أحوال عربية

عدوان غادر ومُبيّت

نهاد ابو غوش

العدوان الإسرائيلي الجديد على قطاع غزة هو عدوان غادر ومُبيّت، غادر لأن توقيته وقع في اللحظة التي كان الوسيط المصري ينتظر إجابات المقاومة حول محاولاته لتثبيت التهدئة، ومبيّت بحسب ما كشفت عنه مصادر عبرية متعددة بأن أجهزة الأمن الإسرائيلية كانت تنتظر منذ وقت طويل لحظة تشخيص مكان تواجد الشهيد تيسير الجعبري الذي وضع اسمه على رأس قائمة “بنك الأهداف” الدموية، منذ أن تولى مهماه القيادية خلفا للشهيد بهاء أبو العطا في نوفمبر 2019.
هذا العدوان يستند ايضا إلى خلفيات سياسية وأمنية وعسكرية معروفة على نطاق واسع، فمن المعروف أن اي رئيس وزراء في إسرائيل، بل وكل طامح في الزعامة يرغب في إثبات أهليته وجدارته العسكرية في قيادة إسرائيل، هذا جرى مع جميع رؤساء إسرائيل السابقين بدون استثناء، كل واحد منهم اراد أن يزين سجله القيادي بتجربة عسكرية على حساب دماء الفلسطينيين وأحيانا على حساب دماء اللبنانيين كما فعل شمعون بيرس في مجزرة قانا 1996، وايهود اولمرت في حرب تموز 2006، وقبلهم مناحيم بيغين حين قصف المفاعل النووي العراقي في تموز 1981 ، الآن يقف رئيس الوزراء يائير لابيد الذي جاءت به الصدفة لهذا الموقع أمام اختبار يشبه (عماد الدم) وهو شخص ذو خلفية مدنية، وما يعزز هذا المنحى هو أن لدى قيادة الجيش الإسرائيلي حسابات مشابهة على خلفية أخرى، وهي أن الجيش لم يصفّ حساباته كما يريد مع المقاومة في معركة سيف القدس، حيث أدى سقوط مئات الضحايا المدنيين الفلسطينيين ووحدة الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده (بما في ذلك في الداخل المحتل عام 1948) وحملات التضامن الدولية وإدانة جرائم إسرائيل كل ذلك اسهم في وقف الحرب قبل أن تتمكن إسرائيل من تدمير اسلحة المقاومة كما خططت.
الآن تحاول إسرائيل الاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي والإيحاء بأن هذه الحركة هي وحدها المقصودة، مع أن القصصف الإسرائيلي جرى لشقة سكنية في برج سكني وامتد ليشمل مواقع وأهدافا فلسطينية متعددة في مدن غزة ورفح وخانيونس وأوقع عددا من الشهداء المدنيين بينهم الطفلة آلاء قدوم (5 سنوات).
لا يمكن فصل هذا العدوان عن سلسلة الاعتداءات افسرائيلية الأخيرة في الضفة بما فيها القدس والتي شملت سلسلة من الاقتحامات وعمليات الاغتيال في مدينتي نابلس وجنين واعتقال القائد الوطني البارز الشيخ بسام الشعبي بطريقة وحشية حيث جرى سحله لعشرات الأمتار ، في كل هذه العمليات تسعى دولة الاحتلال لإخضاع الشعب الفلسطيني ومشاغلته بقضاياه المعيشية اليومية، وابتزازه بالمسائل الحياتية مقابل مطالبته بتقديم تنازلات في المسائل السياسية الجوهرية، كما تسعى لإسرائيل لشق الشعب الفلسطيني بالفصل بين حركة الجهاد وباقي فصائل المقاومة من جهة، وبين غزة والضفة من جهة أخرى، وضمن سياسة “العصا والجزرة” التي أعلنها رئيس الوزراء السابق بينيت توحي إسرائيل بأنها تعاقب المقاومة في غزة وجنين، وتكافىء السلطة بتسهيلات اقتصادية.
من المؤكد أنه لا يوجد اي تكافؤ عسكري بين المقاومة باسلحتها المحلية البدائية وإسرائيل بترسانتها العسكرية الهائلة، لكن معادلة المعركة تتلخص في محدودية قدرة الآلة العسكرية الإسرائيلية على فرض تنازلات سياسية على الفلسطينيين، وتمتع الفلسطينيين بإرادة القتال والصمود ورفض الاستسلام والاستعداد للتضحية.
إسرائيل تريد معركة محدودة ولا تريد توسيعها إلى حرب مفتوحة لأن ذلك أمر لا يمكن التحكم بنتائجه، كما يمكن ان يغضب أميركا وحلفاءها لأن فتح جبهة حرب سوف يشوش على جهود الولايات المتحدة ضد روسيا والصين، كما أنه سوف يحرج أنظمة التطبيع العربية، ويستنهض قوى مناصرة فلسطين خصوصا أن اي حرب كهذه سوف توقع مزيدا من الضحايا في صفوف المدنيين، وإطالة أمد المعركة سوف يعيد توحيد الفلسطينيين وهذا أمر لا ترغب فيه إسرائيل قطعيا.
قوة إسرائيل تكمن في القدرة على القتل والتدمير بينما قوة الفلسطينيين تكمن في وحدتهم وقدرتهم على الصمود ونقل المواجهة إلى الساحات والمنابر العالمية فضلا عن تطوير كل أشكال المقاومة في الأراضي المحتلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى