أخبارالحدث الجزائريثقافة

الاحتلال الفرنسي للجزائر عبر الاحتلال الثّقافي

الاحتلال الفرنسي للجزائر عبر الاحتلال الثّقافي – معمر حبار

YVONNE TURIN « affrontement culturels dans l’algérie coloniale. Ecoles, médecines, religion, 1830-1880 », ENAL , Alger, Algérie, 2 edition, 1983, contient 437 Pages.

مقدّمة:

قرأت الكتاب بتاريخ: الخميس 11 رمضان 1440 هـ الموافق لـ 16 ماي 2019.

تحدّث صديقنا الفلسطيني Mohamed Chawich منذ شهرين -فيما أتذكّر- عن أنّ لم يتطرّق لحدّ الآن عن الاستدمار الفرنسي من النّاحية الثّقافية. ويرى ذلك من العيوب التي يجب تداركها عاجلا غير آجل. وأعترف أنّ فكرته الفاعلة كانت دافعا لإعادة استخراج الكتاب، وتنظيمه، وترتيبه. وله بالغ التّقدير، والمحبّة، والاحترام.
العناوين الفرعية من وضع صاحب الأسط.

الكتاب غير متوفّر –الآن- بين يدي صاحب الأسطر، ولذلك لم يتم إرفاق المقال بصورة الكتاب كما هو معمول به في سائر المقالات.

الاختلاط لتثبيت الاستدمار الفرنسي:

لأوّل مرة في حياتي أقف على سبب فرض الاستدمار الفرنسي للتعليم المختلط بين المحتلين الفرنسيين والجزائريين في قسم واحد وهو: حين يدخل الطفل الجزائري المدرسة صباحا، ومساء رفقة الفرنسيين أبناء المحتلين ستكون فرصة للاستدمار الفرنسي لكي لايخصّص الطفل الجزائري ذلك الوقت لحفظ القرآن الكريم.

المدرسة المختلطة فرصة لتغلغل ثقافة المستدمر الفرنسي، وطمس القرآن الكريم، والحدّ من حفظه عبر تخصيص وقتا للمدرسة الفرنسية المختلطة وليس لحفظ القرآن الكريم.

أقول: المقصود بالاختلاط هنا هو التقاء الجزائري بالفرنسي في مدرسة واحدة، ولا يقصد به الفصل بين الذكور، والإناث في المدارس.

الضّغط على الزوايا:

قال الأميرال المجرم المحتلّ Gueydon سنة 1871 صفحة 285: ” لايمكن لي أن أسمح بقراءة القرآن فقط سواء كانت زاوية، أو هيئة أخرى”.

أقول: سعى الاحتلال الفرنسي للضّغط على الزوايا العلمية لتدجينها، وحرمانها من مواردها، وغلق أبواب الرزق أمامها، وتفضيل الجزائريين الذين تأثّروا بالثقافة الفرنسية المحتلة عليهم في المناصب.

السّبب في ذلك أنّ الاستدمار الفرنسي أدرك قوّة الزوايا في حفظ تماسك المجتمع الجزائري، وتوجيهه الوجهة الحسنة. لأنّ كلّ المقاومات الجزائرية التي قاومت الاستدمار الفرنسي خرجت من رحم الزوايا، وأصبح بالتّالي هدف المستدمر الفرنسي هو القضاء على الزوايا ليتمكّن من السّيطرة على المجتمع الجزائري، ودون مقاومة.

الاستيلاء على “حْبُوسْ” الزوايا:

قال: ابتداء من سنة 1843 وضع الاستدمار الفرنسي “الحْبُوسْ” تحت سيطرته ليحرم الزوايا من النفوذ ونشر العلم، ومن مواجهة الاحتلال الفرنسي. 113

المدارس الفرنسية لمواجهة الزوايا:

قال: أنشىء الاستدمار الفرنسي المدارس الفرنسية لمواجهة الزوايا وبالتّالي مواجهة الحدّ من نفوذ الزوايا واستبدال محاربة الاستدمار بقبوله. وأن يكون أساتذة المدارس الفرنسية بديلا عن علماء وفقهاء الزوايا. 121

علماء وفقهاء الزوايا هم أعداؤنا لأنّهم يعلّمون الجزائريين القراءة، والكتابة، ومحاربة الاستدمار الفرنسي. مايستوجب محاربتهم دوما وبكلّ الطرق. 123

وضع الاستدمار الفرنسي كلّ التسهيلات لأساتذة المدارس الفرنسية من سكن، ووظيفة، وراتب، ومكانة وفي الوقت نفسه حرم علماء، وفقهاء الزوايا من كلّ شيء لغرض تثبيت الاستدمار عبر أساتذة المدارس الفرنسية، وبالتّالي نشر ثقافة قبول الاستدمار عبر المدرسة، وأبناء الجزائر. 126

منع الزوايا من “حٙقّْ رٙبّيِ” :

قطع الاستدمار الفرنسي العلاقة القائمة للحصول على “حٙقّْ رٙبّيِ”، وفرض ضرائب باهظة ليحرمهم النفوذ، ويبعدهم عن المجتمع، ويميت لدى الجزائريين محاربة الاستدمار الفرنسي. 125

إبعاد علماء الزوايا عن القضاء:

قال: إزالة علماء، وفقهاء الزوايا من ممارسة القضاء لأنّهم يمثّلون خطر على الاستدمار الفرنسي، واستبدالهم بجزائريين تعلّموا في المدارس الفرنسية باعتبارهم يقبلون الاحتلال. 135

تبيّن لنا أنّ الزوايا بتعليمها الدّيني، وعبر علمائها، وفقهائها هي التي تحرّض الجزائريين على الاستدمار الفرنسي. مايتطلب محاربة الزوايا بكلّ الطرق. 137

يفهم من هذا أنّ الجزائري يحبّ، ويحترم علماء، وفقهاء الزوايا لأنّهم يحاربون الاستدمار الفرنسي. والمطلوب قطع هذه الصلة بين الجزائريين، وعلماء، وفقهاء الزوايا لتثبيت الاستدمار الفرنسي.

تعليم المرأة الجزائرية لتكون عينا للاستدمار الفرنسي:

من النّاحية الظاهرية كان يظهر الاستدمار الفرنسي على أنّه يحرص على تعليم المرأة الجزائرية والمجتمع الجزائري هو الذي يرفض ذلك. لكن في حقيقة الأمر أصرّ الاستدمار الفرنسي على تشويه المرأة الجزائرية من خلال إخراجها من بيتها لتكون عينا له على البيوت الجزائرية، وجاسوسة على الرجال المقاومين للاحتلال الفرنسي. فالطب مثلا فرصة لدخول المرأة الجزائرية للبيوت الجزائرية التي لايستطيع الرجل أن يدخلها فتنقل للمستدمر الفرنسي أسرار البيوت الجزائرية عبر المرأة الجزائرية “المتعلّمة؟ !”.

إقامة المدارس الفرنسية، والثّقافة الفرنسية لإطالة عمر الاحتلال:

قال: سيطرة السّلاح غير مجدية. لابدّ لها من سيطرة ثقافية حتّى يخضع الجزائري ويقبل بالاحتلال. 34

وقال: الغاية من إقامة مدارس فرنسية بالجزائر وتعليم الجزائريين هو: كسر حاجز الرفض للاستدمار الفرنسي، وزرع ثقافة قبول المحتل الفرنسي. 75

تعليم الجزائريين الثقافة الفرنسية قصد محاربة الخلفيات التي يملكها الجزائري عن الاستدمار الفرنسي، وبالتّالي محو محاربة الاستدمار الفرنسي. 115

قال: السيطرة على الجزائريين عبر المدارس والتعليم أفضل، وأسهل، ومثمرة، وغير مكلّفة. 120

قال: من معالم المدارس الفرنسية تكييف الجزائريين على قبول الوضع الجديد. أي قبول الاستدمار، والتبرير له. 128

استعمال اللّغة العربية لضمان الاحتلال الفرنسي للجزائر:

من أهداف الاستدمار الفرنسي: التعليم عبر اللّغة العربية لتثبيت الاحتلال بالإضافة إلى فرض اللّغة الفرنسية.

المطلوب كسر العلاقة بين اللّغة العربية، والإسلام حتّى يسهل على فرنسا المحتلة تثبيت الاستدمار، ونشر الثقافة التي ترضى به، وتؤيّده، وتبرّر له. 116

سيطرة الاحتلال على المساجد لبقاء الاحتلال:

قال: تعلّم الجزائري القراءة، والكتابة، ومحاربة الاستدمار الفرنسي عبر المساجد. وعلينا أن نضع المساجد تحت سيطرة الاستدمار الفرنسي لزرع، وبثّ قبول الاحتلال الفرنسي. 117

قال: الدين، والعلم لدى الجزائريين وجه واحد. وعلينا أن نزيل هذه العلاقة لنثبّت الاستدمار، ويقبل الجزائري بالاحتلال. 118

التّرجمة لغرس الاحتلال:

قال: لفرض قبول الاستدمار الفرنسي يجب ترجمة كتبنا الفرنسية الأساسية إلى اللّغة العربية، بالإضافة إلى تعليم الجزائريين اللّغة الفرنسية. 133

معرفة المجتمع الجزائري قصد القبول بالاحتلال:

قال: المطلوب من الاستدمار الفرنسي معرفة المجتمع الجزائري جيّدا لكي يتمكّن من السّيطرة عليه، كما يفرض علينا ذلك واجبنا الاستدماري. 141

أقول: حين احتلت فرنسا الجزائر كانت تعلم أنّها لاتعرف حقيقة المجتمع الجزائري. ماجعلها تدرسه، وتدرس تقاليده، وعاداته، واللّغة، والدين.

وقفت فرنسا المحتلّة على نتيجة مفادها: للجزائري عادات، وتقاليد كالّدين، واللّغة، وحب واحترام الفقهاء، والعلماء يصعب التخلي عنها ناهيك عن استبدالها.

راحت فرنسا المحتلّة تستعمل طرقا لمواجهة هذه التقاليد، والعادات التي يتمسّك بها الجزائري شريطة أن لاتصدم الجزائري ولا يرفضها. واستعملت طرقا حيث تثبّت من خلالها الاستدمار، وفي الوقت نفسه تبثّ لدى الجزائريين القبول بالاستدمار تدريجيا، وعبر الزمن.

تعليم اللّغة العربية، والعامية لفرض اللّغة الفرنسية، والاحتلال:

أقول: إحدى أدوات تثبيت الاستدمار ونشر قبول الاحتلال هي اللّغة العربية. أي ترجمة الكتب الأساسية الفرنسية للّغة العربية، ونشر العامية، وتعليم العربية لدى المستدمرين الفرنسيين ليفهموا جيّدا المجتمع الجزائري، وتطويعه، وتركيعه فيما بعد.

استعمل الاستدمار الفرنسي اللّغة العربية للقضاء على اللّغة العربية، وعلى الإسلام، والعلماء، والفقهاء، والتّاريخ، والهوية الجزائرية. بالإضافة إلى تكريس اللّغة الفرنسية، وتثبيتها.

المسألة لاعلاقة لها باللّغة العربية إنّما لها علاقة بما تحمله اللّغة من قيم، ودين، وتاريخ، وصمود، وهوية. أي تحطيم هذه المقوّمات الرّافضة للاستدمار الفرنسي. وفي المقابل نشر ثقافة تقبل بالاحتلال، وتدافع عنه، وتبرّر له.

سعى المحتل في بدايات الاحتلال الفرنسي إلى تعليم الجزائريين اللّغة الفرنسية، وتعليم المستدمرين الفرنسييين، وغيرهم االلّغة العربية لإزالة حاجز الترجمة تدريجيا بين المستدمر الفرنسي، والجزائريين ليسهل بالتّالي تثبيت الاستدمار، ونشر ثقافة قبول الاحتلال لدى الجزائري تدريجيا عبر اللّغة العربية، والفرنسية. أي دون حاجز المترجم. وأعترف أنّي لأوّل مرّة في حياتي أقف على هذه المعلومة، ولذلك تعمّدت نقلها بأسلوبي، ونشرها.

الطب الدعائي للاحتلال، وتثبيته:

يقف القارىء النّاقد وهو يقرأ الفصل الخاص بالطب على كيفية استعمال المستدمر الفرنسي للطب كوسيلة من وسائل تثبيت الاستدمار الفرنسي، والنّهب، والسّيطرة.

قال: الطب لدى الاحتلال الفرنسي هو عملية إذابة الجليد بين المحتلّ الفرنسي، والجزائري حتّى يسهل اختراقه. 142

لتثبيت احتلال الجزائر وجب على الطبيب الفرنسي المحتلّ أن يتحدّث لغة الجزائري. 143

المطلوب من الطبيب الفرنسي لتثبيت الاحتلال أن يتّبع -حسب ترجمتي وبالحرف الواحد- “الطب الدعائي”. مايعني استعمال الطب للدعاية للاحتلال، وتثبيته. 144

المطلوب أن يكون الطبيب الفرنسي المحتلّ تحت تصرف الجزائري لكي لايسبقه أحد، ويسهل عليه فيما بعد تثبيت الاحتلال، والقبول به من طرف الجزائري. 144

يقوم طبيب الاحتلال الفرنسي بنفس المهام التي تقوم بها مدرسة الاحتلال الفرنسي من حيث تثبيت الاحتلال، وقبول الاحتلال من طرف الجزائري. فهما إذن يسيران في نفس الخطّ، وبوسائل مختلفة، وإن كانت تبدو متضاربة، ومختلفة. 145

قال: علينا أن نظهر للجزائري “محاسن حضارتنا؟ !” عبر الطب ليقبل الاحتلال، ويرضى به. 145

مهمّة طبيب الاحتلال الفرنسي هي “مهمّة تبشيرية” وليست الطب، والدواء فقط. 146

مهمّة الاحتلال الفرنسي أن يقرّب طبيب الاحتلال الفرنسي للجزائريين ليسهل بعدها تثبيت الاحتلال عبر الطب، والطبيب. 148

ممّا وقفت عليه ولأوّل مرّة في حياتي، أنّ: الاحتلال الفرنسي لايرفض عادات الجزائريين والمتمثّلة خاصّة في رفض طبيب الاحتلال الفرنسي باعتباره مسيحي أو يهودي، وأنّهم يفضّلون العادات، والتّقاليد السّائدة. إنّما يرفضها، ويقاومها لأنّها من وسائل مقاومة الاحتلال، ورفض تثبيت الاحتلال. ولذلك سعى دوما لكسر هذا الحاجز عبر طبيب الاحتلال الفرنسي لتثبيت الاحتلال، وترسيخه. 149

جاء على لسان الجنرال الفرنسي المحتل المجرم Comte de La Rue، قوله سنة 1836: “ستقومون بعمل عبر الأطباء، والدراويش أفضل من المدافع والبنادق”. علّق صاحب الكتاب بقوله: استعمل الاستدمار الفرنسي الثانية (أي المدافع والبنادق) دون التخلي عن الأولى (أي الطبيب). 150

للأمانة، تحدّث الكاتب عن عادات سيّئة اتّصف بها الجزائري في إهماله لصحته، والاكتفاء ببعض التصرفات التي تسىء، ولا تفيد.

الأحد 17 رجب 1445هـ، الموافق لـ 28 جانفي 2024

الشرفة- شلف- الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى