رأي

سيرجي لافرفرف في الجزائر …زيارة لافروف تُربك المتربصين بالجزائر

 
زكرياء حبيبي
 
أمام موجة ردود الأفعال التي صاحبت زيارة وزير الخارجية الروسي السيد سيرغي لافروف، وأمام حالة الصدمة التي ألمت بالبعض، وجدتني كالعادة أتأمل بروية وهدوء في هذا المشهد المليء بالمتناقضات، وأفكر في ما إذا كان الوقت مناسبا لأعبر عن رأيي فيما يحدث..
حيث أقام المتربصون الدنيا ولم يُقعدوها، للتنديد بطريقة أو أخرى بزيارة الوزير لافروف للجزائر التي بدأها يوم الثلاثاء 10 ماي/مايو الجاري، وجندوا لحملة “التنديد” كلّ أبواقهم الإعلامية، ومنها وكالة الأخبار الفرنسية، وإذاعة مونتي كارلو الدولية، المعروف عنهما قربهما الشديد من الكيدورسي والمخابرات الفرنسية، وراحت هذه وسائل الإعلام الفرنسية الرسمية تتساءل عن سرّ زيارة لافروف حيث عنونت مقالا لها على موقعها الرسمي تحت السؤال التالي حتى لا نقول عنوان: “لافروف يلتقي العمامرة وتبون في زيارة غير معلنة: ماذا تريد موسكو من الجزائر؟”، وكأننا بهؤلاء المتربصين وأبواقهم الشيطانية، نصبّوا أنفسهم أوصياء على الشعب الجزائري. بل وحتى قناة الحرّة الأمريكية والممولة من طرف مجلس الشيوخ الأمريكي طرحت السؤال نفسه وبنفس الصيغة وهو ما يؤكد التناغم التام والانسجام بين الحلف المتربص بنا وبخيرات بلادنا.
حالة الهستيريا التي أصابت هؤلاء، أرى أنها ردّ فعل طبيعي للغاية، من قبل من تسبّبوا في مأساة الجزائر، التي خلّفت آلاف الضحايا خلال سنوات التسعينات من القرن الماضي، فزيارة لافروف، في هذا التوقيت بالذات، والذي يتميز بانقلاب موازين القوى في العالم، وبداية تفكك الحلف الشيطاني الذي تآمرعلى العديد من البلدان العربية والإسلامية، واستقدم إليها شتى أنواع الإرهابيين من بقاع العالم، قُلت هذه الزيارة، جاءت لتُؤكد أن العالم بدأ بالفعل في الخروج من الحصار الذي فُرض عليه، وهذا بطبيعة الحال لن يُرضي المُتآمرين على وطننا العربي والإسلامي وبيادقهم، وبخاصة في بلد كالجزائر، الذي نجح لوحده في القضاء على جحافل الإرهابيين في سنوات المأساة، وتحوّلت تجربته إلى نموذج عالمي يُقتدى به، بشهادة الجميع، فهؤلاء المتربصين، يعون جيّدا اليوم، أن زيارة سيرغي لافروف للجزائر لها وزن كبير للغاية.
فالجزائر كانت ولا تزال تُعارض استعمال القوة والعنف لحلّ المشاكل في البلدان العربية على وجه الخصوص، ورفضت دائما تجميد عضوية ليبيا وسوريا في الجامعة العربية، لأن التجميد لا يُسرّع إيجاد الحلول بل يُعمّق الأزمة، وهي اليوم إذ تستقبل لافروف، في ظلّ التحولات الكبيرة التي يعرفها العالم، فإنّما تُبرهن مرّة أخرى على صدقيّة مواقفها المبدئية، في مُعالجة الأزمات والنزاعات، وأكثر من ذلك كلّه، فالجزائر وبعكس بعض المماليك، لا تُضمر أية كراهية أو حقد لأي بلد عربي كان، الأمر الذي أهّلها مرات عديدة للعب دور الوسيط في حلّ النزاعات بين الأشقاء، ويُرتقب اليوم أن يكون لها دور فعال للغاية في إيجاد المخارج للأزمات التي يعيشها العالم، وهذا برأيي ما يُثير قلق بعض الجهات الفرنسية على وجه الخصوص، التي انخرطت في المُؤامرة على عديد البلدان العربية، في إطار ما سُمي باطلا ب”الربيع العربي”، والذي استخدمت فيه الإرهابيين التكفيريين كرأس حربة، في بداية تنفيذ المؤامرة، وهذا ما عايشناه على المُباشر في تونس وليبيا وسوريا ومصر واليمن.. فالمتربصين بنا يُحاولون إبعاد المسؤولية عنهم في كل المجازر التي ارتُكبت من قبل التنظيمات الإرهابية التي خرجت من صُلبهم، بل ويحاولون اتهام ضحاياهم، بأنهم هم من يُمارسون الإرهاب.
وبرأيي دائما أن هذه الزيارة وما صاحبها من صخب، تعي الجزائر مقاصدها وغاياتها، وليس بالضرورة أن تكشف عن خباياها في هذا التوقيت البالغ الحساسية، فالمسكوت عنه غالبا ما يصنع المفاجآت.
هذه الزيارة التي شكّلت مُفاجأة لكلّ المتآمرين والمتربصين، فالزيارة بحدّ ذاتها تُشكل انتصارا كبيرا ذا أبعاد إستراتيجية للغاية، فكأنّنا بروسيا والجزائر، قد أعلنا بشكل رسمي، انتهاء مرحلة حصار العالم، بل أكثر من ذلك كلّه، فالزيارة تبعث برسائل في قمّة الوضوح، وهي أن الجزائر تُمثل المُعادلة الرئيسية والهامة التي لا يُمكن تجاهلها من أيّ جهة كانت، وبذلك ففرنسا وحلفاؤها من بني صهيون وخدمهم في المملكة المغربية، لن يكونوا سعداء البتّة، خاصة وأنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد صرح بأن روسيا والجزائر تخططان للتوقيع على وثيقة استراتيجية.
وقد أشار اليوم الوزير لافروف، في لقاء جمعه بالعاصمة الجزائر بالوزير رمطان لعمامرة، أن الدولتان تعتزمان التوقيع على اتفاقية تعكس النوعية الجديدة للعلاقات الثنائية.
وقال لافروف إلى أنه بالنظر إلى “التطور السريع للعلاقات الودية” بين الدولتين، ومن أجل الحفاظ على مستوى عال من التفاعل، يخطط الجانبان لإبرام “وثيقة استراتيجية جديدة بين الدولتين تعكس النوعية الجديدة لعلاقاتنا”.، ما يؤكد أنّ أمرا كبيرا للغاية سيترتّب عن هذه الزيارة، ولن يكون إلا في صالح الجزائر وحلفائها لا غير، لأن واقع الميدان يُشير بشكل واضح إلى أن محور روسيا الجزائر، أصبح مُمسكا بقواعد اللعب الإستراتيجي والجيوإستراتيجي في المنطقة والعالم ككل، ولا يُعقل والحال كذلك أن يُقدم هذا المحور على تقديم تنازلات تمُس بالتوازن الجديد الذي تمّ رسمه وترسيخه على أرض الواقع في سوريا، وغالب الظن برأيي أن ما بعد زيارة لافروف إلى الجزائر لن يكون كما قبلها، وأن مؤشرات خريطة جديدة بدأت ترتسم بشكل قوي للغاية. وبالتالي فالتشويش أو التنديد بطريقة ماكيافيلية على زيارة لافروف له ما يُبرّره، في القاموس الإستعماري لفرنسا وبيادقها في الخارج والداخل، والذين يعرفون تمام المعرفة أنه كلّما لعبت الجزائر مع الكبار، تفقد فرنسا بُوصلتها.
أختم كلامي بالتوجه إلى معالي وزير خارجية فيدرالية روسيا الشقيقة السيد سيرغي لافروف، لأقول له، إن هؤلاء الشياطين الذين يشوشون على زيارتكم، كانوا ولا يزالون إلى يومنا هذا، يدفعون باتجاه إذكاء نيران الفتن بين الجزائريين، وكأننا بهم لم تروِ عطشهم الشيطاني دماء عشرات الآلاف من الجزائريين، الذين ذهبوا ضحية أفكارهم الجهنمية، التي سمحت بتعشيش وتفريخ الإرهابيين في بلادنا.
وبصفتي ابن مجاهد وحفيد قائد ثوري، أقول للسيد سيرغي لافروف مرحبا بكم في أرض الشهداء الجزائر، ولتخرس أفواه الشرّ والسوء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى