في الواجهة

تنظيم العمل و حقوق العمال .. افكار جديدة

رياض عبد الحميد الطائي
كاتب
ـ العمل كمفهوم انساني يقوم على فكرة استثمار طاقات الانسان الذهنية والبدنية في انتاج مادي او معنوي من اجل الديمومة والبقاء وتحسين وسائل العيش ، وكل انسان له طاقة عمل يستطيع بواسطتها ان ينتج ليستثمر عائد انتاجه في تحسين احواله وتحقيق امانيه وكذلك لازدهار وتقدم مجتمعه ، العمل واجب على كل انسان بالغ قادر مؤهل ذكرا كان أم أنثى ، وهو شرف للانسان وشرط أساسي من شروط تكامل قيمته الانسانية ، به يتحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي للانسان ، بالاضافة الى منفعته المادية للانسان و للمجتمع وللوطن
ـ اذا كنا نؤمن بان العمل قيمة للانسان وشرف له ، فهل ان كل عمل يمارسه الانسان مهما كانت طبيعته يحمل معاني الشرف ؟ هل ان كل عمل يمارسه الانسان يعتبر مستوفيا للشروط المطلوبة لمتطلبات القيمة الانسانية ؟ ما هي معايير العمل الذي يحظى بالقبول والمشروعية ؟ … نجيب على هذه التساؤلات فنقول بان معايير العمل الذي يحظى بالقبول والمشروعية هي :
1 ـ عدم تعارض نوع العمل مع قيم الحق
2 ـ عدم تعارض نوع العمل مع قيم الخير
3 ـ عدم تعارض نوع العمل مع قيم الجمال
اي بمعنى ان أي نوع العمل الذي يمارسه الانسان ليرتزق منه يجب ان لا ينطوي على اعتداء او اغتصاب لممتلكات الاخرين او الاضرار بها , ولا يؤدي الى اشاعة مفاهيم الشر والاذى المعنوي للاخرين , وان لا يؤدي الى انتاج منتوجات تتصف بالقبح والبشاعة والتشويه بكافة انواعه واشكاله ، وهذا يعكس طبيعة الربط بين مفهوم العمل وبين مفاهيم الحق والخير والجمال ليكون العمل بهذا الربط يعكس قيمته الانسانية المشرفة
ـ الاعمال التي يمارسها الناس لغرض الارتزاق منها تقع في ثلاثة انواع وهي ( اعمال انتاجية ، اعمال خدمية ، اعمال تجارية ) ، الاعمال الانتاجية هي الاعمال المختصة باستخراج وتحويل المواد الاولية او الخامات الطبيعية او الصناعية غير النافعة الى منتجات نافعة ، اي ان هدفها انتاج سلع نافعة لتلبية احتياجات المستهلكين ، العمل الانتاجي يقوم على ثلاثة ركائز وهي ( المنتجين + ادوات الانتاج + المواد الاولية او الخامات ) ، اما الاعمال الخدمية هي الاعمال التي تقوم على بذل مجهود بدني او ذهني من مقدم الخدمة لغرض تذليل صعوبة او رفع مشقة او تحسين حالة او نقل مادة او خزنها او توصيل فكرة يتحقق من جرائها منفعة لطالب الخدمة ، اي ان هدفها تحقيق خدمات نافعة لتلبية احتياجات طالبيها ، والمنفعة قد تكون منفعة صحية او غذائية او ثقافية او تعليمية او جمالية ، اما الاعمال التجارية فهي الاعمال التي تقوم على اساس مقايضة السلع بالسلع او بالمال ، او ما يطلق عليها اعمال البيع والشراء ، الجهد الاساسي المبذول هنا هو جهد ذهني بالدرجة الاساسية حيث يتضمن البحث عن افضل الاسعار للسلع المنتجة والمعروضة للمستهلكين ، التاجر هو الحلقة الوسيطة بين المنتج والمستهلك ، العمل التجاري يتميز بظاهرة المنافسة للحصول على افضل السلع من المنتج وافضل الاسعار من المستهلك ، وقد تكون افضل الاسعار في اماكن بعيدة مما يستلزم نقل السلعة اذا كانت من النوع القابل للنقل بوسائط النقل العديدة ، وبالتالي فان هدف الاعمال التجارية ايصال السلع الى مستهلكيها مقابل عوائد مادية مشجعة.
ـ العائد او المردود المادي للعمل ناجم عن عملية بيع المجهود البدني او الذهني الى الاخرين مقابل أجر أي مقابل المال ، المال هو الوسيلة الشائعة في مقايضة طاقة العمل ، الانسان هنا يشكل عنصر في دائرة مكونة من ثلاث عناصر مرتبطة مع بعضها ترابطا وثيقا في دائرة مغلقة ، العناصر الثلاثة هي الانسان ، طاقة العمل ، المال ، هذا يعني ان طاقة العمل والمال كلاهما من المستلزمات الاساسية لحياة الانسان ، كما ان كل من القوى العاملة والثروة هي اساس نهضة الشعوب واساس ازدهارها ، وحتى يتحقق الاستثمار الامثل لطاقات العمل يجب الاهتمام المكثف باستثمار ثروات البلد في اقامة مشاريع متنوعة بما يؤدي الى امتصاص كل طاقات العمل في المجتمع ، وفي حالة الضعف في اقتصاديات البلد فانه يتوجب فتح المجال للاستثمارالاجنبي من اجل تشغيل طاقات العمل العاطلة
ـ يقع ضمن مسؤولية الدولة تنمية القوى العاملة لديها من خلال توفير فرصة عمل لكل مواطن بالغ ذكرا كان أم أنثى ، واقامة الدورات التأهيلية لاعداد وتوجيه وتطوير طاقات العمل بالاتجاه السليم بما يحقق الاستفادة من الطاقات العاطلة ، ويتوجب على الدولة اعداد احصائيات سنوية عن واقع القوى العاملة وحالة البطالة ، واحتياجات المجتمع من المهن والوظائف ، ووضع خطط فعالة لمعالجة حالات البطالة ، ويجدر بنا هنا ان نشير الى ان ادارة شؤون المنزل هي من متطلبات الحياة الاسرية وليست مهنة للارتزاق منها ، ومن هنا فان كل امرأة متزوجة تحمل صفة ( ربة بيت ) تعتبر عاطلة عن العمل ويتوجب على الدولة معالجة هذه المشكلة باعتبارها نوع من البطالة ، ويتوجب على الدولة وبحكم مسؤوليتها صرف رواتب للعاطلين عن العمل اذا لم تستطع ان توجد لهم العمل ، مع ضرورة الاهتمام بتنمية وتطوير قدرات هؤلاء العاطلين وادخالهم في دورات مهنية تأهيلية او تطويرية بما يمكنهم من الحصول على فرص عمل
ـ حتى تتمكن الدولة من الايفاء بالتزاماتها ومسؤولياتها تجاه المجتمع والمواطن فانه يتوجب على كل مواطن يمارس عملا يدر عليه موردا ماليا مهما كان مقدار المورد ان يدفع نسبة من هذا المورد كضريبة الى الدولة من خلال ( صندوق حق الوطن ) ، استنادا الى مبدأ ان الضريبة هي رسم الانتماء الى الوطن ، وكل مواطن له حقوق وعليه واجبات كما ان الدولة لها حقوق وعليها واجبات ، وان الضريبة هي احدى وسائل الدولة في انجاز واجباتها تجاه مواطنيها ، ويتم تقدير نسبة الضريبة وفقا لقواعد يتم تحديدها من قبل لجنة اقتصادية متخصصة تراعي المستوى المعيشي للمواطن دافع الضريبة
ـ الهدف الاول للسياسة الاقتصادية للدولة يجب ان يكون تحقيق قدرة شرائية لمواطنيها تمكنهم من الاكتفاء في حاجاتهم الاساسية من الغذاء والملبس والعلاج والتعليم ، وان مستوى القدرة الشرائية يتوقف على مستوى كل من الاجور والاسعار ، عندما تعجز الاجور عن سداد تكاليف الاحتياجات يحصل عجز في القدرة الشرائية ، ونحن نعتقد ان من واجب الدولة ان تراقب حركة الاسعار وتقيّم الاجور وفقا لحركة الاسعار ، وحتى يكون هناك استقرار في المجتمع يجب ان تكون الاجور متناسبة مع مستويات الاسعار ، ويجب ان يكون هناك حد ادنى للاجور يتم تحديد مقداره من قبل جهة اقتصادية مختصة بما يمكن الانسان من العيش باكتفاء وبقدرة شرائية معتدلة ، وفي المقابل يتوجب على المواطن الالتزام بترشيد الاستهلاك والابتعاد عن التبذير والاسراف
ـ نعتقد انه من المناسب ان يتم تحديد مقدار الحد الادنى من الاجر وفقا لمعادلة خاصة تربط الاجور بالاسعار وهذا الحد الادنى يسري على القطاعين العام والخاص ، ونحن نعلم مقدار صعوبة تحقيق معادلة ترضي المنتجين وترضي المستهلكين في آن واحد لان المنتجين يريدون أجورا أعلى والمستهلكين يريدون أسعارا أوطأ وان سعر أي سلعة مرتبط بتكاليف انتاجها ومن ضمنها أجور منتجيها ، ولكننا نعتقد يمكن وضع معادلة تحدد مقدار الحد الادنى للاجر استنادا الى سعر الوحدة للمادة الاقتصادية الاكثر انتاجا في البلد والتي يعتمد عليها اقتصاد البلد مثل النفط او الذهب او الحديد او النحاس او محاصيل زراعية كالقمح او القطن … الخ ، ويتم تقييم الاجور وفقا لهذه المعادلة بشكل سنوي
ـ في ما يتعلق باسعار السلع فان القيمة الحقيقية لأي منتوج تحدده قيمة مواده الاولية مضافا اليها قيمة جهد العامل المنتج ، هذه هي القيمة الحقيقية او قيمة التكلفة ثم يضاف اليها هامش فائدة ربحية بما قيمته 10% من قيمة التكلفة ، ويفترض ان لا تزيد الفائدة الربحية بأي حال من الاحوال عن ربع القيمة الحقيقية للسلعة لكي تتحول الى القيمة الاستهلاكية ، اي ان مجال المناورة بالاسعار في الاعمال التجارية يجب ان لا يتجاوز ربع القيمة الحقيقية للسلعة ، وعندما يزيد هامش الفائدة الربحية عن ربع القيمة الحقيقية تتحول قيمة السلعة الى قيمة استغلالية ، وخاصة عندما يتم تداول السلعة التي عليها طلب شديد بين عدة وسطاء يتاجرون بها مما يرفع من قيمتها الاستهلاكية أضعافا عديدة عن قيمة التكلفة وهذه اشد حالات الاستغلال وابشعها ، ويجب مكافحة الاستغلال بشتى صوره لانه احتيال وسرقة واعتداء ، هذا ويجب الاخذ بنظر الاعتبار ان أسعار السلع الاساسية لغذاء الانسان يجب ان لا تصبح هدفا للمناورات اوالمزايدات اوالمضاربات التجارية ، بل يجب تحديد هامش الربح فيها بما لا يزيد عن عشرة في المئة حرصا على سلامة واستقرار الاحوال المعيشية للمواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى