادة الحياة):
نعيش مُعاناة أمّ راشد بعد وفاة زوجها، حيث قامت بالأعمال المنزلية لقاء
أجر زهيد عند أصحاب البيوت المُترفة لتُعيل أطفالها اليتامى، حتّى حلّ
ذلك اليوم الذي بُترت فيه ساقها بسبب حادث السيارة الذي تعرّضت له و
هي تهُمّ بقطع الطّريق عائدة إلى أطفالها ذلك المساء.
و بعد مُضيّ أيّام من فترة العلاج و النّقاهة خطرت لها فكرة بيع
سندويتشات لطلبة المدارس بعربة صغيرة لتُطعم صغارها، حيث كان
يُساعدها ابنها و هو في طريقه للمدرسة.
و هكذا نسيت مرارة ما عاشته و هي ترى الابتسامة في عيون أطفالها.
فبعزيمتها و قوّتها و صلابة إرادتها و تحدّيها استطاعت أن تتخطّى كلّ
الأهوال و المصاعب.

و في قصّة (تأوّهات الحنين):
القصّة هنا جعلها الكاتب (جورج عازار) على لسان الأمّ التي أحزنها فُقدان
بيت العائلة و الإبتعاد القهري عنه.
إنّه البيت العتيق الذي احتضن الأطفال، إنّه المكان الذي عشقتْ فيه روح
الحياة.
لم تستطع نسيان زهور حديقتها التي زرعتها بنفسها، و لا عبير الريحان،
و لا تلك الصّباحات المشمسة التي اشتاقت لها.
جلست و هي في منفاها البعيد و غُربتها تُحدّث ابنها عن شجرة التّوت
العجوز التي كانت في باحة المنزل، حدّثته عن تسلّقه جذعها فترة
شقاوته و هو طفل ليقطف ثمارها.
ذكّرته بليالي الصّيف و رعد الخريف.
شكتْ له عن حنينها لمدفأتها القديمة و صوت زقزقة العصافير.
و في تأوّه عميق أخبرته عن حنينها الكبير لتلك الدّار و صخب الجيران
و صياح الصّبية.
بصراحة يصعب عليها نسيان ذلك البيت، فبين جنباته عاشت مسرّاتها
و اختبأت أحزانها، فلأجله تبكي ذكريات عمر و أشواق و حنين.
هي الأمّ التي أحبّت المطر فوق بيتها العتيق و لون شمس وطنها و
نسمة الهواء التي تُداعب براعم زهراتها الجميلة.
ففي كلّ ليلة كانت تُبلّل وسادتها بدموع الأشواق لذاتها التي تاه منها
العمر ذات يوم في المنفى بعيدة عن بيتها العتيق.

نتحدّث عن قصّة ( من عبق الماضي):
إنّه العنوان الذي وَسَمَ به الكاتب (جورج عازار) عنوان المجموعة
القصصيّة.
و يتحدّث الكاتب هنا عنه هو لأنّه بطل القصّة، حيث عاد إلى موطنه
مُشتاقا لبيتهم العائلي، و دخل كلّ الغُرف واحدة تلو الأخرى مُستعيدا
كلّ الذّكريات هناك.ليعود مُجدّدا إلى موطن اغترابه مُودّعا بيتهم العتيق
بصمت.
لكن عندما وصل اكتشف و هو يفتحُ حقيبته ليُرتّب حاجياته أنّ الحزن قد
غافله و تسلّل إلى جميع أشيائه فعطّرها بلونه ليُصبح شريكا دائما لما
تبقّى من سنوات عمره الكئيبة.

و في قصّة (غريبة):
قصّة بلسان الأمّ تتحدّث فيها عن الدّنيا التي تراها غريبة و تُناديها بــ: “
يا أيّتها الغريبة”.
تبقى تُكلّمها و تُحدّثها ة تبُثّها شكواها و مناجاتها و ألمها و أمنيتها شبه
المستحيلة بالعودة لوطنها الأمّ حيث قالت: “آه لو أعود إلى ضيعتي”.
حزينة جدّا هي في غربتها تلك لأنّها في عالم لا تنتمي إليه و لم تتمكّن
من التأقلم فيه.
ثمّ نرى أنّ الكاتب جعل غريبة في نهاية القصّة هي الأمّ نفسها حين
قال:
“ترحل غريبة عن عالمٍ صارت فيه الأحاسيس عملة مُندثرة، ترحل راضية
زاهدة”.
فنراه هنا يتحدّث عن رحيل والدته عن العالم و يتكلّم بتفاصيل شبه دقيقة
عن ما حدث يومها في ألم جعلنا نعيشه معه. ثمّ ختم القصّة بميلاد
الحفيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى