أمن وإستراتيجيةالصحافة الجديدةدراسات و تحقيقاتفي الواجهة

دراسة تحليلية تكشف استعانة دعايات الغرب المضادة للخصوم بالتلفيق والكذب

سعيد مضيه

تعاون الهيئات الأمنية وصحفيي التيار الرئيس في التلفيق والترويج

لغرض في النفس تروج الدعاية في الغرب تلفيقات واكاذيب ضد الخصوم، تبرر اعمالها العدائية . وفي دراسة تحليلية يكشف الصحفي البريطاني كريغ موراي بروباغاندا في ثلاثة تقارير صحفية نشرت متزامنة في صحف ثلاث من بريطانيا والولايات المتحدة والمانيا حول إعداد حرب سوبرانية في روسيا، زعمت أنها تستند الى تسريبات إليكترونية. كيف تكشّف التلفيق ؟ وماهي الجهات المتواطئة على التلفيق ؟ وما الهدف من التلفيق ؟ الأجوبة نجدها في مقالة تحليلية منطلقها ، كما يقول الصحفي “دوما أشكك في التسريبات ، حين تخفي الوثائق الفعلية، ولا نعلم منها سوى ما نبلغ به، هي – في هذه الحالة – عملية بروباغاندا ، حتى على سطحها نلحظ بصمات هيئات استخبارية غربية، ومؤسسات سايبرية تمولها الحكومة الأميركية، مثل مايكروسوفت أو غوغل”.
موراي كريغ صحفي ومذيع وناشط في حركة حقوق الإنسان؛ عمل سفيرا لبريطانيا في اوزباكستان ما بين أب 2002واكتوبر 2004 ، حيث فصله رئيس الوزراء حينئذ ، أنتوني بلير، من العمل حين رفض تقديم شهادة كاذبة. عمل محاضرا بجامعة دوندي ما بين 2007 و. 2010.
هكذا استخلص موراي التلفيقات والأكاذيب في تقارير صحف الغرب:
ثلاثون صحفيا مشهورون شاركوا في كتابة ثلاثة تقارير متماثلة ، كشفت عن “قنبلة موقوتة”، هي عبارة عن هجوم سايبري تعد له روسيا سرا.
الصحف هي الغارديان البريطانية والواشنطون بوست الأميركية ودير شبيغل الألمانية كشفت اليوم(31 آذار 2023) عن” قنبلة موقوتة” بصدد حرب سايبرية روسية استندت الى وثائق مسربة ، لكن الصحف الثلاث اشتركت في إيراد وثيقة مسربة واحدة لاغير، لا تستند الى مواد واقعية وبدون مرجعيات.
أين هذه الوثائق وماذا تقول بالفعل ؟ تفيدنا ديرشبيغل:

“هذا كله مسلسل متتابع زمنيا من ألف وثيقة سرية تتضمن 5299 صفحة من مخططات المشروع، والتعليمات والبريد الإليكتروني الداخلي من تسريبات فولكان تمتد من السنوات 2016 حتى 2021. ورغم ان الوثائق مكتوبة بالروسية وهي الى حد ما تقنية من حيث طبيعتها فإنها تقدم رؤية فريدة في أعماق الخطط الروسية لحرب السايبر”.
حسنا أين هي ؟
تعاونت بيوت الميديا في التسريب وقدمت كل صحيفة على انفراد تقارير أعدها جمهور كبير من صحفييها .
تقرير الغارديان كتبه كل من لوك هاردينغ ، ستيليانا سيميونوفا ، مانيشا غانغولي و دان صباغ؛ ومقالة الواشنطون بوست كتبها كريغ تيمبيرغ، إلين ناكا شيما ، هانس مونزينغا و هاكان تانريفيردي؛ اما مقالة دير شبيغل فقد تعاون في كتابتها 22 صحفيا وردت أسماؤهم ! من هؤلاء نيقولاي أنتونياديس، صوفيا باومان، كريستو بوشتشيك، ماريا كولينغ ، انا –لينا كورنفيلد، رومان ليهبيرغر، هانس مونزينغر تانريفيردي و وولف فايدمان – شميدت.
إذن لدينا أسماء ثلاثين صحفيا ، وكل صحيفة استعانت بكفاءة فريق من صحفييها لتقديم تقريرها .
ومع ذلك، وأنت تقرأ هذه التقارير، لا تستطيع إلا أن تلاحظ انها جميعها متماثلة بشكل صارخ؛

من دير شبيغل:

“هذه الوثائق تشير الى أن روسيا تسعى لشن هجمات تؤدي بعملية واحدة مترابطة تخريب بنى تحتية مدنية هامة، وتتلاعب بالسوشيال ميديا ، الأمر الذي يشكل ’بصورة جوهرية هجوما على إرادة العدو في الحرب‘ ، كما يقول جون هولتكويست ، الخبير الرئيس في الحرب السايبرية الروسية ونائب رئيس لجهاز التحليل الاستخباري في مانديانت ، شركة آي تي امنية”.

من الواشنطون بوست :

” هذه الوثائق تشير الى ان ’روسيا تنوي الهجوم على البنى التحتية المدنية الهامة والتلاعب في السوشيال ميديا في عملية واحدة مترابطة؛ ومن حيث الجوهر، تعطل إرادة العدو في الحرب‘حسب تفسير جون هولتكويست ، نائب رئيس جهاز التحليل الاستخباري في مؤسسة الأمن السايبري في مانديانت”

من الغارديان:

“قال جون هولكويست، نائب رئيس التحليل الاستخباري لدى مؤسسة الأمن السايبري بمانديانت ، التي استعرضت منتخبات من المادة بطلب من الكونسورتيوم : ’ تشير هذه الوثائق الى أن روسيا تعد هجمات تخرب بضربة واحدة البنى التحتية المدنية الهامة وتتلاعب بالسوشيال ميديا ، تشكل هجوما بشكل جوهري على إرادة الحرب لدى العدو‘”.
لاحظوا أن التطابق ليس في مقتبس هولكويست المركزي فقط ؛ في كل حالة فريق الثلاثين صحفيا لم يحدث إلا تغييرا بسيطا في مجمل الفقرة المنسوخة والملصقة.
في الحقيقة التماثل البارز للمقالات الثلاث بنفس المقتبسات ونفس الفكرة تظهر بوضوح لكل من يطالعها ان المقالات جميعا نقلت عن مصدر موثوق وحيد والسؤال ، من هو الذي انتج الوثيقة المركزية؟ يبدو لي انها واحدة من ” الهيئات الأمنية الخمس ” التي تقول الصحف الثلاث انها استشارتها .
ا الادعاء الكاذب ذاته
التقارير الثلاثة الكاشفة تحتوي على الادعاء الكاذب بصورة مطلقة الذي روجته هيلاري كلينتون او مواد البريد الإليكتروني (دي إن سي)؛ جميعها تتضمنه على الرغم من حقيقة ان أيا من التقارير الثلاث لم تبذل ادنى محاولة لربط هذا الادعاء بأي من الوثائق المسربة من فولكان (مركز يحوي مرجعيات سوبرانية)، ولا قدمت بينة على ما اوردته .
جرى في المقالات توجيه القارئ العادي الى الاستنتاج ان تسريب فولكان يبرهن، بطريقة ما، على صحة حكاية كلينتون- رغم عدم تقديم بينة. وفي الحقيقة لدى القراءة العانية ، لم تدّع إطلاقا اي من التقارير وجود مرجع لحكاية كلينتون في وثائق فولكان ، او أي نوع آخر من البينات الواردة تدعم الادعاء. ليس ممكنا ان تتفق الفرق الصحفية الثلاث، بصورة مستقلة عن بعضها البعض، على تقديم ادعاء زائف ، لا تربطه رابطة بأي من المواد المسربة التي يفترض انهم يناقشونها . مرة اخرى التقارير الثلاث ببساطة مستمدة من مصدر مركزي يرفع من شأن هراء كلينتون.
بالفعل لا تعطينا الواشنطون بوست نسخة، ولو من صفحة واحدة من المواد المسربة ، من شانها حقا ان تبدي قدرات حرب سايبرية يُستشهَد بها من شانها أن تتحكم في البنى التحتية أو تبطل عملها.

غير ان المشكلة تكمن في كون التقارير الثلاثة تظهر لنا الصفحة رقم 4 من الوثيقة ، مقطوعة من السياق. لماذا لا يوجد رابط بمجمل الوثيقة ؟ بمقدورنا رؤيته يدور حول بحث في هذه القدرات ، لكن كما يفترض فإن الوثيقة بمجملها ربما تكشف عن شيء ما بصدد الغرض من بحث كهذا –على سبيل المثال ، هل هو سلاح هجومي أم دفاعي مضاد لهجمات سايبرية ؟

المقارنة مع ويكيليكس

عندما كانت ويكيليكس تنشر وثائق فأنها بالفعل تنشرالوثائق كاملة بحيث تستطيع النظر اليها وتعمل فكرك ماذا تقول او تقصد حقا؛ ولنضرب مثلا ذا فولت 7 بصدد “السي آي إيه هاكينغ تولز- أدوات القرصنة تستعملها السي آي إيه”.
اكثر ما أحببت من فولت 7 أن قراصنة السي آي إيه تعمدوا ترك “بصمات أصابع ” مزيفة، تتضمن اوامر في أوراق سيريلّيك، بعمل مسار زائف يشير بأن الروس هم الفاعلون، يمكنكم رؤية الوثائق الحقيقية على ويكيليكس.
ليس لديّ من سبب للشك بأن روسيا توظف تقنيات حرب السايبر؛ لكنني مطلقا لا أملك السبب لأن أصدق ان روسيا تفعل ما هو أكثر تقدما مما تعمله هيئات الأمن الغربية.
في الحقيقة هناك مؤشرات في معلومات الفولكان تفيد أن قدرات الروس في حرب السايبر أقل تقدما مما لدى الغرب . وبدون أن يعي الصحفي لوك هاردينغ وفريقه في الغارديان تداعيات ما يقولون، فإنهم يخبرونا :
“أن إحدى الوثائق تظهر مهندسين يوصون روسيا بان تضيف الى قدراتها من خلال استعمال ادوات القرصنة المسروقة من وكالة الأمن القومي الأميركية والمعروضة على الشبكة الإليكترونية.”
بالطبع يكون الفعل سيئا إذا صدر عن الروس!
ان حقيقة كون منشورات الصحف الثلاث خالية كليا من المقارنة مع ما تضمنته تسريبات سنودن او فولكان 7 يظهر ان ذلك يعود الى أنشطة بروباغاندا الهيئات الأمنية تنسق فيما بينها.
غير أن هناك أمثلة عديدة على مختلف القرصنات قامت بها هيئات الأمن الروسية ،لا تربطها علاقة أيا كانت بأي من وثائق تسريبات فولكان؛ وفي الحقيقة ما من بينة من أي نوع ، باستثناء الرجوع المتكرر لمزاعم السلطات بالولايات المتحدة.
الواشنطون بوست تملك الحق في الادعاء بأن تقريرها هو الأفضل في الاحتفاظ بنوع ما من معايير المهنية الصحفية؛ فهويتضمن هذه الفقرات والاعترافات الهامة، التي ، كما هو ملحوظ، غابت عن التقرير المدون بقيادة لوك هاردينغ في صحيفة الغارديان.
” لم يستطع هؤلاء المسئولون والخبراء إيجاد بينة محددة بأن النظم أنشأتها روسيا او انها استعملت في هجمات قرصنية”
وأن ” الوثائق لا تتضمن ، على كل حال ، قوائم أهداف وكود سوفتوير مدققة ، أو على بينة تربط المواضيع بهجمات سيبرية معروفة”
وكذلك
” ما زالت تقدم تبصرا في أهداف الدولة الروسية بأنها –شان القوى الكبرى الأخرى ، بما في ذلك الولايات المتحدة – متحمسة لتنمية و منهجة قدراتها على شن هجمات سايبرية بسرعة اعلى ومدى اوسع وفاعلية أعظم”.
المقتبس الأخير هو بالطبع النقطة الرئيسة ، والواشنطون بوست تستحق فعلا بعض التمجيد، على الأقل نظرا لاعترافها به، الأمر الذي لا نستطيع قوله بصدد الغارديان ودير شبيغل. حتى مع اعتراف الواشنطون بوست بهذه النقطة فإنها لم تسمح بأن يؤثر ذلك، بأي شكل، على وقع تقريرها اوتأثيره في المتلقين .
ولكن في الحقيقة ما من سبب للشك ان الدولة الروسية تطور قدرات حرب سايبرية ، وما من سبب للشك في أن الشركات التجارية ، بمن فيها فولكان، متورطة بعقود ثانوية.
لكن بالضبط نفس الأمر ينطبق على الولايات المتحدة ، والمملكة المتحدة أو أي دولة غربية كبرى. عشرات المليارات تصب في الحرب السايبرية ، والموارد المدخلة من قبل دول الأطلسي تفوق بكثير الموارد المتوفرىة لدى روسيا، وهو ما يخضع للمقارنة مع هذا التدفق من البروباغاندا المعادية لروسيا . وهنا أقدم الحقائق الأٍساس لاطلاع القراء.
لنأخد الصحف الثلاث ألغارديان والواشنطون بوست ودير شبيغل معا:
*أقل من 2 بالمائة من مواد التقارير مقتبسة مباشرة من الوثائق التي زعم انها مسربة؛

  • أقل من 10 بالمائة من المقالات تتألف من توصيفا ت مزعومة لمحتويات الوثائق؛
  • ما يفوق 15 بالمائة من المقالات تتألف من تعليقات هيئات امن غربية وصناعة الحرب السايبرية؛
    *ما يفوق ال40 بالمائة من المقالات يحتوي على توصيفات لأنشطة روسية زعم انها حصيلة قرصنة، وما من مادة منها مرجعيتها تسريبات فولكان الحقيقية.
    أمكننا الاطلاع على 5000 تسريب مزعوم ، يضاف إليها مجموعة من الخرائط والغرافيك؛ وتطلب الأمر ثلاثين صحفيا متمرسا لتقديم هذا البروباغندا الهائلة؛ بمقدري، لوحدي، القيام بالمهمة في ليلة واحدة، أدبج ثلاث مقالات بينها اختلافات بسيطة بتغذية مباشرة أو غير مباشرة من قبل هيئات الأمن. وبمقدوري رؤية “الصحفي” منجذبا لترويج دعاية السلطة، لقاء اموال ميسرة للثلاثين الملطخين بالوحل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى