أحوال عربية

في العيد …تيه فلسطيني وضياع عربي

rasim ob
1:43 م ‎(قبل ساعتين)‎

راسم عبيدات

في كل مرة نمني فيها النفس بأن يكون هذا العيد أفضل من سابقه،ويحمل بشائر امل وخير وتفاؤل لشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية…ولكن نكتشف بأن الصورة ليست بالوردية،بل هي اكثر قتامة وسوداوية …فالوضع الداخلي الفلسطيني، ما زال الإنقسام سيد الموقف،ويتجه الوضع نحو شرعنة الإنقسام وان يتحول الى إنفصال جغرافي واداري وسياسي،وإن كنا نحاول ان نرى بارقة امل في اللقاء القسري،الذي جرى في الإحتفالات الستين للجزائر في ذكرى استقلالها،والذي نجح فيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالجمع بين الرئيس عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة ح م اس الشيخ اسماعيل هنية،

ولكن من تعبيرات الصورة، نرى بأن المصافحة باردة والإبتسامات باهتة …ونحن ندرك جيداً بأن الإنقسام يحتاج الى ما هو ابعد واكبر من ابتسامة ومصافحة وصورة،يحتاج الى إرادة وقرار سياسي يتجاوز كل المكاسب والمصالح الفئوية والحزبية لحساب المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، في لحظة تاريخية فارقة، يشهد فيها العالم والإقليم والمنطقة الكثير من المتغيرات،تلك المتغيرات التي ستترك تأثيراتها على شعبنا وقضيتنا الفلسطينية،ولذلك ولكي نوظف تلك المتغيرات والتطورات لمصلحة شعبنا الفلسطيني وقضيتنا، فلا بد من ” تحصين” بيتنا الداخلي الفلسطيني وتقويته،وهذا لا يمكن تحقيقه بدون التوافق على برنامج سياسي،واعادة تعريف لماهية المشروع الوطني،وبناء رؤيا واستراتيجية فلسطينية موحدتين، تستندان الى برنامج سياسي يقوم على الصمود وا ل م ق ا و م ة،والمشاركة الحقيقية في القيادة والقرار،واجراء انتخابات سياسية وطنية شاملة لمجمل النظام السياسي الفلسطيني وبكافة مؤسساته.

ونقطة البداية لذلك أن تعمل القيادة الفلسطينية على ترجمة ما جرى الإتفاق عليه من قرارات للمجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية للمنظمة واللجان التي جرى تعيينها لوضع الآليات العملية والتنفيذية لتلك القرارات،قرارات التحلل من كل التزامات اوسلو الأمنية ( وقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله) والسياسية( سحب الإعتراف المتبادل) والإقتصادية (وقف العمل بإتفاقية باريس الإقتصادية).

الإحتلال يواصل مشاريعه ومخططاته التهويدية،ويكفي القول بأن الإستيطان في عهد حكومة بينت التي لم تدم سوى عام واحد تضاعف الإستيطان بنسبة 62%،والقدس عملية تهويدها وتغيير كل معالمها وتاريخها وهويتها وواقعها وروايتها وتراثها تجري على قدم وساق وبدون توقف،والمسجد الأقصى بات أمام مخاطر جدية وحقيقية،حفريات حول واسفل المسجد الأقصى،وتساقط حجارة وأتربة من اعمدته واسواره الجنوبية الغربية،وتشققات وتصدعات في الأسوار والجدران،بفعل الحفريات التي لا تتوقف في منطقة القصور الأموية وساحة حائط البراق،والأخطر من ذلك تسجيل الملكيات الوقفية الإسلامية في تلك المنطقة باسماء يهود من قبل ما يسمى بوزارة القضاء وجمعية ” العاد” الإستيطانية،ولعل تسجيل 17 دونماً من اراضي الوقف بأسماء مالكين يهود، هو تطور خطير،يؤشر الى أن حكومة الكيان،قد تقدم على إخراج ساحات الأقصى من قدسيتها وتبيعتها للمسجد الأقصى،وتعمل على اعتبارها أرض تابعة لبلدية او دولة الإحتلال، بما لا يبقي من المسجد الأقصى المعرف بمساحته ال 144 سوى الأماكن المسقوفة .

السياسة الإنتظارية والدخول في الغيبوبة السياسية،والرهان على أن المتغيرات في الحكومات الإسرائيلية والإدارات الأمريكية المتعاقبة، قد يفتح لنا أفقاً فيما يتعلق بحقوق شعبنا،هي سياسة عقيمة ثبت فشلها في ارض الواقع،لم تثمر سوي في المزيد من الشرذمة والإنقسام والتصدع في واقعنا وبيتنا الفلسطيني،ولم تنجح في تحرير بوصة واحدة من الأرض.

أما الوضع عربياً،فهو أكثر قتامة وسوداوية من الواقع الفلسطيني،وما نشهده من انهيارات في النظام الرسمي العربي،لم يدر في خلدنا وفي اشد كوابيسنا ان يحصل،ليس فقط لجهة الهرولة التطبيعية مع دولة الكيان،بل أن تصل الى الأمور الى حد إعتبار دولة الكيان مكون طبيعي من جغرافيا المنطقة،وبأنها ليس العدو للعرب،وعقد احلاف أمنية وعسكرية استراتيجية معها وتوقيع معاهدات واتفاقيات دفاع مشترك،والسعي الى إقامة نظام دفاع جوي معها من أجل توفير الحماية لها،وبما يشمل نشر بطاريات دفاع جوي وقواعد عسكرية لها في العديد من الدول العربية،وبالذات الخليجية منها،فهذا يدلل على مدى حالة الإنهيار والتعفن التي وصل اليها النظام الرسمي العربي.

الكثير من دول النظام الرسمي العربي المنهار لم تعد القضية الفلسطينية من أولوياتها،بل هي باتت تشعر بأنها عبء عليها،تريد التحلل منها ،واذا كان رئيس وزراء الكيان الأسبق الذي جرى اغتياله رابين،كان يمني النفس بأن يصحو ويبتلع البحر غزة،فالكثير من قادة دول النظام الرسمي العربي يمنون النفس بأن يصحو وتكون القضية الفلسطينية قد اختفت،فلا يغرنكم الإنشاء المكرر والإسطوانات المشروخة عن حقوق شعبنا الفلسطيني المشروعة وضرورة حل قضيته،فكل ذلك مجرد “فقاعات” كلامية ولزوم البرتوكول والمجاملات.

رغم كل ذلك فنحن على ثقة تامة بأن دولة الكيان التي تمتلك ترسانة عسكرية كبيرة واقتصاد قوي،ورغم كل التطبيع والعلاقات الأمنية والعسكرية مع دول النظام الرسمي العربي،ولكن دولة الكيان التي هي على ابواب انتخابات تبكيرية خامسة خلال ثلاث سنوات ونصف،باتت تعيش ازمات عميقة سياسية ومجتمعية،تشكل مخاطر جدية وحقيقية على وجودها ،فمعركة ” سيف القدس” ايار/2021 ،هشمت دولة الكيان سياسياً وعسكرياً،ووحدت الجبهات والساحات الفلسطينية،وكذلك تشكل محور القدس الذي تقع القضية الفلسطينية و م ق ا و م ت ه ا في قلبه، وما يمتلك من قدرات وامكانيات عسكرية، أوجدت معادلات ردع مع دولة الكيان،وقالت بشكل واضح بأن التفوق الجوي ونقل المعارك الى ارض الخصم والحروب الخاطفة عهدها قد ولى الى غير رجعة،فهذا عهد المسيرات والصواريخ الدقيقة بعيدة المدى.

هي متغيرات وتطورات كبرى تحدث في العالم والإقليم والمنطقة، متغيرات وتطورات تقول بأفول وهزيمة المشروع الأمريكي والهيمنة القطبية الواحدة على العالم،نحو عالم التعددية القطبية الذي ستكون روسيا والصين وايران والهند ودول ” البريكس” ركن اساسي فيه،علينا ان نحسن الإفادة من تلك المتغيرات والتطورات خدم لقضيتنا ومشروعنا الوطني،وهذا لن يتأتى في ظل قيادة تمعن الحديث عن ما يسمى بالشرعية الدولية والتمسك بالمفاوضات نهجاً وخياراً وثقافة.فلا بد من فتح القرار والخيار الفلسطيني على أرحب فضائين عربي وإسلامي.

فلسطين – القدس المحتلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى