أمن وإستراتيجية

حرب الجيش الاحمر والدرع الاحمر في اوكرانيا

مروان هائل عبدالمولى

روتشيلد هي كلمة المانية مكونة من جزئيين (Rot & schild ) والتي تعني الدرع الاحمر ، الذي كان يستخدمه المقاتلون لحماية انفسهم من ضربات السيوف والسهام في العصور القديمة ، كذلك كلمة روتشيلد ، هو اسم لعائلة يهودية ثرية أصلها من فرانكفورت الالمانية ،التي استخدمت الكلمتين وعملت منها شعار العائلة التجاري على شكل درع احمر ، والذي نشره بعد ذلك تاجر العملات القديمة أمشيل روتشيلد عام 1821 ومن خلاله قام بتنظيم العائلة وأوكل لها مهمة العمل في أهم بلدان العالم آنذاك ونشرها في خمس دول أوروبية، حيث أرسل أولاده الخمسة إلى إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والنمسا الذين اوصلوا شعار الدرع الاحمر بعد ذلك الى امريكا ، كما قام بتأسيس مؤسسة مالية لكل فرع للعائلة في تلك الدول مع تأمين ترابط وثيق بين اعضاء العائلة فيما بينها و وضع لها قواعد تسمح بتبادل المعلومات ونقل الخبرات بسرعة عالية وسرية بين هذه الفروع مما يحقق أقصى درجات الفائدة والربح .
قام الإخوة الخمسة في تنسيق أنشطتهم في جميع أنحاء القارة ، وطورت العائلة شبكة من الوكلاء لنقل الذهب عبر أوروبا التي مزقتها الحرب حينذاك ، وهنا يذكر الدور الكبير لـ روتشيلد في تمويل المجهود الحربي البريطاني بمفرده تقريبًا، بالإضافة إلى دفع الإعانات المالية البريطانية إلى حلفائهم ، ويقال انه تم التلاعب بطرق تمويل المجهود الحربي البريطاني وفي نقل اخبار معركة واترلو ، الامر الذي ادى الى سقوط الاقتصاد البريطاني حينها بيد عائلة روتشيلد.
اما قصة عائلة روتشيلد مع روسيا فقد بدأت مع افتتاح خط السكك الحديدية عبر القوقاز في عام 1883 ، والذي ربط منطقة باكو النفطية بميناء باتومي على البحر الأسود ، تلقت حينها المنتجات النفطية الروسية أقصر وأرخص طريق للأسواق الخارجية ، كما أدى هذا الظرف إلى حقيقة أن أكبر أباطرة المال في العالم اهتموا بصناعة النفط الروسية ، وفي هذا الصدد استضافت فرنسا طرح إصدار سندات لجمعية باتومي النفطية الصناعية والتجارية ، وبعد ذلك كانت جميع هذه السندات تقريبًا تحت تصرف دار روتشيلد المصرفية الباريسية ، برئاسة البارون ألفونس روتشيلد.
بعد دخول عائلة روتشيلد السوق الروسية تحركت العائلة في اتجاه التقرب من رأس الإمبراطورية الروسية وقاموا بإنشاء النظام المصرفي الروسي المحلي ، وإدخال الروبل الذهبي ، وبعد ثورة اكتوبر الاشتراكية في عام 1917 دخلت العائلة في صراعات مع البلاشفة الذين رفضوا دفع الديون الملكية ، بينما في روسيا التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ظهرت لعائلة روتشيلد مشاريع متعددة مع الأوليغارشية الروسية بمليارات الدولارات وتعاظم نفوذها في الكرملين وعموم روسيا ، وهو الوضع الصعب الذي وجد فيه الرئيس فلاديمير بوتين نفسه بعد أن أثر على مصالح هذا المنزل المصرفي ودخل معه في صراع عميق وخطير امتد حتى اوكرانيا .
في 2022 اصدر بوتين قرار يمنع روتشيلد وعائلة الكارتل المصرفي من النظام العالمي الجديد من دخول روسيا ، و” تحت أي ظرف من الظروف” تمنع عائلة روتشيلد من دخول روسيا ، قرار بوتين جاء بعد سداد ديون روسيا لعائلة روتشيلد ، كما لم يتردد بوتين في إبلاغ مستشاريه قائلا : “أمسك بهم من قفاهم وأخرجهم من الباب الخلفي لروسيا” ، وقال مصدر في الكرملين حينها ، بان الرئيس الروسي يقاتل بالفعل من أجل بلاده ضد عائلة روتشيلد ، واضاف بأن بوتين قال لمستشارية : بانهم لا يملكون العالم وليس لديهم تفويض مطلق ليفعلوا ما يريدون ، إذا لم نتحداهم ستظهر مشاكل أخرى ، لن نخافهم ، وبذلك نجح حظر بوتين لخطط عائلة روتشيلد في انهاء نفوذهم وتوسعهم في روسيا .
جاءت عائلة روتشيلد إلى أوكرانيا منذ فترة طويلة وانتشروا في العديد من قطاعات الاقتصاد ، لذلك قامت الأسرة بتفعيل العمل عن طريق شراء الديون الأوكرانية بأسعار أقل من متوسط مستوى السوق ، فخلال أزمة 2013-2014 ، تم شراء معظم الديون السيادية لصالح عائلة روتشيلد من قبل صندوق الاستثمار الأمريكي فرانكلين تمبلتون ويقال ان المبلغ التقريبي للمحفظة حينها كان يقدر بــــ 7 مليارات دولار، ستة منها أعيد بيعها بهامش ضخم، رفضت عائلة روتشيلد المطالبة بالسداد في الوقت المناسب للديون لمستثمري القطاع الخاص بشرط أن تدفع كييف لهم مبلغًا أكبر بعدة مرات من الدين نفسه ، والآن يتعين على السلطات الأوكرانية منح العائلة المالية حوالي 100 مليار دولار على مدى العقود القادمة ، و بعد شراء هذه الديون تعززت سلطة العائلة وتأثيرها في اوكرانيا ، حيث قامت جماعة روتشيلد بمضايقة حركة المصارف والتجارة الروسية على مستوى اوكرانيا وما حولها عن طريق التواصل السري.
كانت المكافأة أن كييف تعهدت بدفع نسبة مئوية من نموها الاقتصادي حتى عام 2035 ، و أصبح من غير المربح لأوكرانيا أن تحافظ على معدلات نمو عالية ، لأن كل ما يتم كسبه يجب أن يُمنح للدائنين ، ففي الواقع حول المسؤول الذي وافق على هذه الصفقة البلاد إلى عبودية مالية طويلة الأجل وأبطأ تطورها .
ولكن ما هي الأشياء الأخرى التي قد تهم العائلة في أوكرانيا ، إلى جانب الديون؟ كخيار المطارات والموانئ والمرافئ الجوية أو القطاع الزراعي ، خاصة عندما يصل الامر الى امكانية التفكيرمثلاً ببيع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الخصبة واخرى غنية بالفحم والمعادن بأسعار منخفضة وغالبيتها تقع في منطقة الدونباس ذو غالبية سكانية ناطقة باللغة الروسية ، وهو ما دفع بالصراع الروسي الاوكراني الى الواجهة من جديد ، خاصة بعد تدخل حلف الناتو في الحرب ، و الذي تتهمه روسيا بأنه ممول بدرجة رئيسية من عائلة روتشيلد وحلفائها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى