أحوال عربية

ساويرس، بكري، علاء، والحق الضائع وغير الضائع

مجدي مهني أمين

المهندس نجيب ساويرس يكتب ما يفيد أنه غير مطمئن للتصريحات التي تنفي وجود فاعل في موضوع احتراق كنيسة أبو سيفين في إمبابة، من حقه أن يتشكك وأن يطالب المسئولين بالبحث عن الجاني، وتقديم تقرير يفيد الرأي العام، مدعم بالحقائق، وبالطبع قد تؤدي التحقيقات لتأكيد عدم وجود شبهة جنائية، وهذا جيد، أو أن هناك فعل جنائي وهذا هو الجاني، وهذا أيضا جيد، ساويرس يستحث الجهات المعنية على جدية القيام بدورها.

• دعوة حميدة من مواطن مشغول بقضايا بلده.

وقد يتبادر للذهن أن ساويرس، كونه قبطيا، فهو غاضب لما حدث ومن هنا يستحث الجهات المعنية، وهو أمر لا يمثل عيبا ولا خللا، وقد يكون غضبه لكونه مصريا، يريد حكومة بلده أن تعمل بكفاءة وحرفية كافية تتناسب وحجم مسئولياتها أمام شعبها.

وبالطبع لا تخلو دعوة ساويرس من محاولة طيبة ولكن يائسة، فالدولة بأجهزتها لم تعودنا كل مرة بتحقيقات جادة وأدلة دامغة تثبت بها كفاءتها، والدولة هنا في قصورها تعتمد على عدم وجود من يحاسبها، فهي تقول ما تشاء بالطريقة التي ترضيها، وليس بالضرورة بالطريقة التي ترضي الحقيقة، أو التي ترد الحق لأصحابه، الناس اتعودت على كده، وتعودها أعطي هذه الأجهزة سببا مضافا كي تتراجع عن واجباتها المفروضة عليها، بل أيضا كي تتراجع عن محاسبة المقصرين من أعضائها.

• فمثلا، من حاسب الإسعاف ورجال الإطفاء في تأخرهم لأكثر من ساعة عن الوصول لمكان الحادث؟
• لا أحد.

والناس لا تتوقع أن تتم هذه المحاسبة، كما لا تتوقع نتائج دامغة تفسر ما حدث، وطبعا قلق الناس تزايد بعد أحداث كنيسة الأنبا بيشوي بالمنيا، التي اشتعلت فيها النيران، أيضا بماس كهربائي، مع تصريحات أسرع من أي تحقيق للسيد محافظ المنيا في تفسيره للحادث بعيدا عن وجود شبهة حدث تم بفعل فاعل.

• طيب استني يا سيادة المحافظ لما التحقيق ياخد مجراه وابقى اتطوع ساعتها انك تقرا بنفسك نتيجة التحقيق!!

الكارثة ان الناس تعودت هذا الخلل، تعودت ان تدرك أنها رخيصة عند حكوماتها، الناس رعايا مش مواطنين، الحكومة تحكمهم بجبروتها وتعنتها، حكومة لم يختارها الشعب اختيارا كاملا، ولا يمثل لها هذا الشعب أي تهديد من قريب أو بعيد، تعمل اللي يعجبها، ولا حياة لمن تنادي.

المؤلم أن الحكومة في مثل هذه المواقف لا تنزعج كمسئول، بقدر ما تنزعج أن تبدو مدانة، وتحدث الكوارث ويخرج الإعلام التابع للحكومة كي يهوِّن من هكذا أحداث، أو يبرر موقف الحكومة، الشعب تعود، ويسحب ثقة، تعود المسافة بينه وبين حكومته عند نفس المسافة التي كانت بينه وبينها وقت الحكومات السابقة.

• طب وأيه يعني؟

حقيقة “وإيه يعني” فلا يوجد أي خطر على الحكومة، الخطر في انسحاب الشعب، نفس العقاب الذي أولاه الشعب للحكومات السابقة، الانسحاب من المشهد، والانسحاب من الإنتاج والعمل الجاد الفعال، كي تواجه الحكومة تقاعسها أمام الشعب، و تقاعسها عن سداد ديونها، بل والبحث عن ديون وقروض جديدة يسد فراغ انسحاب الشعب من التعاون معها، هنا الكارثة الحقيقة، كارثة بعيدة عن مسيحي ومسلم، ومواطن درجة أولى أو تانية، كارثة فقدان ثقة وانسحاب صامت لشعب مهزوم.

طبعا مصطفي بكري بأسلوب إعلامي متدني، يسحب الموضوع بعيدا عن معالجة صادقة لقضية الحريق في كنيسة إمبابة ليشخصن الموضوع في إطار عدم وطنية نجيب ساويرس، ويرد علاء مبارك في إطار كشف أوراق مصطفى بكري، وهكذا نخرج جميعا عن الموضوع الأساسي، التحقيق الجِدِّي في حريق كنيسة أبوسيفين، مضافا لها كنيسة الأنبا بيشوي بالمنيا، وأصبح الشعب والحكومة في موقف المتفرج على الحوارات الدائرة بين الإعلاميين والسياسيين، ده يخفف العب عن الحكومة ويلقيه ثقيلا على كاهل الشعب المنكود.

• الناس عايزة حكومة تقدِّر شعبها، حكومة واعية بدورها، وواعية اكتر ان أكبر عقاب لتقصيرها أو تحيزها، أو إهمالها هو انسحاب الشعب من مساندتها، والشعب عمل كده مع محمد على؛ لما كان الشعب مؤمن بمحمد على هزم لوحده حملة فريزر، سنة 1807، في الوقت اللي كان محمد على مش في مصر ساعتها، ولما فقد الثقة فيه سابه للدول الكبرى يعملوا فيه اللي عايزينه في معاهدة كوتاهية سنة 1844. فعلينا جميعا أن نعي دورنا، علينا جميعا أن نقوم بدورنا، لأن المكسب هو مكسبنا جميعا، والخسارة هي خسارتنا جميعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى