ثقافة

سعيد عقل في قصائده الشامية

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

لوحة حياة

سعيد عقل، شاعرٌ لبناني شهير، فيلسوفٌ وكاتبٌ مسرحي متقن ومعبر، كما عمل منقحا لغويا في عدد من المحلات ودور النشر . يعد الشاعر سعيد عقل أحد أفضل رواد الشعر الحديث في لبنان.
اشتهر سعيد عقل بتأييده للهوية والقومية اللبنانيين. كما كان من الداعمين لفكرة التكلم باللهجة اللبنانية المحلية معتبرًا أن الأبجدية اللبنانية مكونة من 36 حرفًا.
برع سعيد عقل في مجالاتٍ أخرى، فقد ألف العديد من النصوص المسرحية وكتب الكثير من كلمات الأغاني الشعبية التي نالت شهرةً واسعةً .
وُلد سعيد عقل في 4 تموز عام 1912 في مدينة زحلة اللبنانية، وكان ينتمي إلى عائلة مسيحيةٍ مارونية. تلقى علومه الابتدائية في مدرسة المعلمة صوفيا في زحلة. و أمضى المرحلة الثانوية في مدرسة الأخوة المريميين التي عرفت لاحقا بالكلية الشرقية .

أدى إفلاس والد سعيد عقل عام 1927 وبيعه لأراضيه إلى هجرة أخ سعيد م عقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أُجبر سعيد عقل على ترك المدرسة والبحث عن عمل. وفي عام 1930 انتقل إلى بيروت ليعمل فيها حينًا كمدرس وحينًا آخر محرراً في بعض الصحف.

عاد بعد ذلك إلى الدراسة حيث التحق بمعهد الحكمة عام 1939، ودرس في مدرسة الآداب العليا الفرنسية عام 1943. درس عقل اللاهوت والأدب والتاريخ الإسلامي، لكنه لم يحصل على أي شهادةٍ جامعية. عمل أيضًا كمحاضرٍ في العديد من الجامعات اللبنانية والمعاهد السياسية في لبنان.

بدأ سعيد عقل مسيرته في الكتابة مع انضمامه إلى جريدة الوادي في زحلة، حيث كان مؤسس هذه الجريدة هو الشاعر بشارة الخوري الملقب بالأخطل الصغير.

سعيد عقل أحد المؤسسين لحزب التجدد اللبناني عام 1972. ويعتبر الأب الروحي لحزب حراس الأرز الذي يتزعمه إيتان صقر.

كان سعيد عقل من أبرز المؤيدين والداعمين لفكرة القومية اللبنانية من خلال التركيز على الخاصية اللبنانية.
اعتبر سعيد عقل من المؤيدين للعدوان الاسرائيلي على لبنان عام 1982 بهدف القضاء على الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، وكانت هذه النقطة من المآخذ التاريخية في حياة الشاعر سعيد عقل.

صمم سعيد عقل أبجدية استخدمت الأبجدية اللاتينية، بالإضافة إلى بضعة أحرف مصممة حديثاً وبعض الأحرف اللاتينية، بحيث اختارها بشكل يتناسب مع علم الأصوات اللبناني، وعرفت هذه الأبجدية باسم أبجدية عقل اللاتينية وقد تضمنت 36 حرفًا.
تعلم سعيد عقل أمورا كثيرةً عن الآداب السنسكريتية والصينية والفينيقية من خلال ملازمته لمكتبة ضابط فرنسي. كما قام بالتدريس في مدرسة الآداب وفي معهد الآداب التابع للأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة التي أنشأها ألكسي بطرس. قام أيضًا بالتدريس في دار المعلمين، ثم في الجامعة اللبنانية (علمًا أنه لم يكن حاصلاً على أي شهادةٍ جامعية). بعد ذلك انتقل إلى جامعة الروح القدس ليدرس فيها تاريخ الفكر اللبناني، وكذلك أعطى دروسا في اللاهوت في الكسليك .

دخل سعيد عقل بعد ذلك مجال الكتابة والتحرير من خلال عمله لصالح بعض الصحف، حيث حرر في جريدة البرق، التي كان مؤسسها الشاعر بشارة الخوري الملقب بالأخطل الصغير. وعمل في صحيفة المعرض لصاحبها ميشال ذكور وصحيفة لسان الحال لخليل سركيس وجريدة الجريدة لجورج نقاش والصياد لسعيد فريحة.
أخذت كتاباته بالانتشار والشهرة، فقد نال جائزة الجامعة الذهبية للرواية عام 1935.

علاقات عقل السياسية كانت متشعبة وكثيرة، حيث كانت له صلات مع الحزب الشيوعي، ومن أبرز أصدقائه الشيوعيين كان خالد بكداش السوري وفرج الله الحلو ونقولا الشاوي، لكنه لم ينتسب بشكل فعلي إلى هذا الحزب. وبالنسبة لما قيل عن انتماء عقل إلى الحزب القومي السوري وأنه من كتب النشيد الخاص بالحزب، فقد نفى عقل ذلك خلال لقاءٍ صحفي مع جريدة النهار في 9 أيار عام 1992 ، حيث صرح أنه لم يعرف أبداً زعيم هذا الحزب أنطون سعادة. أما بالنسبة لنشيد الحزب فإن وديع نصر الله، وهو قوميٌ سوري، هو من كتب النشيد وطلب من عقل مساعدته في إصلاحه، فلبى عقل طلبه. وعندما اعتمد الحزب هذا النشيد نسبوه إلى سعيد عقل.

من علاقاته السياسية الأخرى، تقربه من حركة القوميين العرب (جمعية العروة الوثقى)، حيث نظم النشيد الخاص بهذه الجمعية المعروف باسم (للنسور ولنا الملعب)، وكان السبب وراء هذا التقرب، حبه لفتاةٍ اسمها ليلى طنوس، العضوة في هذه الجمعية.

عام 1950 استأجر سعيد عقل بالاشتراك مع جورج غرة مدرسة مار أفرام للسريان الكاثوليك، وحولها من مدرسةٍ ابتدائية إلى ثانوية، وسماها كلية مار أفرام. ازدهرت كثيرا في عهده وانهارت كليا عندما تخلى عنها، فانتقلت إلى القطاع العام عام 1966.

من الإنجازات الأدبية لسعيد عقل كتابته أكثر من مئةٍ مقدمةٍ لكتب مشاهير .وتناولت هذه الكتب جوانبَ متنوعة كالفكر والفن والشعر والسياسة. كما كُتب عن شعر عقل نحو أربعين أطروحة دكتوراه وماجستير.

كان من بين الأهداف السياسية لسعيد عقل، وصوله إلى كرسي رئاسة الجمهورية اللبنانية. وترشح لهذا المنصب، ولكنه لم ينجح في بلوغه. كما خاض الانتخابات البلدية عام 1963 وخسر بفارق ثلاثين صوتًا.

كتب عقل للمبدعة فيروز العديد من القصائد الفصحى والعامية، وهو من أطلق على فيروز لقب سفيرة لبنان إلى النجوم. ومن أشهر هذه القصائد مشوار والقدس وغنيت مكة وسائليني ياشآم.

أهم أعماله:

• سائليني يا شآم )قصيدة(
• نشيد جمعية العروة الوثقى) للنسور ولنا الملعب)
• بنت يفتاح (مسرحية) – 1935
• المجدلية (مسرحية) – 1937
• قدموس (مسرحية) – 1944
• ردنلي – 1950
• مشكلة النخبة – 1954
• أجمل منك لا! – 1960
• لبنان إن حكى (تاريخ وأساطير) – 1960
• كأس الخمر – 1961
• يارا (بالحرف القومي اللبناني) – 1961
• أجراس الياسمين – 1961
• كتاب الورد – 1972
• دلزى – 1973
• كما الأعمدة – 1974
• خماسيات (بالحرف القومي اللبناني) – 1978
• قصائد من دفترها – 1979
• الذهب (بالفرنسية) – 1981
• ياكتريم – 1999
• حكمة فينيقيا – 1999
• قداس – 1999
• قداس – 2000
• غنيت مكة(قصيدة)

لمحة عن النتاج الفكري لسعيد عقل:

في الثَّلاثينيَّات من القرن الماضي (1935) كتب سعيد عقل “بنت يَفتاح” المأساة الشَّعرية، وهي أولى مسرحيات لبنان الكلاسيكيّة ذات المستوى الرفيع، وقد نالت يومذاك جائزة “الجامعة الأدبية” وفي الثَّلاثينيَّات ايضاً انفجرت قصيدته “فخر الدين” المطوَّلة التاريخية الوطنيّة فبرهنت أنَّ الشِعر يستطيع ان يؤرّخ ويَظلَّ شعراً مُضيئاً ، وأن يسرد قِصّة، متقيّداً بالأصول ويظلّ مؤثراً.

في عام 1937 أصدر الشاعر “المجدلية” التي بمقدّمتها غَيَّرت وجه الشّعر في الشرق، والمجدلية الشّعر والقصّة أعطت جديداً ، وعرّفت العالم أنّ الشعر سكرة كثيفة الجمال ضوئية، جوهرها موسيقى يتّحد بها الشاعر حميماً مع الكون.

في عام 1944 اطلت مسرحيّة قدموس، وهي عمارةً شعرية ذات مقدمّة نثريّة رائعة. بدأ سعيد عقل يكون مهندس النفس في الأمّة اللبنانية، أنّ قدموس، لون جديد من الملاحم التي تهزّ ضمير الأمّة وتشكّ لبنان زهرة على عرش من عروش الشّعر في العالم، وإن يكن سعيد عقل قد سمّاها مأساة.

في عام 1950 أشرقت شمس “رِنْدَلى” وصار الحبّ احلى، غدا يخصّصُ له ديوان كامل، ففي غمرة الشعر التقليدي والغزل الاباحيّ الفاحش ردّ سعيد عقل الى المرأة تاجها ، فغدت من بعده تُحبُّ وتُعبَدُ. كَوْكَبَ الغزل النبيل الذي يمكن ان يُقرأ في الكنائس والمساجد. وبعد “رندلى” الشّعر سُمِّيت مئات البنات بهذا الاسم.

في عام 1954 صدر له كُتيّب نثري “مُشكلة النخبّة” الذي يطالب فيه سعيد عقل بإعادة النّظر في كلّ شيء في السياسة الى الفكر والفن.

في عام 1960 صدر كتاب “كأس الخمر” وهو يتضمّن مقدّمات وضعها سعيد عقل لكتب منوّعة، وشهد بها لشعراء وناثرين ، مبرزاً مواهبهم، مقيّماً انتاجهم، وناهضاً بالنقد الأدبي وبمقدمّات الكتب الى مستوى نادر في النّثر الحديث.

وفي نفس العام ، حكى لبنان كما يجب أن يحكى فصدر : “لبنان إن حكى” كتاب المجد الذي يعلّم العنفوان والشّهامة، وينشُر امجاد لبنان بأسلوب قصصي أخّاذ ومضيء، يترجّح بين التاريخ والاسطورة ، ويأسرك بجوّ عامر بالبطولة يستثيرك حتى البكاء.

كما صدر ايضاً كتاب “أجمل منك؟ لا… ” حاملاً غزلاً يُصلّى به صلاةً بأسلوب ارتفع الى ذروة المرونة الإنشائية وتنوّع القوافي، كما امتاز بمواكبة التركيب الشعري للموجات النفسيّة في قصائد تشبه السيمفونيّات.

في عام 1961 صدر كتاب “يارا” وهو شعر حبّ باللغة اللبنانيَّة، قصائد ولا اجمل تجمع بين البساطة ومُناخ الخمائل، تُكوكب البال وتسكُبُ خمراً جديدة في كؤوس من زنابق.

في عام 1971 صدر كتاب “اجراس الياسمين” ، وهو شعر يغني الطبيعة بغرابة فريدة وبحدّة حِسّ وذوق.

في عام 1972 صدر “كتاب الورد” وهو نثر شعري ذو نفحات حب ناعمات من حبيب الى حبيبته، وهمسات حالمات من قلب حلوة “ينغمش” ويمطر ورداً وياسمينا.

في عام 1973 صدر كتاب “قصائد من دفترها” شعر حبّ يغني العذريّة والبراءة بكلام من ضوء القمر على تلال لبنان بين الأرز والصنوبر وقد كستها الثلوج يمثل ثوب عروس.

في عام 1973 ايضاً صدر كتاب “دُلزى” قصائد حُبّ من نار وحنين ناعم إنّه كتاب رائع يُكمل نهج “رندلى” بكَلِم من زَهْرِ الجمر مرّةً ، ومن كرِّ الكنار مرَّات.

في عام 1974 صدر كتاب “كما الأعمدة” وهو بعلبكّ الشعر وقد سجلت فيه روعة العمار، ودقّة الجمع بين الفخامة والغِوى. ذروة الكلاسيكيّة التي لا تشيخُ، مرصّعةً ببعض اللُقى واللمَع الرمزيّة. وإنَّك لتشهد في هذا الكتاب تخليداً لكل شاعر تكَّم عنه سعيد عقل. وفي هذه القصائد يتحدّى سعيد عقل نفسه مرّة بعد مرةٍ فيرتفع على ذاته بخيال يسابق خياله ويمزج بين التراكيب الفصحية وتراكيب اللغة اللبنانية احياناً . مما يقرِّب شعره من الحياة ويمنحه نكهة جمالية فريدة. في هذا الكتاب أنَّه يرفع المناسبات العاديّة الى سماء البال وأجواء الشعر اللبناني.

ومن كتبه كتاب “خماسيَّات” وهو مجموعة أشعار باللغة اللبنانية والحرف اللبناني وقد صدر سنة 1978 .

وكتاب خماسيّات الصبا باللغة الفصحى، وقد صدر سنة 1992. وهذه الخماسيّات باللغتين اللبنانيّة والفُصحى تمثّل ذُروة الكثافة في المضمون ، كما تمثّل التفرُّد العالمي في الشّكل الشِعري الذي يَحبِسُ جزءاً من عمر في عبارات لا طويلة ولا قصيرة. وإنّما هي بمعدّل ما يتوقَّعها السَّمع تنتهي فعلاً ويرتاح الشّاعر حين تنفجر .

وهذه الخماسيات هي في رأيي مستقبل الشّعر الذي يحمل في جوهره شيئاً من الذريّة الهائلة.

سنة 1981 صدر لسعيد عقل ديوان شعر باللّغة الفرنسيّة اسمه ” الذَّهب قصائد” وهو كتاب جامع يحمل خُلاصة ما توصّل اليه فكر سعيد عقل في أوْجِ نُضجه. ولعلَّه الكتاب العالميّ الذي سيردّ الى اللغة الفرنسية عظمة تفوق عظمة بول فاليري ومالارميه وسواهما من شعراء فرنسا الكبار .

سعيد عقل في قصائده الشامية :

من منّا لم يهتزّ نشوة وطرباً، وهو يستمعُ إلى قصائدِ الشاعرِ الكبير سعيد عقل عن الشام بصوتِ المطربة فيروز. اللغةٌ ساحرة، والصورٌ بديعة فيها الكثير من ملامحِ دمشق بعراقتها وجمالِ حاراتها وغوطتها، ونهرِها بردى الذي كان يحملُ إليها الحياة. قصائده الشهدُ المصفّى الذي يقطرُ عذوبةً من عبقرية سعيد عقل وشاعريته.

تحيي كلمات تلك القصائد تصوّارت مثالية عن الشام. وهي تنشيطٌ للاسم الذي يحيل مباشرة إلى وحدة ما يفترض أنها هي المزاجُ والصلةُ النفسيّة بزمان كانت فيه الشام/دمشق، واقعًا، قلب الأرض وجوهرة المدن. إنها تصوّرات سوف تكون قابلة، بالصوت والقصيدة، لإعادة بثّ خيالات ينبغي أن ترسُخَ في الذهنية العربيّة ذلك الخيال عن الشام. وكما أن هشامَ بنَ عبد الملك، الخليفة الأمويَّ قد ألحقَ الدنيا ببستان بني أمية الشاميّ فإنّ كلمات هذه الأغنيات قابلة بالضرورة لإلحاق أذهان المريدين والمتحفّزين واللائذين بالأثر والذكرى والصوت، ومن ثمّ وصلهم، على نحو متجدّد وغائيٍّ بالحساسيّة العربية نحو الشام.

عشرُ قصائدَ أبدعها سعيد عقل عن الشام ولحنَها – ماعدا واحدة – عاصي ومنصور، وشدتْ بها فيروز. عبّر فيها سعيد عقل عن حبهِ الكبير لدمشق الحضارة والتاريخ والجمال ، (سائليني يا شآم)،(أحب دمشق)،(يا شام عاد الصيف)،(شام يا ذا الصيف)،(حملت بيروت)،(نسمت من صوب سورية الجنوب)،(قرأت مجدك)،(خذني بعينيك)،(مرّ بي يا واعداً وعدا) و(بالغار كُللت)…

قصيدة سائليني:

سائليني، حينَ عطّرْتُ السّلامْ،
كيفَ غارَ الوردُ واعتلَّ الخُزامْ
وأنا لو رُحْتُ أستَرْضي الشَّذا
لانثنى لُبنانُ عِطْراً يا شَآمْ
ضفّتاكِ ارتاحَتا في خاطِري
و احتمى طيرُكِ في الظّنِّ وَحَامْ
نُقلةٌ في الزَّهرِ أم عندَلَةٌ
أنتِ في الصَّحوِ وتصفيقُ يَمَامْ
أنا إن أودعْتُ شِعْري سَكرَةً
كنتِ أنتِ السَّكبَ أو كُنتِ المُدامْ
ردَّ لي من صَبوتي يا بَرَدَى
ذِكرَياتٍ زُرْنَ في ليَّا قَوَامْ
ليلةَ ارتاحَ لنا الحَورُ فلا
غُصنٌ إلا شَجٍ أو مُستهامْ
وَجِعَتْ صَفصَافةٌ من حُزنِها
و عَرَى أغصَانَها الخُضرَ سَقامْ
تقفُ النجمةُ عَن دورتِها
عندَ ثغرينِ وينهارُ الظلامْ
ظمئَ الشَّرقُ فيا شامُ اسكُبي
واملأي الكأسَ لهُ حتّى الجَمَامْ
أهلكِ التّاريخُ من فُضْلَتِهم
ذِكرُهم في عُروةِ الدَّهرِ وِسَامْ
أمَويُّونَ، فإنْ ضِقْتِ بهم
ألحقوا الدُنيا بِبُستانِ هِشَامْ
أنا لستُ الغَرْدَ الفَرْدَ إذا
قلتُ طاب الجرحُ في شجوِ الحمامْ
أنا حَسْبي أنّني مِن جَبَلٍ
هو بين الله والأرضِ كلامْ


يا شام عاد الصيف

يا شَامُ عَادَ الصّيفُ متّئِدَاً وَعَادَ بِيَ الجَنَاحُ
صَرَخَ الحَنينُ إليكِ بِي: أقلِعْ، وَنَادَتْني الرّياحُ
أصواتُ أصحابي وعَينَاها وَوَعدُ غَدٌ يُتَاحُ
كلُّ الذينَ أحبِّهُمْ نَهَبُوا رُقَادِيَ وَ استَرَاحوا
فأنا هُنَا جُرحُ الهَوَى، وَهُنَاكَ في وَطَني جراحُ
وعليكِ عَينِي يا دِمَشقُ، فمِنكِ ينهَمِرُ الصّبَاحُ
يا حُبُّ تَمْنَعُني وتَسألُني متى الزمَنُ المُباحُ
وأنا إليكَ الدربُ والطيرُ المُشَرَّدُ والأقَاحُ
في الشَّامِ أنتَ هَوَىً وفي بَيْرُوتَ أغنيةٌ و رَاحُ
أهلي وأهلُكَ وَالحَضَارَةُ وَحَّدَتْنا وَالسَّمَاحُ
وَصُمُودُنَا وَقَوَافِلُ الأبطَالِ، مَنْ ضَحّوا وَرَاحوا
يا شَامُ، يا بَوّابَةَ التّارِيخِ، تَحرُسُكِ الرِّمَاحُ

شام يا ذا السيف

شامُ يا ذا السَّيفُ لم يِغب
يا كَلامَ المجدِ في الكُتُبِ
قبلَكِ التّاريخُ في ظُلمةٍ
بعدَكِ استولى على الشُّهُبِ
لي ربيعٌ فيكِ خبَّأتُهُ
مِلءَ دُنيا قلبيَ التّعِبِ
يومَ عَينَاها بِساطُ السَّما
والرِّمَاحُ السودُ في الهُدُبِ
تلتوي خَصراً فأومي إلى
نغمةِ النّايِ ألا انتَحِبي
أنا في ظِلِّكَ يا هُدبَها
أحسُبُ الأنجُمَ في لُعَبي
طابتِ الذكرى فَمَنْ رَاجِعٌ
بي كما العودُ إلى الطربِ؟
شامُ أهلوكِ إذا همْ على
نُوَبٍ ، ٍقلبي على نُوبِ
أنا أحبابيَ شِعري لهمْ
مثلما سَيفي وسَيفُ أبي
أنا صَوتي مِنكَ يا بَرَدَى
مثلما نَبعُك مِن سُحُبي
ثلجُ حَرْمُونَ غَذَانا مَعاً
شامِخاً كالعِزِّ في القُبَبِ
وَحَّدَ الدُنيا غَداً جَبَلٌ
لاعِبٌ بالرّيحِ والحِقَبِ


نسمت

نسمت من صوب سوريا الجنوب قلت هل المشتهى وافي الحبيب
أشقر أجمل ما شعثت الشمس أو طيرت الريح اللعوب
شعر أغنية قلبي له و جبين كالسنى عال رحيب
أنا ان سألت أي مضني قالت القامة حبيك عجيب
مثلما السهل حبيبي يندري مثلما القمة يعلو و يغيب
و به من بردة تدفاقه و من الحرمون اشراق و طيب
ويحه ذات تلاقينا على سندس الغوطة و الدنيا غروب
قال لي أشياء لا أعرفها كالعصافير تنائي و تؤوب
هز سماني أنا أغنية ليت يدري انه العود الطروب
من بلاد سكرة قال لها تربة ناي و نهر عندليب
و يطيب الحب في تلك الربى مثلما السيف إذا مست يطيب

حملت بيروت

حَمَلْتُ بَيْروتَ في صَوتِي وفي نَغَمِي
وَحَمَّلَتْنِي دِمَشْقُ السَّيْفَ في القَلَمِ
فَنَحْنُ لُبْنَانُ ، وِكْرُ النَّسْرِ دَارَتُنا
والشَّامُ جَارَتُنا، يا جيرَةَ الهِمَمِ
مِنْ ها هُنا نَسَمَاتْ المَجْدِ لافِحَةٌ
وَمِنْ هُنالكَ رَاياتٌ على القِمَمِ
أنا على الدَّرْبِ يا وادي الحَرير هَوىً
بَيْنَ الحَبيبَيْنِ ما قَلْبي بِمُنْقَسِمِ
أفْدِي العُيونَ الشَّآمِيَّاتِ نَاعِسَةً
بالنَّوْمِ هَمَّتْ عَلَى حُلْمٍ وَلَمْ تَنَمِ
هُنَّ اللّوَاتي جَرَحْنَ العُمْرَ مِنْ شَغَفٍ
وَطِرْنَ بي نَغَمَاً يَبْكي بِكُلِّ فَمِ
قلبي مِنَ الحُبِّ كَرْمٌ لا سِياجَ لَهُ
نَهْبُ الأحِبَّةِ مِنْ سَاهٍ وَمِنْ نَهِمِ
ويا هَوىً مِنْ دِمَشْقٍ لا يُفَارِقُنِي
سُكْنَاكَ في البَالِ سُكْنَى اللّوْنِ في العَلَمِ

مرّ ب

مر بي يا واعداً وعداً مثلما النسمة من بردى
تحمل العمر تبدده أه ما أطيبه بددا
رب أرض من شذا و ندى و جراحات بقلب عدى
سكتت يوماً فهل سكتت؟ أجمل التاريخ كان غدا
واعدي لا كنت من غضب أعرف الحب سنى و هدى
الهوى لحظ شآمية رق حتى قلته نفذا
هكذا السيف ألا انغمدت ضربة و السيف ما انعمدا
واعدي الشمس لنا كرة إن يد تتعب فناد يدا
أنا حبي دمعة هجرت ان تعد لي أشعلت بردى

قرأت مجدك

قرأتُ مجدَكِ في قلبي و في الكُتُبِ
شَآمُ ، ما المجدُ؟ أنتِ المجدُ لم يَغِبِ
إذا على بَرَدَى حَوْرٌ تأهَّل بي
أحسسْتُ أعلامَكِ اختالتْ على الشّهُبِ
أيّامَ عاصِمَةُ الدّنيا هُنَا رَبطَتْ
بِعَزمَتَي أُمَويٍّ عَزْمَةَ الحِقَبِ
نادتْ فَهَبَّ إلى هِندٍ و أندلُسٍ
كَغوطةٍ مِن شَبا المُرَّانِ والقُضُبِ
خلَّتْ على قِمَمِ التّارِيخِ طابَعَها
وعلّمَتْ أنّهُ بالفتْكَةِ العَجَبِ
و إنما الشعرُ شرطُ الفتكةِ ارتُجلَت
على العُلا و تَمَلَّتْ رِفعَةَ القِبَبِ
هذي لها النصرُ لا أبهى، فلا هُزمت
وإن تهَدّدها دَهرٌ منَ النُوَبِ
و الانتصارُ لعَالي الرّأسِ مُنْحَتِمٌ
حُلواً كما المَوتُ،جئتَ المَوتَ لم تَهَبِ
شآمُ أرضَ الشّهاماتِ التي اصْطَبَغَتْ
بِعَنْدَمِيٍّ تَمَتْهُ الشّمْسُ مُنسَكِبِ
ذكّرتكِ الخمسَ و العشرينَ ثورتها
ذاكَ النفيرُ إلى الدّنيا أنِ اضْطَرِبي
فُكِّي الحديدَ يواعِدْكِ الأُلى جَبَهوا
لدولةِ السّيفِ سَيفاً في القِتالِ رَبِي
و خلَّفُوا قَاسيوناً للأنامِ غَداً
طُوراً كَسِيناءَ ذاتِ اللّوحِ والغلَبِ
شآمُ… لفظُ الشآمِ اهتَزَّ في خَلَدي
كما اهتزازُ غصونِ الأرزِ في الهدُبِ
أنزلتُ حُبَّكِ في آهِي فشدَّدَها
طَرِبْتُ آهاً، فكُنتِ المجدَ في طَرَبِي


قصيدة أحب دمشق

أحبُ دمشقَ
هوايا الأرقا
أحبُ جوار بلادي
ثرى من صبا و ودادِ
رعته العيون جميلة و قامة كحيلة
أحب أحب دمشق
دمشق بغوطتك الوادعة حنين إلى الحب لا ينتهي
كأنك حلمي الذي أشتهي
هوى ملء قصتك الدامعة
تمايل سكرى به دمشق كشمس الضحي الطالعة
هنا و البطولات لا تنضب
تطلع شعب حبيب العلي إلى المجد بالمشتهى
كلل دمشق و أنت الثرى الطيب
غضبت و ما أجمل فكنت السلام إذا يغضب
أحب أحب دمشق


خذني بعينيك

طالَتْ نَوَىً وَ بَكَى مِن شَوْقِهِ الوَتَرُ
خُذنِي بِعَينَيكَ وَاهْرُبْ أيُّها القَمَرُ
لم يَبقَ في الليلِ إلا الصّوتُ مُرتَعِشاً
إلا الحَمَائِمُ، إلا الضَائِعُ الزَّهَرُ
لي فيكَ يا بَرَدَى عَهدٌ أعِيشُ بِهِ
عُمري، وَيَسرِقُني مِن حُبّهِ العُمرُ
عَهدٌ كآخرِ يومٍ في الخريفِ بكى
وصاحِباكَ عليهِ الريحُ والمَطَرُ
هنا التّرَاباتُ مِن طِيبٍ و مِن طَرَبٍ
وَأينَ في غَيرِ شامٍ يُطرَبُ الحَجَرُ؟
شآمُ أهلوكِ أحبابي، وَمَوعِدُنا
أواخِرُ الصَّيفِ ، آنَ الكَرْمُ يُعتَصَرُ
نُعَتِّقُ النغَمَاتِ البيضَ نَرشُفُها
يومَ الأمَاسِي ، لا خَمرٌ ولا سَهَرُ
قد غِبتُ عَنهمْ وما لي بالغيابِ يَدٌ
أنا الجَنَاحُ الذي يَلهو به السَّفَرُ
يا طيِّبَ القَلبِ، يا قَلبي تُحَمِّلُني
هَمَّ الأحِبَّةِ إنْ غَابوا وإنْ حَضِروا
شَآمُ يا ابنةَ ماضٍ حاضِرٍ أبداً
كأنّكِ السَّيفُ مجدَ القولِ يَخْتَصِرُ
حَمَلتِ دُنيا على كفَّيكِ فالتَفَتَتْ
إليكِ دُنيا ، وأغضَى دُونَك القَدَرُ

بالغار كللت

بالغار كُلِّلتِ أم بالنار يا شام
أنت الأميرةُ تعلو باسْمِكِ الْهَامُ
أوّاهِ بضعُ غمامات مشردةٍ
في الأفقِ بعضٌ رؤىً والبعضُ أحلامُ
سألتُهُنَّ أظلَّلْتُنَّها صُبُحاً
شامي التي وحدها للعود أنغامُ
ما ألهمتنيَ من صوتٍ خلدْتُ بِهِ
كذا يخلِّدُ شكَّ السيفِ مِقدامُ
وطالعَتْني لَيالٍ من بطولتها
حُمرٌ تغاوَتْ لَها في الريحِ أعلامُ
كأنّما نضجت خضر المواسم مِن
هوى أغانيَّ والأشعار أيّام
ختامُ تشرين هل ناسٍ أوائلَه
إذْ هَبّ يعتَصِرُ العنقودَ كَرّامُ
يا شام سَكْبُكِ مجدٌ ما يكون
إذا بِمِلْءِ كفّك دفقاً أُفرِغَ الجامُ
أقول خالدُ شجّ الشعر مندفعاً
وخطَّ طارقَ فوق البحر رسّامُ
يا شام لبنان حبّي غير أنّي لو
تَوَجّع الشام تغدو حبّيَ الشام


قرأت مجدك

قرأتُ مجدَكِ في قلبي و في الكُتُـبِ
شَـآمُ ، ما المجدُ؟ أنتِ المجدُ لم يَغِبِ
إذا على بَـرَدَى حَـوْرٌ تأهَّل بي
أحسسْتُ أعلامَكِ اختالتْ على الشّهُبِ
أيّـامَ عاصِمَةُ الدّنيا هُـنَا رَبطَـتْ
بِـعَزمَتَي أُمَـويٍّ عَزْمَـةَ الحِقَـبِ
نادتْ فَهَـبَّ إلى هِنـدٍ و أنـدلُـسٍ
كَغوطةٍ مِن شَبا المُـرَّانِ والقُضُـبِ
خلَّـتْ على قِمَمِ التّارِيـخِ طابَعَـها
وعلّمَـتْ أنّـهُ بالفتْـكَـةِ العَجَـبِ
و إنما الشعـرُ شرطُ الفتكةِ ارتُجلَت
على العُـلا و تَمَلَّـتْ رِفعَـةَ القِبَبِ
هذي لها النصرُ لا أبهى، فلا هُزمت
وإن تهَـدّدها دَهـرٌ مـنَ النُـوَبِ
و الانتصارُ لعَـالي الـرّأسِ مُنْحَتِمٌ
حُلواً كما المَوتُ،جئتَ المَوتَ لم تَهَبِ
شآمُ أرضَ الشّهاماتِ التي اصْطَبَغَتْ
بِعَـنْدَمِيٍّ تَمَتْـهُ الشّـمْسُ مُنسَـكِبِ
ذكّرتكِ الخمسَ و العشـرينَ ثورتها
ذاكَ النفيرُ إلى الدّنيا أنِ اضْطَـرِبي
فُكِّي الحديدَ يواعِـدْكِ الأُلى جَبَهـوا
لدولةِ السّـيفِ سَـيفاً في القِتالِ رَبِي
و خلَّفُـوا قَاسـيوناً للأنـامِ غَـداً
طُوراً كَسِـيناءَ ذاتِ اللّـوحِ والغلَبِ
شآمُ… لفظُ الشـآمِ اهتَـزَّ في خَلَدي
كما اهتزازُ غصونِ الأرزِ في الهدُبِ
أنزلتُ حُبَّـكِ في آهِـي فشــدَّدَها
طَرِبْتُ آهاً، فكُنتِ المجدَ في طَـرَبِي


مرّ بي

مر بي يا واعداً وعداً مثلما النسمة من بردى
تحمل العمر تبدده أه ما أطيبه بددا
رب أرض من شذا و ندى و جراحات بقلب عدى
سكتت يوماً فهل سكتت؟ أجمل التاريخ كان غدا
واعدي لا كنت من غضب أعرف الحب سنى و هدى
الهوى لحظ شآمية رق حتى قلته نفذا
هكذا السيف ألا انغمدت ضربة و السيف ما انعمدا
واعدي الشمس لنا كرة إن يد تتعب فناد يدا
أنا حبي دمعة هجرت ان تعد لي أشعلت بردى
وكما أحبَّ سعيد عقل دمشق أحبّتهُ، ففتحتْ له قلبَها، وأولته اهتمامها. فقد استفاضتْ الصحفُ السوريةُ في الكتابةِ عن إبداعاتهِ الشعرية، واستضافتهُ إذاعةُ دمشق أكثرَ من مرة، وكان أول تلك الاستضافات في آب 1953، حيث نشرتْ مقتطفات من اللقاء مجلة الإذاعة السورية في عددِها الأول الصادر في أيلول من نفس العام. وأولُ لقاءٍ تلفزيوني لسعيد عقل كانَ للتلفزيون العربي السوري، أجراهُ المذيع الكبير مروان شاهين عام 1961 في بيروت.
وأولُ قصيدةٍ أبدعها سعيد عقل لدمشق كانت (سائليني ياشآم) عام 1953، ونشرتْها مجلة الإذاعة السورية في عددها الخامس الصادر في تشرين الأول من نفس العام. وبلغ عددُ أبياتها سبعين بيتاً، اختار منها الرحابنة أربعةَ عشرَ بيتاً، فلحنوها وشدتْ بها فيروز في صيف عام 1961على مسرح معرض دمشق الدولي.
في المقابل، القسط الأعظم من سوء سمعة عقل، وانحطاط صورته في الوجدان العربي، ارتبط بمواقفه المشينة من الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ومن مجزرة صبرا وشاتيلا والفلسطينيين، إضافة إلى ذلك التعصب الشوفيني، والعنصري والفاشي، الذي استبدّ به طيلة ربع قرن من سنوات حياته الأخيرة. وإذْ أجاز الكثيرون لأنفسهم رفاه التمتع الأقصى بما غنّته له فيروز من قصائد، خاصة أبناء سوريا الذين يصغون بلا ملل إلى “قرأتُ مجدك” و “سائليني يا شآم” و “مُرّ بي” و “طالت نوى”… فإنّ قلّة قليلة سعت إلى اكتشاف الشاعر في الرجل، والتعرّف على خصائص شعره الفنية، ومصالحته أو منازعته على أسس جمالية في المقام الأوّل.
الوفاة
توفي سعيد عقل يوم الجمعة 28 تشرين الثاني 2014.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى