مجتمع

دليلك للإقلاع الفوري عن عادة الإفراط بالتفكير

مترجم: دليلك للإقلاع الفوري عن عادة الإفراط بالتفكير

عمار الحامد
مترجم حر وأستاذ لغة إنجليزية

“نحن نموت بالتفكير الزائد. نحن نقتل أنفسنا ببطء من خلال التفكير بكل شيء. فكر، وفكر، ثم فكر. بأي حال من الأحوال،

لن تستطيع كبح جماح عقلك، إنه الفخ الذي لم ينصب إلا للإيقاع بك”، يقول أنتوني هوبكنز. إن العقل يحب أن يعمل، ولا يبدو أنه ينوي التوقف عن ذلك، وعليه فإنه يريد لتركيزك أن يكون دائم الحضور. ينظر الكثيرون لعادة الإفراط بالتفكير بوصفها وباء عالمي.
أفضى بحث موسع أجرته أستاذة علم النفس سوزان نولين هوكسما من جامعة ميشيغان إلى أن التفكير الزائد يحدث في الغالب في صفوف الشباب والبالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 25-35 بنسبة %73، وهاؤلاء أطلقت عليهم تسمية مفرطي التفكير. علماً أن %57 من هذه العينة إناث و%43 ذكور.
يشبّه العقل أحياناً بالطفل ذو الخمس سنين، هو الذي ما يزال يجهل الاتجاه الصحيح، تراه يرفض الاستدلال بالآخرين. إنه من الطيش بحيث يدفعنا للتفكير بأشياء ولقول أشياء لا نجرؤ عادةً على الإتيان بها إذا كنا أكثر استرخاءً.
إذا أطلقت العنان لدماغك ليسير بك بمعدل 1 ميل في الدقيقة دون أن تفكر باستعمال المكابح، شيءً فشيءً ستكتشف أن دماغك أصبح عبارة عن زنزانة، وأنك سائر صوب الجنون لا محالة.
أزعم أن التروي هو أحد أكثر الممارسات صحيةً على الإطلاق. وبرغم كونه في غاية البساطة، لكنك إذا جعلته أسلوب حياة تستطيع تغيير حياتك إلى الأفضل؛ لأن اعتيادك التروي يجعلك شخصاً أهدء، فعوضاً عن تشتيت انتباهك، تجد نفسك تتمتع بقدر من صفاء الذهن، والتركيز، والأهم من كل ذلك التخلي عن هذه العادة السامة.
تدور عقولنا مع الفكرة الواحدة بسرعة 1300-1800 كلمة في الدقيقة. برغم ذلك ترانا مواضبين بشكل يومي على التفكير بكل شيء، لأن للتفكير بالغ الأثر في حياتنا ولا عجب. تشير دراسة أجرتها سانتا باربرا من جامعة كاليفورنيا إلى أن التفكير المفرط يفضي إلى سوء التقدير بما لا يساعد على اتخاذ قرارات حكيمة.
بحساب عدد الكلمات التي تمر في أذهاننا، نستطيع استنتاج أن %95 من الأفكار التي تشغلنا اليوم، هي ذات الأفكار التي كانت تشغلنا بالأمس. وبوسعك أن تخمن ما الذي يعنيه ذلك؟ إنه يعني ببساطة أن معظم أفكارنا ليوم غد، هي بالفعل الأفكار التي تدور في أذهاننا الآن.

إذا كنت من مدمني التفكير الزائد، إليك أولاً هذه الوصايا الإحدى عشر:

ليس حراً بالقطع من يقبع خلف قضضبان الأفكار الخاطئة.

أنصت قبل الكلام، فكر قبل الرد، تمهل قبل الانتقاد، سامح قبل الدعاء، حاول قبل الانسحاب!

إذا كان الطريق الذي تسلكه الآن لا يجلب لك السعادة، فسارع للبحث عن آخر يحقق لك ذلك.

التفكير المفرط: هو فن خلق المشاكل غير الموجودة أصلاً.

لا شيء في هذا العالم يسبب لك المتاعب قدر أفكارك.

القلق كالجلوس في كرسي هزاز. فهو يسمح لك بالحركة، لكنه لا يذهب بك لأي مكان.

كف عن الإفراط بالتفكير ودع الخلق للخالق، فلن تستطيع التحكم بكل شيء مهما حاولت.

أيها الدماغ، أرجوك أن تكف عن العمل في الليل؛ لأنني أحتاج أن أنام.

التفكير الزائد هو أكبر سبب للتعاسة.

لا تدمر يومك بالتفكير بالأمس، فقط دعه وشأنه.

وحده الذهن الصافي قادر على إسماعك صوت حدسك.

أدناه سبع طرق ستساعدك على الإقلاع عن عادة التفكير المفرط:

تواصل مع الطبيعة.
إذا كنت ممن لا يعيشون ولا يعملون في الطبيعة، فأنت تحتاج لهذه النصيحة أكثر من سواك. خصص وقتا للاستمتاع بالهواء الطلق، كأن تقضي استراحة الغداء في حديقة مجاورة، أو أن تحصل على إجازة للاستجمام.
إن كل ما من شأنه تعزيز ارتباطك بالطبيعة سيعود عليك بصفاء الذهن؛ لأن تركيزك سيتوزع على ما يلفت انتباهك من أشجار، وشلالات، وسماء، وجبال، وبحيرات وسواها، الأمر الذي سيجعل عقلك يكف عن التفكير. إذا منحت نفسك هذه الفرصة، ستلاحظ أنك تفكر بشكل أكثر وضوحاً على مدار اليوم.

اعمل على طمأنة نفسك مراراً وتكراراً.
فتش في عقلك الآن. ماذا تجد؟ على الأرجح ستجد أن غالبية أفكارك تتمحور حول ما يجب إنجازه اليوم،، أو كلام قاله أحدهم عنك فأغضبك، أو حتى تصوراتك المحبطة عن نفسك. لا عليك، فعلى فرض ما يحيط بنا من سلبية، يبقى الاعتصام بحبل الإيجابية أمراً ليس بالهين.
متى أدركت أن أياً من التفكير المفرط أو الجزع أو القلق استبد بك، اقطع الطريق عليه من خلال الحديث إلى نفسك بكلمات ودية، كلمات من قبيل: السلام، الحب، النور، الأمور تسير بشكل جيد، الحياة حلوة، أنا بخير وغيرها. ومهما كانت تلك الكلمات بسيطة، فستجد في قلبك خير فضاء لصداها؛ لأنها تنطوي على الكثير من المعاني والطاقة، لذلك حاول الاستفادة منها كل ما شعرت بالضيق.
نعم، ربما لا تعود عليك هذه الكلمات بالراحة التامة، غير أنها ستردع عقلك عن التمادي بالإفراط بالتفكير، وبالتالي ستقلل من سرعة دوران عجلة دماغك، الأمر الذي يسمح لك بالتركيز على ما يهمك بالفعل.

تأمل.
ما نزال ننادي بضرورة ممارسة التأمل بوصفه أحد أفضل تقنيات الإقلاع عن عادة التفكير الزائد، ففي كل مرة تجلس لتتأمل، فأنت تتصدى للهجمات التي تشنها عليك الأفكار السلبية في كل ثانية، وبالتالي تنتقل إلى حيز السكينة المطلقة.
مثلما لا يجب عليك تعطيل دماغك بحجة التؤمل، فإن عليك أن تعلم أن كثيرين غيرك يشعرون بصفاء ذهني منقطع النظير، فضلاً عن توقف فوري للتفكير المفرط لحظة يتأملون. إذا حاولت ووجدت نفسك غير قادر على التوقف عن الإفراط بالتفكير، فجرب ممارسة اليوغا وستمدك بالوعي اللازم للتعامل مع ما يواجهك من تحديات يومية.
ما تزال كلمة التأمل مخيفةً للكثيرين، على أن ذلك الخوف غير مبرر بالقطع، فالتأمل يتلخص بتهدئة الفوضى التي تحيط بنا.
ليس القضاء على الفكر المرادف الفعلي لليوغا، على العكس من ذلك، إنه تمرين ذهني لنكون أكثر انسجاما مع ما يجري في الوقت الحاضر.
بعبارة أخرى، يساعدنا التأمل على الكف عن التفكير الزائد والبدأ بالتركيز على الأشياء الممكن السيطرة عليها حالياً.

خصص وقتاً للاختلاء بنفسك.
حين نكون محاطين بفوضى التأثيرات الخارجية، نجد أنفسنا نلجأ إلى التفكير المفرط لا شعورياً. عندما تتداخل تصورات الآخرين مع أفكارنا، سيكون من الصعوبة بمكان التمييز بين ما لنا وما علينا.
إن اعتيادنا الاختلاء بأنفسنا لتحليل ما يجري من منظور سليم هو خطوة أولى صوب مناقشة وفهم حقيقة تصوراتنا، عوضاً عن الإفراط بالتفكير وابتداع قصة لا تستند إلى وقائع بما ينعكس سلباً وحالتنا المزاجية.

تصالح مع نفسك.
جزء كبير من التفكير المفرط مرده إلى المقارنة مع الآخرين. تقتضي الطبيعة البشرية أن نلاحظ ونقارن أنفسنا بمن حولنا من أصدقائ، وأقرباء، وزملاء، لكننا أحياناً نتخطى حدود الواقعية فنقارن أنفسنا بشخصيات غير واقعية كتلك التي نقرأ عنها في الكتب أو نشاهدها في الأفلام.
إذن، فالمقارنة بالآخرين تتربص بنا حيث يممنا وجوهنا. ومع أن بعض تلك المقارنات يمكن أن تعود علينا بمردود إيجابي في أحيان كثيرة، إذ قد تلهمنا أو تكون حافزاً لنا لتحقيق أهدافنا من خلال استفزاز الكامن من طاقاتنا. لكنها تنعكس سلباً على حياتنا إذا أصبحت تستهدف استرضاء الآخرين.
يفرط الناس بالتفكير عادةً إما بسبب العمل، أو الانسجام مع الشريك أو الحبيب، ولكن يبقى الاسترضاء أسوأ تلك الدوافع بالمطلق. وحده العاجز عن اغتنام الفرص، الذي لا يتمتع بروح المغامرة، ولا يقوى على الاندماج في المجتمع خشية ردود الفعل، يسعى جاهداً لاسترضاء الآخرين.

غير طريقة حديثك إلى نفسك.
علينا مراجعة الطريقة التي نتحدث بها إلى أنفسنا؛ لأنها عنصر أساسي في عملية التفكير. من يسعى لإيجاد تبرير لكل شاردة وواردة، من يقلل من شأن إنجازاته، من لا يقدر عمله حق قدره، فإنه لا يحط من قدر جهده فحسب، وإنما يحط من قدر نفسه. وعلى ذلك فإن للطريقة التي نحفز بها أنفسنا أهمية قصوى؛ لأنها تساعدنا على الإقلاع عن التفكير الزائد.
ثمة فرقاً شاسعاً بين أن تقول: “أستطيع القيام بذلك”، وبين أن تقول لنفسك: “تستطيع القيام بذلك يا فلان”. هل بوسعك تخمين أي التعبيرين أكثر فاعلية؟
بعد إجرائها عدداً من الدراسات في هذا المضمار، تقول الباحثة في جامعة إلينوي د. ساندا دلكوس: “يستحسن تقديم النصح الذاتي بضمير المخاطب؛ لأن شعورك بوجود من يهتم بما تفعل، على الأرجح سيتيح لك فرصة تبني رؤية أكثر شمولاً، ويعزز من فرص استفادتك من تأييده لك”.

وسع نطاق تفكيرك.
تبدو عبارة توسيع نطاق التفكير لمن يقرؤها للوهلة الأولى أنها تعزز من فرص التفكير المفرط، غير أن الواقع يقول بالعكس من ذلك، فنحن عندما نوسع نطاق تفكيرنا، نصبح أكثر قدرةً على التركيز على الأمور الأكثر أهميةً بالنسبة لنا. وعلى ذلك فإننا لا ندع مجالاً للمضايقات التافهة كي تتسلل إلى تفكيرنا وتستحوذ على أذهاننا.
إننا إذ ننتقل من مرحلة التفكير بما نحن قادرون على فعله إلى مرحلة التفكير بما نريده بالفعل، فإننا بذلك نختبر مدى قدرتنا وعزمنا على تحقيق أهدافنا، هذا فضلاً عن سماحنا لذواتنا بالاستمرار بالنمو.
يتوفر هذا العالم على كميات غير محدودة من الموارد، ولحظة تقرر توسيع نطاق تفكيرك، فإنك ستصبح قادراً على الاستفادة من تلك الموارد.

إن إدراكنا لحقيقة أن أدمغتنا مجبولة على التفكير يجعل من الأهمية بمكان وضع هذه الاستراتيجيات موضع التنفيذ. ينبغي أن نبذل جهدا للوعي بذواتنا، فهذا سيساعد في الحيلولة دون إضاعة وقتنا بالتفكير الزائد بأشياء لا طائل منها، والتركيز عوضاً عن ذلك بأشياء نافعة.
إذا كنت تسعى للتخلص من عادة الإفراط بالتفكير بغية الوصول إلى مرحلة السلام الروحي، فالمواضبة على هذه الممارسات تساعدك على بلوغ هدفك.
يوجد 1440 دقيقة في اليوم الواحد، خصص منها على الأقل 10 دقائق يوميا لممارسة أي من هذه الأنشطة أو جميعها،، ستلاحظ انخفاضاً ملحوظاً بمعدل التفكير الزائد، وستشعر بالمزيد من الاسترخاء بما يجعلك شخصاً أكثر إنتاجية.
شاركنا تجربتك: هل تواضب على أي من العادات أعلاه؟ ما مقدار فاعليتها؟ هل سبق وساعدت شخصاً يعاني من التفكير المفرط؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى