ثقافة

رواية الضباب لحسن الشامي رؤية نقدية لمحسن قلادة

حسن الشامي

القليل منا من لم يمر بتجربة السير في الضباب، سواء سيرا على الأقدام أو قائدا لسيارة أو على أقل تقدير أحد ركابها، ولمن لم يخض تلك المغامرة أرجو أن يفسح لي بعض الوقت لأحكي له تجربتي الشخصية في هذا الأمر، فقد كنت في وقت ما مع أحد أصدقائي نسير بسيارته على أحد الطرق السريعة في صباح باكر يوم شتوي شديد البرودة، وفجأة مع ساعات الصباح الأولى بدأ المطر يتساقط بكثافة، وغطى الضباب الطريق بالكامل، بل حجب عنا حتي الرؤية الجانبية وكأننا محاصرين داخل متاهة شديدة التعقيد، وهنا انتبهت لصديقي فوجدته يحتضن عجلة القيادة، ويلتزم بغيار السرعة الأولي ويسير بسرعة لا تتجاوز 20 كيلو متر.
وهنا توجهت إليه بالحديث متسائلا عما يفعل فلم يحرك رأسه ليجيبني، ولكنه بصوت عالي ومرتعش وبنبرات مليئة بالخوف طالبني بالصمت حتى نصل إلى وجهتنا، أو ينقشع الضباب، ولم ينهي كلماته حتى بدا لنا في مساحة المترين المتاح فيهم الرؤية أنه بالجانب الأيسر لسيارتنا يوجد حادث اصطدام شديد لسيارتين زاد من رعبنا، وتوجسنا من الوصول سالمين، ولم افتح فمي بكلمة بل تصلبت عضلات وجهي وتجمدت ملامحي من الرعب طوال ساعة ونصف حتى تمكنت الشمس من إزاحة الضباب، واتضحت معالم الطريق كاملة.
وكنا قد قطعنا بالكاد في هذا الوقت ثلث المسافة التي تفصلنا عن وجهتنا، وعندها وجهت سؤالي لصديقي كيف تمكن من التزام الحيطة والحذر، والخروج بأمان من هذا الموقف على الرغم من وجود العديد من الحوادث التي مرت بنا، وهنا التفت إلى واخبرني أن والده قد علمه كيفية التعامل مع مثل هذا الموقف، أولا التحكم بعجلة القيادة والسيطرة عليها تماما بسبب المطر، ثانيا تخفيض السرعة قدر الإمكان، ثالثا والأهم الالتزام بالخط الأبيض المتقطع المرسوم على الإسفلت وعدم الخروج عنه الإطلاق بسبب الضباب، وهذه الأوقات المرعبة لازمتني طوال حياتي، وكلما رأيت الضباب عاودتني نفس المشاعر والأحاسيس، رغم مرور ما يقارب 15 عاما على هذا الموقف .
أسرد لك هذا حتى تتخيل عمق تأثير الضباب على مستوى الحالة الفردية، وعندما تستوعب هذا أرجو أن تدرك حجم هذا التأثير على أمة كاملة، نعم حدث هذا بالفعل في الأعوام الأولي من سبعينيات القرن الماضي، وهما العامين السابقين لحرب أكتوبر 1973 حيث أطلق الرئيس السادات عبارته الشهيرة أنه كان ينوى محاربة إسرائيل وما أعاقه عن هذا هو الضباب.
وفى ذلك الوقت أنقسم الشعب المصري لقسمين كبيرين، قسم كبار السن والذين اتخذوا من هذه العبارة فرصة جيدة لإطلاق طاقة السخرية لديهم من كل شئ وعلى كل شئ، وكأن ماسورة ضخمة من النكات والأفيهات انفجرت في كل مصر، والقسم الثاني الشباب وهم من اتخذوا مسار مختلف عن السخرية وهو الغضب، فبدأ الغليان وكانت أوضح صوره في مظاهرات واحتجاجات شباب الجامعة، وقد تعرض الكثيرون من الكتاب بالنقد والتحليل لهذه الفترة ولكن رغم قراءتي العديدة عن هذه الفترة لم يجذبني، ويثير استمتاعي بل صنع نوع من أنواع التجسد الشخصي داخل الإحداث سوي رواية للأديب والكاتب الأستاذ حسن الشامي يوثق فيها لتلك الفترة بشكل روائي ممتع.. حيث روى فيها عن حجم الغضب والغليان الذي كان يدور في جنبات الجامعة في هذا الوقت ورواية الضباب يسودها الضباب بالفعل، فحتى العلاقات الإنسانية التي تجمع إبطال الرواية يسودها الضبابية وعدم الاستقرار، ولشدة هذه الضبابية تلزمك الرواية بقراءتها حتى تنتهي منها رغبة في فك طلاسم هذا الضباب، وقد نجح الكاتب في نسج هذه الشخصيات، والأحداث بهدوء شديد وبضبابية محترفة .
سعدت جدا بقراءة هذه الرواية وهي سبب كتابتي لهذا المقال كل أمنياتي بالتوفيق للفنان والأديب الأستاذ حسن الشامي ونحو تقدم أعمق، وروايات وأعمال أخرى جديدة ممتعة .
أشير عليك عزيزي القارئ بقراءة هذه الرواية أظنها ستثير اهتمامك، وسوف تستمع بها ولن تهدر وقتك، بل ستكون عظيمة الفائدة من حيث الدروس المستفادة التي يمكنك الحصول عليها في حياتك الشخصية، وكيف يمكنك التصرف عندما تواجه مشكلة ضبابية تعتم الرؤية، وتبعدها عن حياتك كل التوفيق لكاتب الرؤية، وكل السعادة لك عزيزي القارئ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى