أحوال عربية

شيء من التأريخ

حسام علي

حرصت بريطانيا منذ البداية على تبادل الموصل مع فرنسا بعد اكتشاف النفط فيها، فكانت بمثابة الخطوة الاولى للامتيازات البريطانية النفطية في العراق. لهذا، جرى تعديل في اتفاقية سايكس بيكو، لأجل المصالح البريطانية، مثلما حصل إزاء المصالح النفطية الامريكية التي ألقت بمرساتها في أرض آل سعود وذلك في الاربعينيات من القرن الماضي. عليه، لم تأت الرياح بما اشتهت سفن الشريف حسين، حين راح يمني النفس بمملكة عربية تعيد له مجداً يخفف من حجم أحلامه الشخصية، ذلك أن بنود سايكس بيكو ووعد بلفور قد أذابا أحلامه في شرك الوهم والخداع، كذلك الحال مع ما فعلته امريكا بعد تعهدات روزفلت للملك السعودي، حين اعترفت واشنطن بالكيان الصهيوني مساء يوم الجمعة في الرابع عشر من مايو. مايس 1948.
ولم يكن التعاطف الاميركي مع الحركة الصهيونية وليد الاربعينات، وإن كان الملف قد أخذ يتنقل من لندن الى واشنطن. ذلك ان الاستثناء لمبدأ حق تقرير المصير الذي نادى به الرئيس ولسون 1919، كان موقفه المؤيد لوعد بلفور وللانتداب الفرنسي والبريطاني المتقاسم لسوريا. ويومها لعب القاضي الامريكي اليهودي لويس براندس دوراً مزدوجاً باقناع الرئيس الامريكي بدخول الحرب ومساندة وعد بلفور.
لقد كان مد أنابيب النفط لشركة تابلاين أواخر الاربعينات والحصول على الامتيازات النفطية الامريكية في الجزيرة العربية، بداية التزاوج في المصالح بين الكيان الصهيوني وأمريكا. وقد تعزز الملف الصهيوني عند الامريكان بعد العدوان الثلاثي عام 1956.
ثم تلى ذلك خلال النصف الاول من الخمسينات تزويد الاستعمار الفرنسي اسرائيل بمكونات القاعدة النووية في ديمونة، يوم كانت فرنسا تخوض حربها الاستعمارية في الجزائر، ومن جهة أخرى تجد مصلحتها في التحالف مع الكيان الصهيوني. لهذا وفي العام 56 أي بعد تأميم قناة السويس، نظم الاستعمار الفرنسي والبريطاني بالتحالف مع الكيان الصهيوني العدوان الثلاثي. بل كانت حرب 67 هي التكريس الفعلي لترسيخ التحالف الصهيوني الامريكي، حين أصبحت بالتزامن منابع النفط في الجزيرة العربية هي الهدف الأغلى. وهذا ما اشار إليه رونالد ريغان في إحدى خطاباته بأن الكيان الصهيوني يشكل بالنسبة لواشنطن الكنز الاستراتيجي لتحقيق المصالح.
أما الرئيس جونسون، فقد أدار المعركة السياسية بعد عدوان 67، بحيث أخضع العرب للابتزاز، وكان مندوبه في الامم المتحدة اليهودي غولدبرغ. فربط وقف العدوان بقبولهم بالقرار 242 الذي جعل من الاراضي المحتلة في العام 1967 رهينة للمقايضة، بشرط الاعتراف بالكيان الصهيوني وأمنه، أساساً للسلام.
في أواخر الستينات 1968، وضع الاقتصاديان الصهيونيان ميخائيل شيفر وشاوول زراحي، مشروعاً شرق أوسطياً، تؤدي فيه اسرائيل دور القطب الاقتصادي، وتزودها الاقطار العربية بالمواد الخام والقوى العاملة الرخيصة، مع ضمان تنشيط الاسواق الاستهلاكية الواسعة لتصريف نتاجاتها الصناعية.
يقول محللون: أنه لولا الجسر الجوي والتدخل الفعال في عام 1973 وخروج السادات من الحرب، ولولا المظلة الامريكية التي مكنته من احداث ثغرة الدفرسوار السياسي والعسكري، لكان الكيان الصهيوني قد مني بهزيمة حقيقية. ثم جاء الاحتضان الامريكي للمشروع الصهيوني أكثر بعد أن تجاوز حد اسقاط الحقوق التاريخية والطبيعية للعرب، مع إسقاط القرارات الدولية لمصلحة مقولة امن العدوان الذي التزمت به امريكا. ليصبح الكيان بترسانته العسكرية متفوقاً نوعياً وكمياً على مجموع القوة العربية مجتمعة.
وفي عام 1993 تشكلت لجنة اسرائيلية امريكية خاصة، تعمل من أجل تعديل أو إلغاء قرارات الأمم المتحدة المعادية لاسرائيل. فكانت الشرق أوسطية بمثابة عملية إحلال هوية غير الهوية العربية، لأجل سلب الموارد والارض، كجزء من عملية واسعة رمت وترمي الى تبديل حقيقة الصراع من مواجهة عدوان استيطاني عنصري الى معادلة خلاف بين متساويين.
وإذا كان النظام الشرق أوسطي هو جزء ضروري للنظام العالمي تحت رعاية الهيمنة الامريكية، نظراً لوقوع منابع الطاقة النفطية الرئيسة فيه، فإنه في الاساس ملازم للفكرة الصهيونية منذ نشوئها، وللمشروع الصهيوني في مختلف مراحله.
على هذا السياق وضمن المشروع الصهيوني، منذ تجلياته الاولى حتى خططه الاخيرة، يتبين أنه هو صاحب المصلحة الحقيقية في قيام السوق الشرق اوسطية وأنه الداعي لهذا الهدف ومؤسسته. لأن الغرض هو تهميش العالم العربي، بمساندة أغبياء العالم العربي. فالسوق الشرق أوسطية لا تطرح في ظل ازدهار النظام العربي وقيام وحدته، أو سوقه المشتركة وجبهته السياسية العسكرية القوية. لذا، نرى اليوم، أزمات خانقة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأخلاقية ودينية، قد أصابت الجسد العربي، بعد أن وضع الكيان الصهيوني مفهوماً للسلام بشرط التطبيع.

*الصهيونية الشرق أوسطية، من هرتزل الى بيريز الى النفق. (بتصرف)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى