الحدث الجزائري

جرائم فرنسا المحتلّة في حقّ زمالة سيّدنا الأمير عبد القادر

ترجمة، وتلخيص، وتعليق معمر حبار

مقدمة القارىء المتتبّع:

RENSEIGNEMENT HISTORIQUE

SUR LA ZMALA D’ABD-EL-KADER, le duc d’aumale, paris, imprimerie lange lévy, contient 16 pages.

أقول: ذكر المجرم دوما كلّ مايتعلّق بسيّدنا الأمير عبد القادر، وعائلته، وقادته، ونسبهم، ووظيفتهم، ومكانتهم، ودورهم، وتاريخهم، وعدد الخيم لكلّ دوار بدقّة خارقة وعجيبة، وبأمانة وصدق.

المعلومات الدقيقة التي ذكرها المجرم دوما، كانت عقب سيطرة المجرم الفرنسي المحتلّ على الزمالة.

يتحدّث المجرم دومال عن علاقة الأمير عبد القادر بقادته في الماضي، والحاضر ويصف كلّ قائد بدقة متناهية.

اعتمد الأمير عبد القادر في تغلغل الزمالة في الصحراء على شخصيات ذات نفوذ، وعلى بعض الفقهاء من أصحاب النفوذ، ولولاهم مااستطاع الأمير عبد القادر أن يتقدم إلى الصحراء، ولا يقيم الزمالة بها.

يبدو أنّ فرنسا المجرمة، ودوما المجرم لم يكن على علم بوضع العائلة إلاّ بعد سيطرتهم على زمالة الأمير عبد القادر.

ذكرالمجرم دوما الزمالة: بالضّبط، وبالاسم، والمكان، وبدقّة عجيبة ومتناهية.

يصف المجرم دوما وعلى لسان الجزائريين اللّحظات الأخيرة للسطو، والقضاء على الزمالة.

العناوين الفرعية من وضع القارىء المتتبّع.

بعض ماجاء في تقرير الفرنسي دوما المجرم المحتلّ

التقرير هو جزء من عمل ضخم قام به الاحتلال الفرنسي المجرم.

جاءت فكرة الزمالة من طرف عدونا الذي لايعرف التعب لأهله، وعائلته، وأغراض العائلة وقادته، وأمواله ليحاربنا ويحارب سيطرتنا.

رأى الأمير بعينه كيف أنّ مؤسّساته تمّ تحطيمها، وحرقها من طرف جنودنا فلجأ إلى جعلها متنقلة ويسهل حملها لمحاربتنا من جديد.

أنشأ الزمالة ووضع لها رجالا أقوياء، وأوفياء لحمايتها ووضعها على حدود الصحراء.

تتكون الزمالة من دوار الأمير عبد القادر الذي يضم أمّه، وزوجته الأولى، والثّانية، وأبنائه، وبناته، والمقرّبين إليه من قادته، والخدم، والطباخ.

ودوار الأمير محاط بعدد من الدواوير ذات مهام والذي يتكوّن من عائلات مذكورة بالإسم، والوظيفة، والرتبة السّابقة والحالية.

ترتيب الدواوير المحيطة بالأمير عبد القادر، تتمّ حسب منزلة القائد من الأمير عبد القادر. فكلّما كان أقرب كان ذلك دليلا على أنّ له منزلة لدى الأمير بشجاعته، ووفائه، وعلمه، وتقواه، ونفوذه.

صعب جدّا أن يصل المرء إلى خيم الأمير عبد القادر لأنّها محاطة بكم من الدواوير التي تضم كمّا من الخيم، أي القادة والفرسان. ويصعب على الخائن الخروج من الزمالة لأنّها محاطة بالفرسان الشجعان.

قال الأمير الأمير عبد القادر: كلّ من يفرّ من الزمالة: لكم أملاكه، ولي رأسه.

كان للأمير عبد القادر نظام مضاد للجوسسة يصعب اختراقه، ولا يمكن لأحد من سكان الزمالة أن يفكّر في خيانته، واختراقه.

كان مابين 400 و 500 فارس يحيطون بالزمالة لحمايتها، ويتنقلون معها باستمرار، ودوما حيث حلّت وارتحلت. وكانت الزمالة مسلّحة تسليحا جيّدا، لكنّها سيّئة الطعام واللّباس وكانت لحماية دوار الأمير عبد القادر ودواوير قادته، وتقتات على السطو والسّلب.

الفرسان النظاميون نادرا مايظهرون، ويظلون مع القادة يمارسون الفروسية، ومهمتها هي تحريض القبائل على الثّورة ضدّ المحتلّ المغتصب.

سعى الأمير بكلّ الطرق لكسب زعماء مؤثّرين لينضموا إليه لمواجهة المحتل، ولثنيهم عن قبول سيطرة المحتلّ المجرم، وكان يخشى انضمامهم للمحتل. والقبائل والزعماء الذين كسبهم لصفّه كانوا أكثر من القبائل والزعماء الذين انضموا إلينا.

لكلّ دوار مهمّة يقوم بها، كـ: التكفّل بالأسرى والأسرى أقسام، والخزينة.

انعدام وجود أسماء أولاد سيدي علي أبو طالب باعتباره أخ للأمير عبد القادر، ولا يوجد أيّ أخ للأمير عبد القادر معه، ويقدّم في سبيل ذلك جملة من الأسباب.

إخوة أخ الأمير عبد القادر لجؤوا لأمير المغرب، وفضّلوا عدم محاربة فرنسا المجرمة، وإخوة الأمير عبد القادر ركنوا للسّلم واتّجهوا إلى القرب من تلمسان، مفضّلين الابتعاد عن ماتعيشه الجزائر من احتلال.

ممّا يؤسف له أنّنا لم نستغلّ هذا الوضع للزيادة في التقسيم بين الأمير عبد القادر، وعائلته، ومقرّبيه.

لايظهر الأمير إلاّ نادرا في الزمالة، وكان همّه كسب تأييد القبائل حتّى لاتخضع للمحتل، أو محاربة القبائل التي رضخت للمحتلّ، ويكفي أنّ الأمير عبد القادر وفي حدود عامين لم يحضر سوى شهرين بالزمالة.

في حالة غياب الأمير عبد القادر عن الزمالة، كان أخيه سيدي الحاج مصطفى بن تهمي هو الذي يخلفه، أو ثلاثة آخرين من مستشاريه. ولم يكن هؤلاء الأربعة ينافسون في الخلافة، ويكنون له كامل الطّاعة والولاء.

تحتوي الزمالة على سوق يسدّ احتياجاتها القليلة. وكلّ قبيلة تمتاز بما تملك، وتشتري ماينقصها. وبعض قبائل الصحراء ليس لها من عمل سوى شراء القمح من التل وإعادة بيعه في الزمالة بهامش ربح.

نظرا للظروف الصّعبة التي كانت تعيشها الزمالة، فإنّها تأثّرت بشكل كبير بتقلبات السّوق أكثر من تأثّرها بالمجاعة. وأثناء سيرها في الصحراء كان العجزة، والأطفال، والحوامل، والمرضى يموتون في الطّريق، وبشكل كبير، وكلّ من لايستطيع تحمّل العطش، وتحمّل الطريق الشاق حتّى قال السجناء: في كلّ رحلة نترك مقبرة.

لمساندة كلّ هذه النسمة والتعهد بمواصلة هذه التضحيات وجب استخدم كل الوسائل، ومنها: الهدايا، والكذب، والخداع، والرسائل الكاذبة، ولا نتراجع أمام أيّ عائق. وبعض قادة الأمير عبد القادر امتطوا هذه الطريق.

رغم مضايقاتنا، ومطارداتنا للأمير عبد القادر، ومضايقة ومطاردة مولاي عبد الرحمن أمير المغرب، ظلّ الأمير عبد القادر يقاوم ويخترق الصحراء، ومن معه ظلّوا أوفياء وهم يعلمون خطورة ماأقدموا عليه.

الآن وبعدما أن قضينا على الزمالة، ووقفنا على أسرارها ندرك جيّدا أنّ القبائل المعزولة ماكانت تستطيع أبدا رفض مرافقة الأمير عبد القادر في عمق الصحراء، وكانوا يتلقون الدعم من القبائل التي يمرون بطريقها.

لم تدم الزمالة غير عامين ولم تمتد كثيرا، وكانت ترى أنّها أقوى من القبائل الجبلية التي وصلت لحدودها وأنّها مجبرة أن تنضم للزمالة طوعا، أو كرها.

لانعرف بالضّبط عدد المسيرات التي خاضها الأمير عبد القادر، لكن نعرف بالضّبط عدد الأماكن التي استراح فيها الأمير عبد القادر لأجل الرعي، والماء.

كانت الزمالة تستقر، وتنتقل من المكان بسرعة وحسب مطاردتنا لها.

رأي القارىء المتتبّع:

أقول: ممّا وقفت عنده ولم يشر إليه صاحب التّقرير لا تصريحا، ولا تلميحا وهو:

السّطو، والنّهب، والسّرقة، والتّعدي على الأشخاص والأملاك صناعة الاستدمار الفرنسي، ووظيفة فرنسا المجرمة التي خلقت لها[1].

السطو، والاعتداء على زمالة سيّدنا الأمير عبد القادر لاتقلّ جرما، وبشاعة عن سطو فرنسا المجرمة المحتلّة على خزينة الجزائر في اليوم الأوّل من احتلالها للجزائر، والتي لم يحلم بها نابليون المجرم، ولا فرنسا المجرمة، ولا أوروبا يومها من عجائب، ونوادر، ونفائس ماتحتويه الخزينة.

ذكر المجرم صاحب التقرير بعض السّيئات لبعض قادة، وجنود الأمير عبد القادر لكنّه لم يصف الأمير عبد القادر بتلك الصفات، أو أقلّ منها لتأكّده أنّ الأمير عبد القادر عظيم لايمكنه بحال من الأحوال أن يمسّه شيء من تلك الصّفات التي لاتمسّ العظام، والكبار.

صاحب التّقرير صادق في الوصف، ويبدي حقده على الأمير عبد القادر علانية وبافتخار.

واضح جدّا أنّ فرنسا المجرمة انتصرت على الأمير عبد القادر بفضل المعلومات البالغة الدّقة التي كانت تملكها عنه.

صاحب التّقرير المجرم يعرف كلّ صغيرة، وكبيرة عن الأمير عبد القادر، وبدقّة متناهية، ومنها: زوجه، والأبناء، والإخوة، والأعمام، وعدد الجند، وعدد الخيام، والقادة، والطعام، والشراب، واللّباس، وأماكن السقي والرعي، والغنائم، والجنود التطوعين، والجنود النظاميين، وتنقلّ الزمالة، وتنقلّ الأمير عبد القادر، وأصحاب الثقة، ومهمّة كلّ قبيلة، ومهمّة كلّ شيخ قبيلة، واتّصالات الأمير عبد القادر بالفقها وشيوخ القبائل، وأصحاب النفوذ وغير ذلك.

افتخار فرنسا المحتلّة بالقضاء على الزمالة يعادل فرحتها باحتلال الجزائر:

يعترف المجرم صاحب التّقرير أنّه استعمل: الكذب، والرشوة، والرسائل الكاذبة، والجوسسة، وشراء ذمم بعض قادة الأمير عبد القادر للإطاحة بالأمير عبد القادر[2].

لاأشكّ لحظة أنّ استيلاء الاستدمار الفرنسي على زمالة الأمير عبد القادر تعادل من حيث الفرحة، والنصر، والنشوة، والافتخار فرحة فرنسا المجرمة، وافتخارها باحتلال الجزائر سنة 1830.

تحدّث المجرم بافتخار شديد عن خزينة الأمير عبد القادر التي استولى عليها، لكنّه لم يذكر محتوياتها. وهذا شأن كلّ لصّ، ومحتلّ، ومغتصب، ومعتدي.

من أجل استرجاع محتويات زمالة سيّدنا الأمير عبد القادر:

لو كنت ناصحا لطلبت من رئيس الجمهورية السّيّد عبد المجيد تبون الضغط على الماكرو ماكرون لاسترجاع محتويات خزينة سيّدنا الأمير عبد القادر التي كانت ضمن الزمالة، وكلّ ماسرقته فرنسا المحتلّة. وبما أنّي لست من أنصار زيارة الرئيس لفرنسا، ولا من المتحمّسين لها، أتمنى لو وضعت مقتنيات الزمالة، وخزينة الأمير عبد القادر ضمن شروط الزيارة.

عظمة سيّدنا الأمير عبد القادر الذي لم يكن يريد الاستسلام الذي فرض عليه:

للأمير عبد القادر مظاهر عظمة ك: كاتب، وشاعر، وفارس، ومعاهد، ووفي، وتسامح، وزاهد، ومحارب، وعالم، وفقيه. وأستغلّ الفرصة وأطلب من الشباب الجامعي، وأهل الاختصاص الاهتمام بعظمة الأمير عبد القادر وهو يدير شؤون الزمالة باحترافية عالية، وفي ظروف بالغة الصعوبة، ومحاط بحصار من العدو، وخيانة من المقرّبين، وتضاف بالتّالي إلى مظاهر عظمة الأمير عبد القادر.

الظروف القاسية التي عاشها الأمير عبد القادر في الزمالة التي أنشأها تدلّ بوضوح أنّه لم يكن يريد الاستسلام لولا أنّه فرض عليه. ولو كان يريد الاستسلام ماكلّف نفسه كلّ هذا الجهد، والعناء، والقتلى في صفوفه، والجوع، والعطش، والترحال، والمطاردة، وعدم الاستقرار، وانعدام الرّاحة. وهذا مظهر من مظاهر عظمة سيّدنا الأمير عبد القادر.

[1] PIERRE PEAN ” MAIN BASSE SUR ALGER, ENQUETE SUR UN PILLAGE , ALGER 1830″ ,CHIHAB EDITION, Alger ,Algerie ,2005, 288 Pages.

[2] علي تابليت: “خمس رحلات جزائرية إلى باريز، 1901.1852″، منشورات خمسينية جامعة الجزائر، 2012، من 138 صفحة.

الشلف – الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى