ثقافة

جواز الرحمة على شيرين ابوعاقلة

 
احمد الحاج
اذا لم تكن راغبا بالترحم على شخص – مظلوم – ومغدور برصاص الصهاينة في حقبة التطبيع والتخنيع والتركيع في عصر الديانة الوهمية – المسماة بالابراهيمية – فترحم على عدسته وكاميرته على الاقل، تلك التي وثقت جل جرائم الكيان المسخ على مدار سنين طويلة وهاهي قد اطفئت عن عمد بوجود الاف الكاميرات الممولة والمشبوهة التي لاتطفأ والتي دأبت على قلب عالي الحقائق واطيها لتغسل العقول وتعمل على تشكيلها بالمقلوب لصالح المحتل الغاشم ومخططاته الاثمة …
ترحم على قلم حر لم يدخر وسعا ولم يأل جهدا بفضح انتهاكاتهم هناك وهاهو قد كسر مع سبق الاصرار والترصد بوجود الاف الصحف والمجلات والمواقع الصفراء والأقلام المأجورة التي تروج للمحتل وتطبل له صباج مساء ..
ترحم على لسان صادح بالحق رفض التكميم كليا وهاهو قد أخرس والى الأبد بأوامر عليا ومباشرة بعد أن أقض مضاجعهم ،أسهر ليلهم ، فضح مؤامراتهم ، ألب العالم كله ضدهم بوجود الاف الأبواق والألسن التي تبارك للمحتل وتسوق اجنداته …
الفرق بين كاميرا الشهيد الهادفة، وكاميراتكم غير الهادفة انها لم تصور طعام وليمة كبرى بوجود ملايين الجياع والفقراء والعاطلين عن العمل والمحرومين غير أبهة بمشاعرهم ، ولا قرقرات معيهم الفارغة ، ولم تصور جلسة نارجيلة جماعية ، ولا حفلة عرس صاخبة ، ولا مجلس عزاء خائب ، ولادكة عشائرية ، ولاعراضة قبلية ، لم تصور نزاعا مسلحا بمختلف انواع الاسلحة بين عشيرتين على – دجاجة ، مضخة ماء، رقي وبطيخ – كما تفعلون يوميا، انها كاميرا شريفة وجادة صورت جل جرائم الاحتلال الصهيوني ووثقتها على مدار سنين طويلة ولا أقل من الترحم عليها وعلى حاملها وقد اطفئت، وان كنت أعجب فعجبي على الصامتين تماما طوال الوقت على جرائم الاحتلال وقد ظهروا فجأة لينطقوا أخيرا ، واذا بالكثير منهم وله لسان ينطق واذن تسمع وعير تبصر ، بعد أن كنت أظنهم صما وبكما وعميانا !
أكثر من 46 صحفياً قتلهم الاحتلال الصهيوني بشتى الطرق بما فيها القصف الصاروخي منذ عام 2000 ، بينما اصاب اكثر من 144 صحفياً عربيا واجنبيا منذ عام 2018 بجروح مختلفة وبوسائل مختلفة ايضا ليواصل اجرامه باستهداف مقار وسائل الاعلام والمحطات الفضائية ووكالات الانباء ايضا وما برج الشروق وبرج الجلاء في غزة العزة منا ببعيد حيث هدما بصواريخ مجنحة ادت الى تدميرهما بالكامل بما تضمه من مقار لعشرات المؤسسات الصحفية المحلية والعالمية …!
كل صحفي استشهد او اعيق إعاقة مستدامة كانت له حكاية ورواية كحكاية شيرين ابو عاقلة ..فالاعلام الصهيوني وصنوه الاميركي يكذب ويلقي بمسؤولية مقتلهم على عاتق الفلسطينيين انفسهم في غزة أو في الضفة الغربية …الاعلام العربي نصفه ساكت ، ونصفه مهتم بحسب الجهة المستهدفة فيما اذا كانت موالية له أم لا …
الجامعة العربية – تقطع شخيرها – وتصحو من رقدتها لتندد على استحياء قبل ان تعود الى فراشها بإنتظار – قُمة ولا اقول قِمة عربية طارئة جديدة ستصدر في ختام جلستها بيانا بائسا فحسب لا قيمة له البتة – …اتحادات ونقابات الصحفيين العرب والتي لادور لها على سطح هذا الكوكب بتاتا سوى بتدوير نقيبها – نقيب الصحفيين – وبطانته في كل انتخابات وهمية او شكلية دوريا لحين دنو الاجل وهذه النقابات لامهمة لها في الحياة اضافة الى ثراء المدورين ثانية ولاسيما نقيبهم ، سوى نعي الصحفيين المغدورين بعد مقتلهم او وفاتهم وتأبينهم ببيانات يكتبها غيرهم ومن خارج النقابة لتمهر بأسمائهم لأن كثيرا منهم لايجيد تحرير خبر صحفي واحد ، ولا كتابة مقال واحد، ولعلها من اهم اسباب تدويرهم مجددا وفي كل دورة انتخابية ، والمطالبة احيانا برعاية مرضى الصحفيين ومساعدتهم في حياتهم – اعلاميا – فقط لاغير ..ووبس !
اما عن الجمهور العربي فهذا فد انقسم كعادته الى قسمين ، قسم يترحم على شهداء الصحافة ، وقسم يرفض الترحم ويدخلنا في متاهات فقهية لا أول لها ولا آخر مع إن ذات الفريق الثاني واذا ما مات – طاغية ومستبد وصنم حاكم في واحدة من جمهوريات الموز والفستق لطالما وضع فردة بسطاله العسكري اليسرى في فمه، وفردة بسطاله اليمنى في مؤخرته – فإنه لايفتأ يقول ” ياجماعة ، اذكروا محاسن موتاكم ، فقد افضى الصنم الى ما قدم ، وطاعة ولي الأمر في حياته والترحم عليه بعد مماته واجبة واجبة واجبة ، وكل من يفعل خلاف ذلك فهو خائن ،عميل ،جاسوس ، ترحموا على الاخ الاكبر وان ظهر على الشاشات وهو يزني ويعاقر الخمر ويتعاطى المخدرات لأن الترحم واجب للحاكم المتغلب ولوكان بوشيا او بايدينا او بوتينيا اويهوديا او كونفوشيوسيا او بوذيا او هندوسيا … !!” .
وبينهما فئة تترحم نعم ، ولكن مزاجيا على الشهداء ، فإن كان الشهيد على ملتها ومن ذات طائفتها وقوميتها فهو شهيد شهيد شهيد ، واما ان كان على غير ملتها وطائفتها فـ ” ياجماعة تره الاخ / الاخت من جماعة عباس ، من جماعة مرسي ، من جماعة حماس ، من جماعة فتح ، من جماعة اردوغان ، مسيحي/ مسيحية ، اوربي / اوربية ، سافرة، يسارية ،علمانية ، يحمل / تحمل الجنسية البريطانية او الامريكية ، وهكذا دواليك ، المهم ان يشوش عليك ويحرف البوصلة عن مواجهة الكيان الصهيوني المسخ وهو المطلوب ولا تظنن بأن التقوى هي دافعهم ومحركهم الا فيما ندر ، من ثمارهم تعرفهم، فلو كانت الغضبة لله تعالى هي المحرك لكنت سمعت منهم وطيلة الفترة الماضية حينما ارتكب الصهاينة عشرات المجازر بحق الابرياء العزل ، وجرفوا المزارع ، واحرقوا البساتين ، ونسفوا المنازل ، وحين اقتحمت قطعان المستوطنين الاقصى المبارك مرارا وتكرارا كلمة واحدة ، ولكنت قرأت لهم بوستا واحدا ، واطلعت على تغريدة واحدة ، الا انهم لم يفعلوا قط ، لأن القضية ليست نصرة للدين ، وانما غايتها التعتيم على جرائم الكيان وحرف البوصلة الجمعية !
لن يموت صحفي ميتة مشرفة شجاعة يشهد لها القاصي والداني وبعد مسيرة نضال حقيقية طويلة يشهد له الاعداء قبل الاصدقاء في مواجهة الكيان الصهيوني المسخ ، الا و ستسمع اصوات الرافضين لنعيه وتأبينه والترحم عليه بهذه الذريعة او تلك..ولن يعاق صحفي قط برصاصة غدر، او صاروخ لؤم صهيوني الا وستسمع ذات الاسطوانة المشروخة …” يمعودين هذا مسيحي ، هذا حمساوي ، هذا عباسي …هذا أردوغاني ، هذا فتحاوي ، هذا من جماعة ياسر عرفات ..الخ ” ….بما يخبرني بأن الذباب الالكتروني هو الذي يحرك هذا الخطاب من خلف الكواليس بعلم الرافضين او من دون علمهم لحرف البوصلة عن القضية المركزية الام ” قضية فلسطين والاقصى والقدس ” فهذه هي القضية الوحيدة التي تجمع العرب والمسلمين وتعري مزيفيهم ومنافقيهم على مر الايام ، وكل ما عداها من قضايا ليس بمقدورها ان تصنع ذلك ، لأن كل نظام ، بل قل كل شعب سيفسرها كيفما شاء ووقتما شاء ..
الاعجب ان نصف رافضي الترحم على شيرين ابو عاقلة ان لم يكن اكثر، لم أسمع لهم صوتا قط حين طبَّعَت اربع دول عربية مع الكيان الصهيوني المسخ جهارا نهارا، عيانا بيانا …فهل كانوا مشغولين بقضية جوجو دعارة ، بتصوير أعراسهم ، مجالس عزائهم ،عزائمهم وولائمهم ، سفراتهم وجلساتهم الخاصة والعامة ، تبادل النكات السخيفة والمقاطع الساخرة واحيانا الفاجرة بينهم ،في وقت كانت شيرين ترابط هناك في كل بقعة من فلسطين الحبيبة لتصور وتصور وتصور ولتفضح الكيان ومن طبع معه ومن سار في ركابه وصار ذيلا له ، أم ان ذباب التطبيع الالكتروني ذاته له الدور الاكبر في تحريكهم ، بعلمهم أو من دون علمهم متى ما شاء ، وكيفما شاء ؟!
تأمل فيها جيدا وراجع كل ما كتبت ودونت على صفحاتك طيلة فترة الصراع مع الكيان والمواجهة معه ومذ انشأت صفحتك واطلقتها ، وستكتشف بأنك لم تكتب شيئا عنه ، ستكتشف انك لم تترحم على الشهداء الذين ارتقوا في كل فلسطين قط ، ستكتشف انك لم تحزن ولم تنتفض ولم تستهجن – مع ان لاقيمة لإستهجانك – جرائم الكيان هناك قط …ستلاحظ انك لاتظهر الى العيان ولايسمع لك صوت الا في الوقت الذي يحشر فيه الكيان المسخ في الزاوية الضيقة على مستوى العالم ،هنا فقط تظهر وتطفو على السطح لتصنع للكيان مخرجا آمنا وسريعا وترمي له بطوق النجاة لإنقاذه عمدا او سهوا بهذه الذريعة او تلك …وانا بإنتظار ما ستكتبونه على صفحاتكم في حال طبعت دولة عربية خامسة مع الكيان .وبإنتظار ما ستغردون به في حال ارتقت شهيدة ،مسلمة ،متدينة،محجبة هذه المرة برصاص نفس الكيان الذي اغتال شيرين المسيحية تقبل الله تعالى في عليين ..فهل ستترحمون على الشهيدة الجديدة ، ام انكم ستؤدلجون ذلكم النعي والتأبين ، وسنسمع منكم ما سبق ان قلتموه وكتبتموه بحق غزة والمدافعين عنها ومازلتم حين قصفها الكيان من اقصاها الى اقصاها قبل شهور؟!
ولهؤلاء جميعا اذكرهم بما قاله بعض العلماء الاجلاء ، بأن ” الترحم على الميت غير الدعاء له بالعفو والمفغرة ” ذاك أن العفو والاستغفار للميت هو الدعاء بتكقير الذنوب ومحوها وسترها ،اما الرحمة فهو طلب الاسترحام بتخفيف العقوبة وزيادة الحسنات ، فاذا كانت العقوبة مدى الحياة على سبيل المثال المقتبس من اروقة المحاكم في الدنيا ،فأنت تطلب استرحاما من هيئة المحكمة ( = تخفيفا) لتكون العقوبة 15 عاما على سبيل المثال بدلا من المؤبد او مدى الحياة ..فلاتخلطوا بين طلب العفو ( = المحو،تكفير الكبائر ،الحيلولة من دون العقاب الجسدي ، غفران الذنوب فيما بيننا وبين الله من تقصير وزلل وهو مطلع عليها وحده سبحانه ) ، وبين المغفرة ( =ستر الفضيحة ، مغفرة الصغائر ، الحيلولة من دون عذاب الروح ..مغفرة الذنوب التي بيننا وبين الناس فلاتفضحنا بينهم ) وبين طلب الرحمة وتعني الالتماس بزيادة الحسنات والصفح عن السيئات ولو لم يكن عنده من الحسنات الا القليل لتثقيل ميزانه مع افلاسه من الحسنات ولن ينجو احد من عذاب الله ، وينال ثوابه بعمله قط ، الا ان تناله رحمة الله تعالى
واعلم بأن امتناعك عن سؤال الرحمة لمظلوم، مع حث الناس للكف عن الترحم عليه، بل وتوبيخ المترحمين والطعن فيهم وهجائهم = فرح الظالم وسعادته الغامرة بما تقول وتفعل فليس ارجى للظالمين واسعد على قلوبهم من ان تقف حاجزا بينك وبين من يترحم على ضحاياه تباعا بهذه الذريعة او تلك ..واعلم بأن ترحمك لوحده وإن لم تنطق بعدها بكلمة واحدة = انك ضد الظلم والطغيان وضد الكيان ..والعكس صحيح تماما .اودعناكم اغاتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى