أخبار العالمأمن وإستراتيجيةفي الواجهة

حرب المعلومات أوسع نطاقًا من حرب العسكر

ازهر عبدالله طوالبه

لا أجِدُني مُنحازًا لأيّ طرفٍ مِن أطراف الحَرب الدائرة الآن على الأراضي الإوكرانيّة، لا لروسيا التي أرى بأنَّها قَد ألِبسَت ثوب التّعظيم، وكُلّ أثوابها هي أثوابٌ مُرقَّعة، وفي هذا التّعظيم قد تسقُط روسيا سقوطًا مُدوّيًا، كما يُريد لها الغَرب، ولا لأوكرانيا التي هرعَت لنجّدَتها – نجدة خجولة- أوروبا والولايات المُتَّحِدة، تحتَ حُجِّة “التصدّي للغزو الرّوسيّ”، على حدّ تعبير وزيرة خارجيّة بريطانيا.

لكن، عدَم الانحياز هذا، لا يمنعني مِن أن أقول: بأنَّهُ لَن ينجَح بقراءة هذه الأحداثِ، بل لن يتوصَّل إلى نتيجةٍ تُذكَر، مَن يقوم بقراءتها مِن خلال رصد للأرتالِ العسكريّة الروسيّة والأوكرانيّة، ولحجمِ تدفُّق الجيشِ الروسيّ على الأراضي الأوكرانيّة، الذي أعتَقد أنّ التضخيمَ بهِ، أي الجيش الروسيّ، هو مرادٌ غربيّ ؛ لسرَقة الرأي العالميّ، وجعلهِ ينظُر لروسيا على أنَّها الخطَر الدّاهِم الذي سيتأبَّط العالَم، كُلّ العالَم، بشرورِه.

والسَّبب في حُكمي هذا على من يقرأونَ الحَرب مِن خلالِ ما ذكرتُ آنفًا، هو أنَّ هُناك ثمّةَ حربٌ معلوماتيّة، تشتَعل بين طرفي الحَرب، مع التّسليم، بأنَّ المُسيطِر على هذه الحَرب، نتيجةً لخُطورتها وضربها لموازينِ “الوعي” العالميّ، هو الذي يتحكَّم بالحَرب العسكريّة ومُجرياتها على أرضِ الواقع، وهو الذي ” يصبّ الزيتَ على النّار” متى ما يشاء، ويتوقَّف عن صبّهِ متى ما يشاء، أيضًا .

ومَن يُسيطِر على هذه الحَرب، هو مصنَع ماكينة الإعلام الغربيّ، والذي تنتَشر كُلّ ماكيناته الإعلاميّة في كُلّ بقعةٍ مِن بقاعِ العالم، لا سيَّما البُقعة العربيّة . فمِن الأمور الواضِحة لنا كمتابعينَ عرَب، الأغلَب منّا يُتابِع الأحداث مِن خلالِ بعض القنوات العربيّة، هو أنَّ هُناك عدَم مهنيّة في التغطية الإعلاميّة لهذه الحَرب ؛ حيثُ أنّهُ لا يُنقَل للمشاهِد إلّا تلكَ الأحداث التي تدعَم الجانب الأوكرانيّ، وتؤيِّد الغرَب في كُلّ خطواتهِ العُنصريّة والقَذِرة التي تُبقي أوكرانيا متأرجِحة كما هو الإتحادالأوروبيّ بأكمله، والتي أيضًا، في ظلِّ التخبُّط الغربيّ أعتَقد أنَّهُ لا يُفهم المُراد مِنها، وأنا هُنا أقصُد أوروبا فقط ؛ لأنَّ أميركا تعلَم مرادها مِن هذه الحَرب جيّدًا، ألا وهو إطالَة أمَد الحَرب ؛ ليتمّ استنزاف كُلّ أطرافها، وليسَ هناكَ ما هو أدلّ على ذلك، مِن قيام سيّدَة أوروبا، وأقصُد هُنا ألمانيا، بزيادة حجمِ الإنفاق العسكريّ، وهو الأمر الذي كانَت قد رفضتهُ ميركل قبل أن تنتَهي مُدة استشاريّتها، ولا يسَع المجال هُنا لأن نتحدَّث عن هذه النُقطة المهمَّة، التي ربّما سأُخصّص لها مقالًا في قادم الأيّام .

وعليه، فحتى لو كانَت الحَرب المعلوماتيّة، تُشير إلى أنَّ هناكَ وهنٌ قد أصابَ الرّوس، وأنَّ العُقوبات، بكُلّ أشكالها، قَد أجبرَت الرّوس على العودَة إلى طاولِة التّفاوُض، بعد أن رفضوا كُل دعوات التّفاوُض، سابقًا، فإنَّ الحُكمَ على ما يجري هُناك، أي على الأراضي الأوكرانيّة، ما زالَ مُبكِّرًا، وهذا ليسَ لأنَّ أوكرانيا بلد قويّ، ومدعَّم بكلّ أنواع الدَّعم الغربيّة، ممّا يعني أنَّه ستصمُد أكثَر مِن صمود العِراق الذي لم يتجاوز أسبوعًا مِن الزّمن، على حدِّ مزاعم بعض السّاسة، أو لأنَّ القوة العسكريّة الروسيّة مِن أكبر القوى العسكريّة في العالم، وبالتّالي النّصر الروسي أصبحَ قابَ قوسين أو أدنى..وإنّما لأنَّ مُعظم المعلومات التي يتمّ تداولها وتناقلها على القنوات المُتلفَزة، وعلى مواقعِ “التّراشُق السياسيّ والأجتماعيّ”، التي للأسف، سطَت على كُلّ المنابِر الإعلاميّة، وغطَّتها بكُلّ أغطية الجَهل، هي معلوماتٌ استُقيَت وتُستقى مِن الإعلام الغربيّ، بل مِن مصادرِ هذا الإعلام التي تنشُر ما يصبّ في صالحها، وتحظُر نشرَ ما لا يتوافَق مَع مصالِحها.

لقَد كان لروسيا الكثير مِن التدخُّلات العسكريّة التي سبقَت هذا التدخُّل العسكريّ على أوكرانيا، وقَد تكلَّلت كُلّ تلكَ التدخُلات بالنَّجاح، خاصةً، تدخّلها في جورجيا وفي سوريا . لكن، هذا الأمِر، وعلى الرَّغم مِن إيماني بأنَّ “حرب الإعلام” هي التي ستكون قريبة مِن تحديد “المُنهزِم” و ” المُنتَصِر” في هذه الحَرب، لا يجعَلني أُعارض تلكَ الآراء التي تنظُر للأحداث مِن زوايةٍ مُنحازة للغَرب، لا مِن زاويةٍ سياسيّة صرفة، والتي ترى بأنَّ هذا التدخُّل الروسيّ يكاد يكون الأصَعب على الرّوس، وعلى الرئيس “بوتين”. فكما أسلَفت، فأنا لستُ مُنحازًا لطرَفٍ على حساب طرف آخر، لكنّني أقرأ الأحداث قراءة سياسيّة منطقيّة في زمن “اللامنطِق”، وما دفعني إلى أن أتَّفق مَع رأي مَن ينحازونَ للغَرب، هو أنَّ صعوبة التدخُّل العسكريّ الروسيّ، تتّضِح جليًّا بعدَم تمكٌّن “بوتين” اختراق النُخبةِ العُليا للدَّولة الأوكرانيّة، وقيادات الجَيش الأوكرانيّ، بما يضمَن لهُ تسهيل مُهمّتهِ العسكريّة، على غرارِ ما فعلَ بعمليّاته العسكريّة السابقة، وكلّ ذلك، على الرّغم مِن اعتبار أوكرانيا ساحة روسيّة.

الخُلاصة: منذ شهرين ورئيس الولايات المُتّحدة، بايدن، يقول بأنَّ “بوتين سيغزو أوكرانيا”، وكُلّ مَن لهُ علم بالسياسة يعلَم بأنّ هذا الأمر كانَ مستبعدًا، وأنَّ لا مسعى لهُ إلّا إعادَة فتح باب التسويات بين “موسكو” و “البيت الأبيض” على ملفّات كثيرة، أهمّها :

  • ملفّ الطاقة العالميّ، بما فيه الطاقة المُصدَّرة لأوروبا مِن روسيا.
  • ملفّ الصّراعات المُشتَعلة بينَ الجانبين، في كافة أنحاء العالم، لا سيّما العربيّة منها.
    فهذا التأجيج البايدنيّ، كان الخُطوة الأولى في “حربِ المعلومات” التي إلى هذه اللَّحظة، تتقدَّم فيها الولايات المُتحِدة، ورويدًا رويدًا تُحقِّق أهدافها التي تُريد، والتي تتمثَّل ب:

أولًا : استنزافِ روسيا عسكريًّا، ويتبَع هذا الاستنزاف، استنزافًا للإقتصادِ الروسيّ، الذي يقوى على الصُّمود، كثيرًا، أمام الاقتصادِ الأميركيّ .
ثانيا: إظهار الضُّعف الأوروبيّ، وأنّ أوروبا إن خرجَت مِن بيت الطاعة الإميركيّ، لن يكون مصيرها إلّا الإندثار .

فكُلّ هذا كان من الصّعب تحقيقهُ لو يتًّبع البيت الأبيَض سياسة حرَب المعلومات، وزجّ المعلومات في جُعبة الرأي العالميّ، على أنّها معلوماتٌ استخبارتيّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى