مجتمعمنوعاتمنوعات

سوء الظن

محمود عبد الله


كثيرا ما أتساءل: لماذا ابتلينا كمجتمع عربي (ونحن بالأخص – ولا أستثني نفسي) بسوء الظن؟!
لماذا نقفز سريعا إلى استنتاجات قاطعة (نتعامل معها كحقائق يقينية) من مجرد رؤيتنا لموقف عابر لا نعرف أصله؟!
لماذا لا نتحرى الدقة ونفند الأمور جيدا قبل الحكم فنظلم غيرنا بسوء ظننا؟!
من هنا، نتشر الشائعات..فالمناخ الملوث بالكذب والنميمة هو بمثابة الأرض الخصبة التي تنمو وتنتشر فيها الشائعات والأكاذيب – خاصة مع تزايد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي!!
وكأننا في محكمة نصدر الحكم ونفصل في الأمر دون تحقيق أو أدلة أو استماع إلى المتهم الذي قد يكون بريئا..
وهناك أمثلة كثيرة:
المشهد 1: شاب وفتاة يمشيان في الشارع..
التهمة: على علاقة
الحقيقة: فتاة غريبة من محافظة بعيدة ضلت الطريق فاستعانت بأحد الأشخاص (لا تعرفه) فأصر (بدافع من الشهامة والمروءة) أن يوصلها بنفسه!
المشهد 2: أستاذ جامعي يقبل إحدى الطالبات في الكلية علنا أمام الناس!
التهمة: إنحراف وقلة أدب ومجاهرة بالمعصية!!
الحقيقة: أخته (ابنة أخيه أو أخته) لم يلتقيا من فترة، فأصرت على تقبيله، فمنعه الحرج من أن يصدها!!
المشهد 3: زميل وزميلة يجلسان سويا لمدة ساعتين متواصلتين مثلا في العمل..
التهمة: قصة حب أو علاقة
الحقيقة: بيناقشوا مشكلة أو مشروع مطلوب منهم تسليمه في أقرب فرصة!!
المشهد 4: رجل ببدلة ومحترم بيجري في الشارع بأقصى سرعة!!
التهمة: مجنون – موتور – مش مراعي سنة أو مركزه..
الحقيقة: اتصلوا بيه وبلغوه إن ابنه عمل حادثة بالعربية وفي العناية بالمستشفى..
المشهد 5: رجل مقتدر ولكنه يلبس ساعة رقمية عادية (كاسيو مثلا)
التهمة: بخيل ومش هاين عليه يجيب ساعة كبيرة موضة علشان مظهره ومركزه!
الحقيقة: عنده كذا ساعة وماركات عالية وعالمية ومن بره كمان، بس بيحب الساعات الرقمية عموما (ومش غاوي منظرة) وبيلبس الساعات التانية دي في المناسبات بس وبيبقى مستتقلها ومش مرتاح بيها زي الرقمية..كمان الساعة الرقمية دي بالذات غير إنها عملية أكتر أو خفيفة أو أدق وأحسن وفيها تفاصيل أكتر، ممكن يكون ليها معاه ذكريات جميلة لأكتر من 15 سنة مضت!
دائما ما تجد مسيء الظن في كل مكان وزمان..فضولي (يعاني من فراغ قاتل) هوايته التلصص على الناس ومراقبتهم ومعرفة أخبارهم وأسرارهم وتفاصيل حياتهم، كي يلسن عليهم ويشوه صورتهم، فيتهمهم دائما – ليس بما فيهم – ولكن بناء على ما يصوره له عقلة التافه المريض من خيالات وأوهام!! أو بمعنى أصح، يتهمهم (بما فيه هو) وليس بما فيهم..أي أن ما في نفسه المشحونة المضطربة المعتلة من رغبات وأحقاد وصراعات وعقد وتناقضات وما يميز سلوكه من عدم نضج وسوء خلق وعدوان وشحناء وفضول (مرضي) قاتل تجعله لا يتصور أبدا وجود علاقات عادية (طبيعية) سوية غرضها شريف من حوله..فالإنسان الهش الضعيف المنحرف غير السوي (سيء النية) لا يفترض وجود أي شخص سوي أو مستقيم أو خير من حوله!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى