إقتصادفي الواجهة

حقيقة قوة الورقة الخضراء الدولار

عبد علي عوض
ما قبل ألحرب ألعالمية ألثانية، ما كانت تتواجد عملة نقدية معينّة تسيطر على ألإقتصاد ألعالمي كألدولار أو الباون ألإسترليني أو ألفرنك ألفرنسي أو ألفرنك ألسويسري أو المارك ألألماني وغيرها، بَل كانت تجري ألتحويلات ألنقدية سواءٌ كإلتزامات مالية فيما بين مختلف الدول أو على صعيد تبديل العملات للأفراد، ولذلك كانت ولا تزال تسود ما تُسمى[ بسلة ألعملات] ألتي تشكّل ألإحتياطي ألنقدي ألستراتيجي إضافةً إلى ألذهب لدى ألبنوك ألمركزية لمختلف ألبلدان. وأول من إنتبه لظاهرة تعدد ألعملات هي ألولايات ألمتحدة ألأمريكية وبدفع من طغمة ألأوليغارشية ألأمريكية. ولذلك بادرَت ألحكومة ألأمريكية لعقد مؤتمر { بريتون وودز} لغرض معالجة تلك ألظاهرة.
فعندما عُقِدَ ألمؤتمر في – بريتون وودز في عام 1944، كانت تدور في أذهان ألمجتمعين مجرّد تصورات متراكمة عن العالم المعاصر عموماً وألإقتصاد ألعالمي خصوصاً، وأصبح معلوم لاحقاً لماذا ألأولوية كانت لدى ألولايات ألمتحدة ألأمريكية. إن ألدول ألمجتمعة في ذلك ألمؤتمر، كانت إقتصاداتها تشكّل أكثر من 50% من ألإقتصاد ألعالمي… لكن منذ ذلك ألحين، تغيّر ألوضع بقوة، بحيث أن: حصة أمريكا في ألإنتاج ألعالمي قد إنخفضَت إلى مستوى 20%، وهنالك منطقتان على ألأقل لم تتراجعا وهما: ألإتحاد ألأوربي بإجمالي ألإنتاج في الوقت الحاضر، وكذلك ألصين ألتي لا تتراجع بإنتاجها ألكبير، ويعود ألفضل في ذلك إلى أساليب تقديرات البناء المالي الفوقي للإقتصاد، وتتفوّق ألصين في بعض ألمنهجيات، بحيث أصبحت وقبل عدة سنوات تتفوّق على ألولايات ألمتحدة ألأمريكية.
لكن لحد ألآن تسيطر أمريكا بصورة مطلقة على ألقطاع ألمالي وفي بعض المجالات العلمية. أما على صعيد ألصناعات ألحربية وتكنولوجيا ألأسلحة، كانت متفوقة لحد ألأمس ألقريب، أما أليوم فتتقدم روسيا بتقنيات مختلف ألأسلحة بأشواط.
نتساءل – لماذا لا تختار كل من دول ألإتحاد ألأوربي وألصين ألرد ألمناسب ضد هيمنة ألدولار وأين تكمن ألمشكلة!؟… ألمشكلة تكمن في أنّ ألإقتصاد ألعالمي مبني بصورة مرضية من وجهة نظر نظام قسمة ألعمل ألدولية، ويفترض ذلك البناء ألهيمنة أللامشروطة للولايات المتحدة ألأمريكية. يمكن فهم ذلك ألبناء إذا ما جرى ألتعمّق في تاريخ ألعالم« ما بعد بريتون وودز». لنتذكر[ خطة مارشال]. تتكون تلك الخطة بخصائصها العامة بمنح القروض للدول ألأوربية لغرض إعادة ألصناعة ما بعد ألحرب ألعالمية الثانية. ومع ذلك، من الواضح أنّ إعادة ألبناء لم تكن كافية وخاصةً لألمانيا[ المعجزة ألإقتصادية]. وكحقيقة، فإنّ بناء مصنع لإنتاج المنتوجات يكون ممكن، لكن مَن يستطيع شراء ذلك ألمنتوج في أوربا ألمفلسة وألفقيرة؟ … لا أحد، إذ ما كان موجود حينذاك سوق من وجهة نظر التسويق.
وهنا من ألضروري ملاحظة ألنقطة ألأساسية لـ [ خطة مارشال] ألتي وضِعَتْ في حقيقة أنّ ألولايات ألمتحدة ألأمريكية فتحتْ أسواق أوربا ألغربية لترويج منتجاتها. وهذه ألجزئية وبألخصوص تمثل ألنقطة ألرئيسية ألتي ضمنَت« ألمعجزة ألإقتصادية»: أصبحَت ألشركات ألأوربية تحصل على ألأرباح، وأعادَت توزيع ألأسواق في داخل ألبلدان ألمشاركة في ألخطة.
وبمجمل ألخطة، تحققَ ألعديد من ألنتائج. ألنتيجة ألأولى – تمّت إعادة ألبناء ألسريعة لإقتصاد أوربا ألغربية. ألنتيجة ألثانية – هي أن ألدولار ألأمريكي” كحقيقة واقعة” أصبح ألعملة ألثانية أو حتى ألأولى في تلك البلدان، حيث أنها حققتْ أرباحاً لدول أوربا ألغربية، وأصبحت ألأساس لإزدهارها. ألنتيجة الثالثة – إتضحَ أنّ أوربا ألغربية مرتبطة بقوة بألولايات ألمتحدة، ليس فقط عن طريق تسعير ألسِلع وألأرباح ألتي تحصل عليها بألدولار ألأمريكي، إنما تبلورت ألسوق ألأوربية في إطار ألإقتصاد ألأمريكي/ هنا تكمن ألتبعية ألإقتصادية/. ألنتيجة ألرابعة – في الولايات المتحدة، ونتيجة لظاهرة غزو ألسوق ألأوربية، حصلتْ عملية تقسيم للطلب وألإنتاج: ألثاني – ألإنتاج، أصبح أقل من ألأول – ألطلب، إذا ما تمّ إحتسابها بألحصص في ألإقتصاد ألعالمي. لكن تمّ تعويض ذلك عن طريق تدفقات رؤوس ألأموال وصافي ألصادرات إلى مناطق أخرى غير أوربا ألغربية وبشكل محدَد ألإتجاه.
ألمرحلة أللاحقة لـ [ خطة مارشال] بدأت تتحقق في عام 1950، وبألدقة في 1 أكتوبر/ تشرين ألأول عام 1949، يوم إعلان جمهورية ألصين ألشعبية. وبدأت ألولايات ألمتحدة بنشاطها المعادي ضد تلك ألجمهورية ألإشتراكية، من خلال إقتراح مخطط مماثل مع وصول ألمنتجين ألوطنيين إلى أسواقهم ألمحلية في أليابان وتايوان وسنغافورة. وفي تلك ألبلدان أيضاً بدأت« ألمعجزة ألإقتصادية». وتبعاً لذلك، نما ألدولار مرةً أخرى، وزادت ألفجوة بين ألإنتاج وألإستهلاك في ألولايات ألمتحدة.
بعد ذلك، تكرر ذلك ألمخطط مرتين: مع كوريا ألجنوبية، بعد نهاية ألحرب ألكورية، ومع ألصين إثرَ زيارة ألرئيس ألأمريكي – ريتشارد نيكسون إلى ذلك ألبلد في بداية عام 1970، ( بعد ألعجز ألذي وقعتْ به الولايات ألمتحدة في عام 1971 وإشتداد « أزمة ألسبعينات»). ونتيجة لذلك، أصبحت حصة ألإستهلاك ألأمريكي في ألإقتصاد ألعالمي” نسبياً” أعلى بكثير من ألإنتاج، وبعد أوائل ألثمانينات، تمّ إطلاق تحفيز ألإئتمان للطلب ألخاص، وزادت ألفجوة بشكل أكبر. وأصبحتْ حصة ألولايات ألمتحدة في ألإقتصاد ألعالمي من حيث تكافؤ ألقوة ألشرائية حوالي 20% للإنتاج وحوالي 40% للإستهلاك. هنالك تقييمات أخرى، لكن في الواقع، لا يُنكِر ألخبراء ألجادون بوجود فجوة كبيرة. وفي هذه ألحالة، يتضح دور ألولايات ألمتحدة وألدولار. تعود هيمنة ألدولار في ألعالم إلى حقيقة أنّ في تلك ألهيمنة يَتمثَل ألطلب.
إنّ هيمنة ألولايات ألمتحدة مفهومة: ألطلب عندها هو ألذي يؤدي إلى ألتنمية ألإقتصادية في ألعالم. وعليه، فمن ألمستحيل بسرعة إستبدال تلك ألهيمنة بشيء آخر: لأنّ دور ألدولار فريد من نوعه، ولأنّ ألمستهلكين ألذين يمتلكون ذلك الحجم من ألأموال، لا يمكن ملاحظتهم عن كثب. وكحقيقة فإنّ ألإنتاج ألخاص بها منخفض، وتعوّض الولايات ألأمتحدة بنجاح، أولاً – من خلال تدفق رأس ألمال ألخارجي( حيث يتركز ألطلب، ويتشكل ألربح)، وثانياً – عن طريق ألإصدارات ألنقدية ألتي تعوّض عن رأس ألمال ألمفقود( حيث لا يتم إرجاع جميع ألأرباح ألمصدّرة إلى ألولايات ألمتحدة).
عند ذلك، ينبغي ألأخذ بنظر ألإعتبار، أنه حتى وقت قريب، لم تكن تلك ألإصدارات نقدية بقدر ما هي إئتمانية. وقد أدى هذا إلى إضعاف ألتأثير ألسلبي بشكل كبير لزيادة المعروض ألنقدي في ألإقتصاد، أي ألتضخم ألمرتفع ألمحتمل.
بطبيعة ألحال، لا يمكن أن يكون مثل هذا ألمخطط أبدياً، إذ كان يجب إستنفاذ عملية ألطلب عاجلاً أم آجلاً، وهو ما حدثَ بألفعل في نهاية عام 2000. بيدَ أنه، من أجل وصف أكثر أو أقل مشابهةً لتطور ألأزمة، من ألضروري ألأخذ بألإعتبار بنية تقسيم ألعمل وخصائص تكوين ألأرباح في ألإقتصاد ألعالمي، وألذي كان نتيجة للمخطط أعلاه.
كيف أصبح ألدولار عملة عالمية:
قبل أكثر من سبعين عاماً، ظهرَ ما يُسمى بنظام بريتون وودز، ألذي أرسى لعدة عقود ألقواعد ألتي تعمل وفقها ألمالية ألعالمية.
فـشـَل ألبانكور كعملة عالمية:
إسم ألعملةBancor كوحدة دولية للحساب وألتي إقترحها ألإقتصادي ألبريطاني – John Maynard Keynes
إنّ نتائج ألحرب ألعالمية، أزالت الشكوك، وكان أحد ألأسئلة ألرئيسية ألتي واجهت ألدول ألمنتصرة هو: بأية قوانين مالية، يمكن أن يتطور ألعالم لاحقاً، وخاصةً مع ألأخذ بألحسبان ألخسائر ألتي عانت منها ألعديد من ألدول.
إنّ ألمؤتمر ألذي عُقِد في يوليو/تموز من عام 1944 ولمدة ثلاثة أسابيع في بريتون وودز في – ولاية هامبشاير ألأمريكية، كان يضم 730 مندوباً من 44 دولة مشاركة في ألتحالف ألدولي ضد هتلر.
ترأسَ هيئة رئاسة ألمؤتمر وزير ألمالية ألأمريكي – هنري مورغنتاي، وترأس وفد بلاده ممثل عن وزارة ألمالية للولايات ألمتحدة – هاري وايت، وألخبير ألإقتصادي ألشهير – جون كينز عن ألمملكة ألمتحدة، ووفد إتحاد ألجمهوريات ألسوفيتية – وزير التجارة الخارجية – ميخائيل ستيبانوف، ووفد ألصين – رئيس ألوزراء – تشان كايشي.
إنّ من بين ألأسباب ألرئيسية ألتي دعت إلى إنعقاد ذلك ألمؤتمر ألتارخي من قِبل ألمشاركين، كانت في أغلب ألأحيان وجود ما تُسمى بحالة ألفوضى في ألنظام ألمالي بين ألأعوام 1918 و 1939، وإنهيار ألمعيار ألذهبي ألذي حدّد قيمة ألعملات، وألكساد ألكبير في ألولايات ألمتحدة ونمو ألحمائية في جميع أنحاء ألعالم.
لقد حدّدَ وفدا ألولايات ألمتحدة وبريطانيا مناقشات بريتون وودز لمدة ثلاثة أسابيع. كان وايت و كينز- قد أعدا مسبقاً ألمقرحات بشأن هيكل ألنظام ألنقدي وألمالي ألعالمي ما بعد ألحرب وألذي تضمن إختلافات أساسية.
إقترح كينز ألتالي: من أجل تسوية ألحسابات ما بين ألدول، من الضروري إنشاء جهاز المقاصة ألدولية وإدخال وحدة نقدية وطنية تُسمى[ بانكور]، وتجاهُل ألذهب كأموال عالمية.
أما وايت، فمن جانبه قد أوصى بإستخدام ألدولار ألأمريكي كعملة عالمية، والتي أصدرها ألإحتياطي الفدرالي ألأمريكي منذ عام 1914. لذلك، كانت أمريكا مستعدة لتأمين ألتبادل ألحر لـ [ المعدن ألأصفر] على أساس ألمعادل ألثابت للذهب.
ما عدا ذلك، تمّ إقتراح إنشاء مؤسستين ماليتين جديدتين: صندوق ألنقد ألدولي لدعم ألحفاظ على ميزان مدفوعات ألدول ألفردية وإستقرار أسعار ألصرف مقابل ألدولار ألأمريكي، وألبنك ألدولي للإنشاء وألاعمار لأجل إستعادة بناء إقتصاد ما بعد ألحرب.
في نهاية ألمطاف، إنتصر موقف ألولايات ألمتحدة، ليس لأن وايت كان أكثر إقناعاً، بَل، كان ألسبب هو ألقوة ألعسكرية وألسياسية وألإقتصادية لأمريكا ما بعد ألحرب. إنّ من بين جميع ألقوى ألمتقدمة، كانت ألولايات ألمتحدة ألأقل معاناة وتضرراً من ألحرب، ولذلك، ربح إقتصادها عموماً. بألإضافة إلى ذلك، وبحلول ذلك ألوقت، كانت ألخزانة ألأمريكية في ألأقبية ألشهيرة – فورت نوكس، تحتوي على 70 بألمئة من إحتياطيات ألذهب في ألعالم – أكثر من 20 ألف طن.
بعد أن باعت ألولايات ألمتحدة نسختها من ألنظام ألمالي ألعالمي، ضمنَتْ لنفسها ولعقود عديدة هيمنة عملتها، وأدت إلى ألإزاحة جانباً بألمنافس ألضعيف – المملكة ألمتحدة.
ألإتحاد ألسوفيتي سـاندَ ألولايات ألمتحدة!
لا يزال ألمؤرخون يتجادلون حول ألدور ألذي لعبه ألإتحاد ألسوفيتي في مؤتمر بريتون وودز، ألذي يوضح ألموافقة على النسخة ألأمريكية للهيكل المالي للعالم مع ألدور ألمهيمن للدولار. من ألواضح، أنّ ألقرار بمشاركة ألإتحاد ألسوفيتي، وبعد ذلك ألموافقة على نتائج بريتون وودز، لم يَتخذهُ رئيس الوفد سـتيبانوف، إنما رأس ألدولة – سـتالين. ومن غير ألمرجح أن تكون عنده” سـتالين” أوهام – لمصلحة أية جهة ستكون ألقرارات ألمتخَذة في نهاية ألمطاف. كان من الواضح، أنّ واشنطن ستستخدم ألمؤتمر من أجل ألترسيخ ألقانوني لهيمنتها ألمالية – ألإقتصادية في عالم ما بعد ألحرب.
لقد أصبح ألنظام ألنقدي ألدولي مرتكِزاً على ألدولار. إحتلّ ألإتحاد ألسوفيتي موقعاً في ذلك ألنظام ليس كشريك أصغر لواشنطن مثل بريطانيا، إنما كدولة من ألدرجة ألثانية فقط. إنّ ألدليل ألوحيد على ذلك هو توزيع ألحصص وألأصوات بصندوق ألنقد ألدولي، ألمعتمَدة في ألمؤتمر تحت ضغط ألوفد ألأمريكي. وكانت نتيجة ألعدد ألإجمالي للأصوات هي 99 ألف، منها 28 بألمئة – حصة ألولايات ألمتحدة، وحصة بريطانيا – 13,4 بألمئة، وحصة ألإتحاد ألسوفيتي – 12 بألمئة، وحصة ألصين – 5,8، وحصة فرنسا – 4,8. وبألتالي كان مفهوماً، مَن ألذي سيلعب ألدور ألقيادي في ألصندوق.
حينذاك، لماذا وافق ستالين على مشاركة ألإتحاد ألسوفيتي في أعمال ألمؤتمر؟. يحدد ألمؤرخون ألعديد من ألإعتبارات ألتكتيكية ألتي يمكن أن توجّه ألزعيم ألسوفيتي: أولاً – توقّعَ أنّ أمريكا أخيراً ستفتح ألجبهة ألثانية ألتي ستسهل تقدم ألقوات ألسوفيتية. ثانياً – قدّرَ إستمرار ألحاجة ألماسة لبلده من البرنامج ألأمريكي[ ليندا – ليز] ألذي في إطاره، حصلَ ألإتحاد ألسوفيتي على ألأسلحة وألمواد ألغذائية وألسلع ألأخرى. ثالثاً – كان يأمل بألحصول على مساعدة إقتصادية من ألولايات ألمتحدة وفي نهاية ألحرب. علاوةً على ذلك، حينما إجتمعَ سـتالين مع ألرئيس ألأمريكي – روزفلت في طهران في عام 1943، تعهّدَ ألأخير بأن تقدِم ألولايات ألمتحدة قرضاً بمبلغ سـتة مليارات دولار – وهو مبلغ كبير جداً في تلك ألأوقات.
بإختصار، أجبرَت علاقات ألحلفاء سـتالين على ألإلتزام بما كان مُشار إليه في بريتون وودز. في ذات الوقت، كان عملْ ألوفد ألسوفيتي في ألمؤتمر يجري بطريق سلبية، راصداً ألإستحواذ ألأنكَلو – أمريكي من جانب وإظهار ألإهتمام فقط عند مناقشة قضايا محددة. على سبيل ألمثال، تقررّ أن يوضَع جزء من مساهمة كل بلد في صندوق النقد ألدولي من ألذهب في ألولايات ألمتحدة. تمكّن ألإتحاد ألسوفيتي من تحقيق تنازلات: فقد سُمِحَ له بتخزين ألجزء ألذهبي من ألمساهمَة على أراضيه.
لقد وقّعَ ألإتحاد ألسوفيتي على بيان ألمؤتمر، وإتفقَ مع جميع ألقرارات، وتركَ بريتون وودز بهدوء.
وحقيقةً، بعد مرور عام، إنتهت ألعلاقات ألتحالفية بين ألإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بشكل مفاجيء. حيث أعلن الرئيس ألأمريكي الجديد – هاري ترومان إيقاف برنامج – ليزا ليند لمساعدة ألإتحاد ألسوفيتي. وحول قرض ألستة مليارات ألذي وعدَ به ألرئيس ألراحل – روزفلت، أصبحَ أمراً مستحيلاً. وعليه، رفضَ ألإتحاد ألسوفيتي في ديسمبر/ كانون ألأول من عام 1945 ألتصديق على وثائق مؤتمر بريتون وودز.
نجومية ألدولار:
في إطار نظام بريتون وودز، كانت أسعار صرف جميع ألعملات مرتبطة بألدولار، وألدولار بدوره مرتبط بألذهب. ونتجةً لذلك، تمَّ تحديد سعر قوي للذهب: 35 دولار للأوقية ألواحدة. وأصبحَ ألدولار عملة ألإحتياط ألعالمية. وصارت عملات ألدول ألمختلفة كسلعة حاصلة على قيمتها ألمحدَدة. لقد جرى ألنظر حول إمكانية تغيّر أسعار ألصرف – تخفيض العملة أو إعادة تقييمها.
إنّ قرارات بريتون وودز ، تجسّدت بسرعة في ألحياة. وبحلول نهاية عام 1945، تمّ ألتصديق على إنشاء صندوق ألنقد ألدولي من قِبَل 29 دولة، ومنذ 1 مارت/ آذار 1947، بدأت تلك المؤسسة بتنفيذ عملياتها. وبدأ ألبنك ألدولي للإنشاء وألإعمار عملياته في عام 1946 – ألذي تحوّل فيما بعد إلى ألبنك ألدولي.
إنّ نظام بريتون وودز وعلى مدى عقدين من ألزمن، ضمَنَ ألنمو ألسريع للإقتصاد ألعالمي، وساعده على تجنب أية أزمات مالية خطيرة.
لكن، رأى ألنقاد على الفور نقطة الضعف التالية فيه: هذا النظام، يمكن أن يعمل بنجاح فقط طالما أنّ إحتياطيات ألذهب في ألولايات ألمتحدة قد ضمنَتْ تحويل ألدولار ألخارجي إلى ذهب. ومع نمو ألإقتصاد ألعالمي في فترة ما بعد الحرب وتزايد عمليات تبادل العملات، كانت إحتياطيات الذهب في الولايات المتحدة تذوب حرفياً أما ألأعين: ثلاثة أطنان في اليوم. ويحصل هذا، بألرغم من كل ألإجراءات ألتي يمكن تخيلها وألتي إتخذتها الولايات المتحدة لإيقاف تسرّب ألذهب. وكانت ألفرص المتاحة لتبادل الدولار مقابل الذهب محدودة بكل ألطرق: لا يمكن تنفيذها إلاّ على ألمستوى ألرسمي وفي مكان واحد فقط – في خزانة ألولايات ألمتحدة. لكن من عام 1949 ولحد عام 1970، إنخفضَت إحتياطيات ألذهب في فورت نوكس من 21,8 ألف طن إلى 9,8 ألف طن – أي أكثر من ألضعف.
لقد وضعَ ألرئيس ألفرنسي شارل ديغول ألنقطة ألأخيرة في[ الهروب من ألدولار] – وهو الخصم ألقوي ضد ألأولوية ألشمولية للدولار. وأصرَّ خلال زيارته ألرسمية للولايات المتحدة على إستلام 750 مليون دولار بهيئة سبائك ذهبية بدلاً من ألدولار ألورقي. وقد اُجبِرَتْ ألسلطات ألأمريكية على تنفيذ هذا ألتبادل بسعر ثابت مع ألحفاظ على ألإجراءات أللازمة. وسارت على نهج فرنسا كل من ألمانيا وكندا وأليابان بإستبدال ملايين ألدولارات ألورقية بألذهب. ونتيجةً لتلك ألضغوط ألمالية، إضطرّت أمريكا إلى ألتخلّي ، من جانب واحد، عن جميع إلتزاماتها ألدولية ألسابقة بتوفير الذهب مقابل ألدولار. وفي بداية سبعينات ألقرن ألماضي، حدثتْ إعادة توزيع لإحتياطيات ألذهب لصالح أوربا أخيراً، وشاركت دولارات نقدية وغير نقدية في عملية ألتبادل ألدولي. كانت هنالك مشاكل كبيرة في السيولة ألنقدية، حيث كان إنتاج ألذهب ضئيلاً مقارنةً بألنمو لحجم ألتجارة ألدولية. وكذلك تدهورَت ألثقة بألدولار كعملة إحتياطية بسبب ألعجز ألكبير في ميزان ألمدفوعات ألأمريكي. ولذلك، تشكّلتْ مراكز مالية جديدة في العالم – أوربا ألغربية وأليابان، وأصبحت عملاتها ألوطنية تُستخدَم تدريجياً كإحتياطي. وهذا ألحال، أدى إلى فقدان ألولايات ألمتحدة لهيمنتها ألمطلقة على ألعالم ألمالي.
في بداية عام 1970، إضطرَ بنك ألإحتياطي ألفدرالي ألأمريكي ولمرتين إلى خفض ألغطاء ألذهبي للدولار، يعني تخفيض قيمته. وفي آب/ أغسطس عام 1971، ألغَت إدارة ألرئيس ريتشارد نيكسون رسمياً تحويل ألدولار إلى ذهب بسعر ثابت. وأصبحَ نظام سعر ألصرف شيء من ألماضي. وتمّ إستبداله بنظام ما يُسمى بـألــ [ جامايكا]، ألقائم على أساس تحويل ألعملة ألحرة.
ألحياة بعد ألموت:
مع ذلك، لاتزال ألمعايير ألرئيسية المتبقية لنظام بريتون وودز، تعمل بنجاح لحد ألآن. وعلى وجه الخصوص، يُعتبَر صندوق ألنقد وألبنك الدوليين أليوم أكبر مؤسسات ألإئتمان في ألعالم. على الرغم من أن أنشطة هاتين ألمؤسستين، تتعرض لإنتقادات متزايدة ألتي إشتدّتْ بعد ألأزمة ألمالية ألعالمية عام 2008. وبألتحديد، يتعرض صندوق ألنقد ألدولي لإنتقادات شديدة بسبب حقيقة أنه لا تزال تهيمن عليه بلدان[ مجموعة ألسبع]، على ألرغم من أن ألإقتصاديات ألنامية وبشكل ديناميكي أليوم، وقبل كل شيء، تكتسب دول بريكس( البرازيل، روسيا، ألهند، الصين، جنوب أفريقيا) وزناً خاصاً. ويشعر ألكثيرون بعدم ألرضا حول حقيقة أن قروض صندوق ألنقد ألدولي تصدُر بشروط قاسية، تتطلب تخفيضات كبيرة بألإنفاق في بلدان” ألأزمة” ألتي تعرقل نموها ألإقتصادي. وعلى ألرغم من كل ألضربات ألسياسية وألإقتصادية، فقد إحتفظَ صندوق النقد والبنك ألدوليين بدورهما ألرئيسي في ألعملة ألإحتياطية ألعالمية وألدولار ألأمريكي ألذي لا يزال أليوم يُعتبَر ألوسيلة ألرئيسية للدفع في ألتجارة ألعالمية.
ملاحـظـة:
لو أصرَّ ألإتحاد ألسوفيتي من خلال وفده ألمشارك في مؤتمر بريتون وودز على تثبيت ألشرط ألتالي: [ يمكن أن يكون ألدولار ألأمريكي ألعملة ألرئيسية للتبادل ألدولي ويحل محل ألذهب، لكن بشرط أنْ لا يمتلك ألبنك ألإحتياطي ألفدرالي ألأمريكي ألحق بوضع اليد على أرصدة ألدول بألدولار، فيما لو تقاطعت المواقف السياسية الدولية لتلك ألدول مع مواقف ألولايات ألمتحدة]. فلو كان متحقق هذا ألبند، لتوقفت هيمنة ألأولايات ألمتحدة على ألإقتصاد ألعالمي، وحجّمَت من أدوارها بألإنقلابات ألعسكرية في مختلف دول العالم، ولأصبحت شعوب ألعالم بعيدة عن فُلك ألسياسة ألأمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى