إقتصادفي الواجهة

ضرب الاحتكارات قبل فوات الآوان !!

د. عبد السلام فاروق
هذه حكاية قديمة، غير أنها ذات دلالة ، إنها حكاية شركة (Microsoft) لتطوير وصناعة البرمجيات، وما قدمته لأمريكا وأجهزتها الاستخباراتية (CIA) و (FBI)، مما يفُوق خيال أكثر الناس جُمُوحا،فقد مكنت الشركة أجهزة المُخابراتُ الأمريكيةُ بأن تستمعُ لأنفاس البشر في كُل قارات الدنيا، بما في ذلك في غُرف النوم.كما منحت مايكروسوفت الاقتصاد الأمريكي قُدرة هائلة ليكُون على رأس كُل دُول العالم في مجال تطوير وصناعة البرمجيات (Soft Ware). كما منحت الشعب الأمريكي المجد والفخار والعظمة والكبرياء .

مُنذُ سبعينات القرن العشرين قدمت شركةُ (Microsoft) {(تريليُونات الدولارات) للاقتصاد الأمريكي. وعمل بالشركة مئاتُ الأُلُوف بصفة منتظمة وبلغ المليُونيرات من العاملين بالشركة (الأُلُوف).

فهل سمح كُل هذا العطاء المُنقطع النظير بأن تتحول الشركةُ العملاقة إلى كيان يفعلُ ما يشاءُ ويسحق كُل المُنافسين في مجال تطوير وصناعة البرمجيات ؟.

………….

كلا …وألف كلا ؟

………….

تخبرنا تلك الحكاية أيضا، أنه مع تضخم شركة مايكروسوفت وازدياد سطوتها وسيطرتها على تطوير وصناعة البرمجيات تهاوى المُنافسُون أمامها. لذلك كان لابُد من القضاء على هذا السلُوك المُناهض للمُنافسة الذي تُمارسُهُ شركة (Microsoft). وبالتالي كان لابُد من إنهاء سطوة الشركة على مجال عملها، فتدخل القضاءُ الأمريكي والأُورُوبي لحسم هذه المسألة وصدرت الأحكامُ التاليةُ:-

1- تحتفظُ مايكرُوسُوفت بسيطرتها على مجال عملها من خلال تخويف شركات الكُومبيُوتر.

2- تحتكرُ مايكرُوسُوفت بصُورة غير مشرُوعة السوق الرئيسية لأنظمة تشغيل أجهزة الكُومبيُوتر.

3- إلزام مايكرُوسُوفت بالتوقف عن سياسات الأسعار التمييزية والوُصُول إلى المُنتجات وتقاسُم المعلُومات الأساسية المُتعلقة بنظام ويندُوز اللازمة لمُنافسيها كي يتمكنُوا من منافسة مايكرُوسُوفت بشكل أكثر فعالية وبحُرية في سُوق البرمجيات التطبيقية التي تعملُ على نظام ويندُوز.

4- وفي قضية الاتحاد الأُورُوبي فقد فرضت اللجنةُ قُيُودا مماثلة، فضلا عن غرامة قدرُها (497.2) مليُون يُورُو.

لكننا في مصر قد تجدُ صُعلُوكا أو متسلقا يتحولُ بكبسة زر، من بائع في محل صغير إلى امبراطُور يملك ويتحكم في سلع استراتيجية ويُسيطر تماما على كُل ما يتعلقُ بتلك السلعة استيرادا وتصديرا و تصنيعا وتجارة.

وفي مصر وحدها تجدُ مُحتكرا يستولي على كُل ما يتعلقُ بسلعة ما. تقفُ الدولةُ عاجزة هزيلة صغيرة ضائعة مستلمة أمام هذا الخراب والضياع للبلاد والعباد!. تقفُ الدولةُ مُتفرجة سعيدة فرحة مستبشرة.

ههنا يقول لنا المسؤُلُون إنها قواعدُ (اقتصاد السوق الحُر)!. كذلك قالوا إن (السوق الحُر) سيُصلحُ ذاتيا الأمر،وسينضبطُ السوقُ!. وكانت تلك (أكبرُ عملية نصب) في تاريخ مصر .

والحقيقة غير ذلك تماما لأن نظامُ اقتصاد السوق يستدعي بداية منع الاحتكار وبالتالي اشتعال المُنافسة. وبدُون هذا المبدأ الواضح فإن اقتصاد السوق يُصبحُ نظاما بشعا للفوضى، ويعمل علي (اغتصاب ونهب وسلب و إذلال ومهانة و (اغتيال) . لكن الضرُورةُ تستدعي الإسراع بالتدخل التشريعي لضبط الأسواق وكبح جماح الاحتكار وحماية التنافُس بين المُستثمرين.ههنا يطالب الخُبراء بتدخل الدولة كمُنظم للسوق. يمنحُ القانُونُ في الدول المُتقدمة الجهات الرقابية والقانُونية بفرض الغرامات والحبس.

خاصة في ظل تفشي ظاهرة الاتفاقات والتربيطات بين التجار ظاهرة تُهددُ قيمة المُنافسة.خاصة أن المرحلة الراهنة تُحتمُ إصدار مجمُوعة من القوانين التي تُحد من عمليات الإغراق والتحكم في الأسواق.

وعلي الرغم من ذلك فإن قانون منع الاحتكار وحماية المنافسة لا يكفي وحده إلا بإصدار قانُون تنظيم التجارة الداخلية.ولتخفيف حدة الاحتكار وتحقيق السيطرة علي الأسواق لابُد من توافُر مُستويين هُما:-

1- تدخل الدولة كمُنظم للسوق‏

2- رفع وعي المُستهلك من خلال التعليم والتعلم ودور نشط للإعلام.

ولذلك فإن جوهرُ منع الاحتكار وحماية المُنافسة يتمثلُ في محورين:-

1- تحقيق التوازُن بين منح الحُرية للقطاع الخاص ومدى مُمارسة هذه الحُرية،

2- ‏ كيفية وأُسلُوب وضع الضوابط لمنع الاحتكار.‏

بمعني أنه لا بُد من تدخل الدولة لتكفُل منع الاحتكار من خلال وضع مُعادلة بينها وبين المُستثمرين‏، وهذه المُعادلةُ تُؤسسُ لعلاقة بين عناصر التكاليف المقبُولة‏ وبين السعر المُتاح للجُمهُور.

والحقيقة أن قانُونُ منع الاحتكار وحماية المُنافسة ليس مُوجها ضد المُنتجين ولكنهُ يُحققُ التوازُن بين مصالحهم و مصالح المُستهلكين.وهذا ما يلح عليه باستمرار خُبراءُ الاستثمار الذين يؤكدن أن التلاعُب بآليات السوق المفتُوح ومنظُومة الاقتصاد الحُر خطر يهددُ الاقتصاد القومي لأنهُ يُؤثرُ سلبا علي مناخ الاستثمار.

من هنا أري أنه من الضروري أن ينُص قانُونُ (منع الاحتكار) و(تجريم الاحتكار) و(تجريم المُغالاة في الأسعار) ولضمان (لتحقيق المُنافسة والتنافُس) على ما يلي:- يُعاقبُ بالأشغال الشاقة المُؤبدة (مدى الحياة) ومُصادرة الأموال وغرامة تُعادلُ ثلاثة أمثال ما اكتسبهُ المُحتكرُ من احتكاره أو بالمُغالاة في الأسعار، بما لا تقل عن عشرة ملايين جُنيه كُل من لهُ أية علاقة بالاحتكار أو بالمُغالاة في الأسعار.

د. عبد السلام فاروق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى