ثقافة

تفكيك مرجعية إخفاقات العقل العربي

شهرزاد حمدي
هنا وفي قلب الآن، يعيش العقل العربي أزمة معرفية خانقة، نتيجة إنزلاقات وقع فيها وعجز عن النهوض والإنطلاقة في البناء الصحيح، فهو في تراجع يومي ويقترب أكثر فأكثر من دائرة الخطر الحضاري. ومن الرهيب فكريا أن أزمات هذا العقل لم تنحصر في مجال معين وإنما طالت جميع المجالات والحقول، خاصة تلك الحسّاسة منها والتي تمثّل رهانا بالنسبة للدول المتطلّعة للرقي، أي المجالات الفلسفية الحيوية حيث لانجد ولا إسهام عربي أصيل يُحتفى به في مثل هكذا مقامات التي تستلزم إستثارة الإبداع وتحيين قدرات العقل كأهم آلية للخوض فيها، إلا القلّة من العقول التي تعاني الحجب والجحود. وتختلف الأسباب وتتنوّع المبرّرات في تبرير عزوف العقل العربي عن التفكّر وفشله في اللحاق بالركب الحضاري الغربي المتقدّم، الذي لم يحصل له ذلك إلا لما كسر قيود التفكير وحرّر مكامن التجديد.
والملاحظ على مسوّغات العقلية العربية بشكل عام لانهزاماتها الفكرية، أنها مسوّغات ضعيفة الإقناع إذا ماارتبطت بالمنهج التفكيكي، فهي لاتفتح أبوابا كانت موصدة على العقل العربي وإنما على العكس من ذلك، تساهم أكثر في تضليله بايهامه بسبب على أنه حقيقة وماهو إلا بزيف.
وعليه، فإن الإشكال الجوهري الذي يفرض نفسه بقوة في خضم الحديث عن مثل هكذا معطيات، هو: عن طريق التعرية والكشف عن الحقيقة، ماطبيعة العقلية العربية؟ والأهم، ماهو السبب الحاسم في تخلّف العقل العربي عن منابر الإبداع والتعقّل؟
1- الإيمان بالتكفير والإلحاد بالتفكير
قياسا على عنوان مصدر المفكر المصري نصر حامد أبو زيد:” التفكير في زمن التكفير”، فإن حال واقعنا اليوم لأدلّ على هذا النهج من الممارسات القمعية، حيث تجد من يمتلكون السلطة وعلى اختلافها، يتحجّجون بالانفتاح على شخصية الآخر والاعتراف بفكره وذلك لكي يضفوا لمسة جمالية على لوحاتهم الإستبدادية.
تأكّد أنك كلّما نطقت بصوت العقل وتحدثت بكلمات الفكر وأنصت لوصايا الذهن فإن اتهامات التكفير والهرطقة ستطالك، والخروج عن حديّ الشرع والوضع سيكون حتما حكما تعسّفيا لك، أنظر جيدا كيف تم قمع التفكير على مدى عصور متلاحقة من أعداء الإنسانية والمعرفة (إبن حنبل – إبن رشد – صادق جلال العظم – محمد أركون – نصر حامد أبو زيد…) بصرف النظر عن حقيقة نوايا مشاريعهم، بحيث تمتهن السلطة الفكرية العربية حمل شعارات رنانة موزّعة على نقاط تدعو إلى الإيمان بالإختلاف والتصدّي للخلاف، تشجيع المبادرات، تثمين التغيير وتعزيز القدرات، ولكن كل هذا إستراتيجيات ماكرة، فهم ليسوا أوفياء لشعاراتهم وإنما أوفياء لتمويهاتهم وكما قال ميشيل فوكو: “السلطة بدون أقنعة لا تُطاق”.
فالعقلية العربية وللآسف هي عقلية إقصائية، إمبريالية للفكر ودكتاتورية للرأي وقمعية للكفاءات، تسعى إلى طمس شذرات الإبداع حتى لاتلتحم وتتلاقح، فتصبح منظومة متكاملة، لايمكن لأيّ مستبد من التعدّي على قانونها العادل، وهو قانون التفكير. ثم إن هذه الذهنية التدميرية التي لاتؤمن بالفكر النقدي التنويري، خوفا على مصالحها فالأضمن لها أن تعمل على تنميط وضعية من دعائمها الإستقرار والإستمرارية وتزييف الوضع ومحاولة تدجين الخارجون عن نظام الهيمنة وتطويق انتفاضاتهم وارفاقهم بمجموعة أولئك الخاضعون لرقابة التحريم والتقديس. وتحدث أن تحصل مثل هذه الممارسات لأن العالم البشري جيّاش بالإنجازات والإبداعات التي تشكّل خطرا على النظام القائم، فالحركة الإنسانية هي حركة مولّدة لاتثبت عند حالة معينة بل تهدف باستمرار لتغييرها خدمة للإنسان، وإن كنا نلحظ في الآونة الآخيرة أنها خدمة إنتصرت للبعد المادي فقط، بيد أن هذه الطبيعة الإنسانية الرائعة بتطلّعاتها التجديدية تتعرّض إلى كبح جماح وإلى تصدٍ قاسٍ في بيئة عربية لا تهتم إن تشوّهت جمالية أفكارنا وتعرّضت للتشظي المؤلم. فنوازع الأنانية والتسلّط والرؤية الشخصية النفعية الخالصة تسيّج هذه البيئة، وتمارس نقدا راديكاليا جذريا قطعيا لهذه التفكّرات والمفاتحات التحرّرية حتى قبل أن تتعرّف على خطوطها العريضة من مبادئ ومناهج وأهداف. متى تسمع بانبثاق فكرة جديدة أو بزوغ طموح معين، لم يصل بعد إلى مرحلة التقرير، فإنها تسارع إلى إخماده وتوهينه بالسؤال النقدي الجارح والهدّام التشريحي والتفكيكي دون التركيبي، لأن جاك دريدا والذي رمى إلى إحلال حركة لانهائية من الدلالات على الأقل آمن بمبدأ الإختلاف وإن كان بخلفية اليهودي الضائع، الموجود هناك وليس هنا….!، مما يؤدي إلى موت الأفكار في فترة المخاض رغم أن صاحبها عانى كثيرا من ألمه، جاعلا من فترة الولادة الطبيعية لا القيسرية أملا له وعزيمة للمُضي قدما وتحمّل ضربات جنين الفكرة.
للتنويه المستعّجل، نحن هنا لسنا بصدد الدعوة إلى ضدّية النقد والشك، فالسّمة الإنسانية لاتكتمل معالمها ولن تكتمل إلا بممارسة الأشكلة النقدية، للدلالة على ديناميكية فكرها في مقابل ستاتيكا القبول والتسليم المبتذل، كما أننا لسنا بعدو للفكر العربي بل بالعكس إنما نهدف من رؤيتنا أن نساهم في التعرّف على العلّة من أجل النهوض وولوج عالم التحضّر. لكن إن تتحوّل هذه الأشكلة إلى شفرة حادة تقطع الفكرة من جذورها، فهنا العطب الذي أفضى بكوارث معرفية أرّقت العقل العربي في متاهات الإزاحة والإقصاء. ومما يجب حصوله لكي يكون الموقف النقدي جريئ وبريئ، بنّاء ومؤسّس، أن نقوم في البداية بالتعرّف على الفكرة وجوهرها، قبل الإنتقال إلى إخضاها لقانون المؤاخذة، لأن الراديكالية المفرطة عمياء البصيرة في ولاء رهيب للنقد الوحشي. هذه الأدبيات الموجودة في فن التعامل مع المشاريع الفكرية، غائبة عن تسليمات العقلية العربية التي تجعل من التهميش بديهة ومن الإحتواء شذوذ، مما يجعل العقل العربي يعاني النكوص، فغاب عن المحافل الفكرية الكبرى وعن المواعيد الفلسفية الراقية، فلم نكد نعثر على إسهام عربي أصيل في فرع فلسفي ولو على سبيل المحاولة، بل ذهبت جلّ الكتابات إلى إعادة شرح وتفسير تراث الآخر أو كتابات السلف، بمنهج كرونولوجي سردي لم تتخلّله اللمسات النقدية والجماليات الفكرية التي لاتؤمن بمنطق المحاباة وإنما قانون النقد فوق الجميع، ولهذا نجد الكثير ممن يعترض على وسم الكتابات العربية بأنها فلسفية وإنما يقفون عند الإصطلاح عليها بأنها نمط معين من الفكر لا أكثر. مثل هكذا حُكم يثير حفيظة القلِق على المكانة الفكرية للعقل العربي، فاليوم وللآسف لم نعد نشكّل خطرا معرفيا، بل أصبحنا بلغة فيلسوف العلم غاستون باشلار عائق إبستمولوجي، من الضرورة تجاوزه حتى ندرك المعرفة الأصيلة.
2- فلسفة الدين والكشف عن غياب العقلنة
بالعودة إلى المزالق التي وقع فيها العقل العربي، نتيجة عزوفه عن الخوض في مجالات حيوية بأعين التعقّل والتجديد، كانت الضمان للنهوض به على شاكلة العقل الغربي الذي راهن عليها وآمن في قدراته، فكان رهانه ضربة قاضية لغيره وناجحة له. ومن بين هاته المجالات النشِطة، المنتصرة منذ البداية للعقل والنقد، نجد مجال أو مبحث فلسفة الدينPHILOSOPHY OF RELIGION ، “وهي نوع من الفلسفة تعتمد العقل في بحث وتحليل المقدسات والمعتقدات والظواهر الدينية وتفسيرها… وبكلمة موجزة، فلسفة الدين هي التفكير الفلسفي في كل مايتصل بالدين شرحا وتفسيرا وبيانا وتحليلا، من دون أن تتكفّل التسويغ أو التبرير أو الدفاع أو التبشير”(1)، أي أنها المُساءلة العقلانية لكل مايتصل بالدين، ثم إن مايؤكّد عراقة فلسفة الدين في الفلسفة الغربية، هو أن تأسيسها بالمعنى العقلي لها إنما ارتبط بالمحاولة الجادة للفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، لأنه أول من قدّم صياغة فلسفية معمّقة حولها بمنهج عقلي، حيث زحزح الإشكاليات المطروحة في حقلها من دائرة اللاهوت إلى دائرة العقل والنقد. ومن جملة المميّزات التي تتمتّع بها فلسفة الدين هي أنها ليست دفاعية ترمي إلى إضفاء المشروعية على دين معيّن، كما ينحو اللاهوتي أو المتكلّم، بل هي دراسة نقدية إبستيمية لكل مايختصّ بالدين، دون أن تتكفّل مهمة التزكية لأي دين، فهي تبدئ من نقطة موضوعية وتواصل المسار متحرّرة من تبعات الأطر الدينية وماتفرضه من وجوب إتّباع دين بذاته والموالاة له. بهذه الكيفية تفتح آفاق البحث أمام العقل الإنساني حول قضايا تتعلّق بالدين، ومادام شغف الفيلسوف لقراءة تاريخه الروحي قراءة نقدية لايتوقّف، فإن فلسفة الدين تتيح له ذلك وتضعه في قلب أنطولوجيا الكون ببعده الديني الأصيل. هاته الخدمة الفكرية التي تقدّمها لفيلسوفها حُرم منها العقل العربي، بفعل مناهج التكبيل وطرائق التسييج. وحتى لا أقول أن المكتبة العربية تُعاني عدما فيم يخص الإسهامات الرصينة والأصيلة التي تناولت بالبحث قضايا فلسفة الدين، فإنها على الأقل لاترقى إلى مستوى كتابات الفلسفة الغربية، التي كسرت حواجز التعقّل وموانع الفهم، وبطبيعة الحال فهذا راجع إلى كون المصدر الأساسي لتشريعاتهم(الكتاب المقدس) لم يعد كذلك بسبب تحويرات وتعديلات القلم البشري، فالمفكرون العرب حاولوا الخوض في مسائل فلسفة الدين، لكنها لاتعدو أن تكون تدوينا يفتقر إلى آلية النقد والتعقّل، كما ذهبت بعض الكتابات مذهب الدفاع ومنذ البداية وهذا مايتنافى وروح فلسفة الدين وبتحفّظ أشير إلى بعض الإسهامات المسجّلة في بحوث المفكر الهندي محمد إقبال في كتابه الموسوم ب: “تجديد الفكر الديني في الإسلام”، والمفكر السوري صادق جلال العظم، الذي أثار ضجة واسعة في مصدره: “نقد الفكر الديني”، لتبقى كتابات المفكر الجزائري محمد أركون أكثر عمقا وأشد وقعا في تجييش المطارحات والسجالات والتجاذبات حول نيتها الأولى. إجتهادات فكرية لمسّنا من خلالها حضور دعامة النقد والتعقّل، لكنها محاولات يتيمة لم تلقى الدعم والتشجيع ولم تعزّز بمحاولات أخرى صحّحت أخطاءها وتداركت عثراتها والأهم ثمّنت نجاحاتها، وإنما بقيت حبيسة حيّز التنظير ولم تطل العقل العربي ولم تضمن مكانة مع بقية تصوّراته.
3- في المحاكمة النقدية لأطروحة صدام العقل والنقل
إن من أكثر الأمور التي تساهم في تأزيم وضعية العقل العربي اليوم، هي مسألة تقديم أسباب التراجع والأفول، بحيث توهمه وتجعله يتصوّر نقيض ماهو واقعي إلى ماهو سريالي، فالواقع العربي مصطنع ولكنه حقيقي، مفارقة عجيبة غير أنها هي مايحدث فعلا، فالعقلية الحاكمة هي من جعلته كذلك، ذلك أن التبرير والحجة التي تسوّغ بها إقرارت غياب العقل العربي عن مقامات فلسفة الدين، هي مصطنعة زائفة غير أنه ومتى كُتب لها الرواج والذيوع فإنها أصبحت حقيقة!، يتحجّجون بفشلهم عن تحرير كتابات وفية للعقل ومبادئه، وبنفورهم من البحث والتحليل والنقد لمواضيع فلسفة الدين، بأن قضية إتهام الفلسفة بالزندقة والإلحاد مازالت تُلقي بظِلالها لحد الساعة!! أيّ عقل يقِظ سيقبل مثل هكذا تبرير. أنا أقولها وبكل جرأة ليس هذا هو السبب الحقيقي أبدا وراء افتقار المكتبة العربية لإسهامات جدية وحصيفة فيم يخص مجال فلسفة الدين، فالقضية أعمق من ذلك بكثير وأخطر بمئات المرات، لأن إشكال وصف الفلسفة بأنها مدعاة للتكفير لم يعد أحد يصدق دعواه، حتى يطلق عليه إشكال من الأصل، فاليوم لم تعد القضية المطروحة هي قضية صراع بين الفلسفة والدين، وإنما على النقيض، تم الإيمان بشرعية العلاقة القائمة بينهما. بالإضافة إلى أن إشكالية العقل والنقل ومارافقها من جدالات كثيرة تم التخفيف من حدّتها والتهوين من وقعها مع جهود الغزالي وإبن رشد كما هو محفوظ في سجلاّت تاريخ الفلسفة فبات طرح مثل هكذا إشكال على أنه سبب وجيه والتهويل من مآلاته من المراوغات الذرائعية، التي تهدف إلى إيهام عقل عربي خامد بأن عجزه إنما يرتد إلى قضية تدافع الفلسفة والدين وماتطرحه من مشكلات فرعية، بالتالي تم تحريم العقل العربي من فرصة استنطاق دلالات النص الديني الخفية كما يدعو الدين نفسه، ومُنِع من التأويل الباطني للمعنى الظاهري، فتم تكريس عقلية السطحي والقبول، بدعوى التكفير لمن يتجرأ على ممارسة التفكير. ولهذا فإن التذرّع بالأطر الدينية ورفضها للعقل العربي بأن يُخضع نصوصها لمحك النظر والصدام بين الفلسفة والدين وماتبعث به من خوف على حدود المقدس، ماهي إلا تسويغات كاذبة، قضى زمن التفكير ولوغوس النقد ومتطلّبات العيش المتحضّر على مصداقيتها الهشّة. إذن نصل بعقلنا إلى البحث عن سبب أكثر قناعة وأشد فعالية وأحق بالإتّهام في أنه المسؤول عن انعطاف العقل العربي نحو التخلّف والانغلاق، نحو التنميط…نحو الغياب.
4- من الحُجب إلى اللاحُجب وتعرية المستور
فيم يتمثّل العامل المحوري في تكلّس التقليد والنمطية على طبقات العقل العربي؟ إنه التحالف والتكتّل بين السياسي ورجل الدين، فالإستبداد له أشكال متنوّعة، إذ تتعدّد صوره وطرق تبليغ مقصده، ولنا في اتفاق السياسة مع الدين حول إبطال مفعول العقل، لسبب مركزي في نتيجة خواء الساحة العربية من كتابات فلسفية راقية ومن أبرزها كتابات فلسفة الدين. فمن مصلحة السياسي وهي نفس مصلحة رجل الدين أن يتم إسكات صوت العقل لكي يضمنوا بقاء مصالحهم، ولكي يؤسّسوا لقاعدة متينة نحو بناء مخططاتهم التدميرية للمشاريع النهضوية التي يُبدعها العقل الواعي، فهو خطر كبير على حياة المنفعة لهؤلاء القامعون، حيث ترفض العقول المتشبّعة بقيم التحرّر كل تنميط لحياتها ورتابة لوجودها ومصادرة لحقها في السؤال وإفشال لمسعى نهوضها، إذ تجدها ثائرة، تعارض كل أشكال التقييد الفكري. ولهذا الغرض يرمي السياسي ورجل الدين، المغلّف بالمصالح أن يُخرِس ضمير النقد لدى الشعوب وأن يوهمهم بأن قضية تخلّفهم إنما ترجع إلى تضارب العلاقة بين الفلسفة والدين، وأن التفلسف قد يُسقط حصانة التقديس لمصادر التشريع. لكن قد سئمنا من تشخيص الواقع العربي واقتراح حلول تبقى طوباوية مالم تنخرط في عالم الفعل، ثم إن عبارة: “ماينبغي أن يكون” من العبارات المُغرية للعقل الإستشرافي، لم تساهم في إنزال العقل العربي من محافل التدبير والتخطيط إلى معترك التنفيذ والمعايشة الموضوعية، بل تحالفت مع النظر اليتيم، الذي يحتاج إلى حيوية ماهو كائن. والأمر المٌتعب فكريا هو أن فحص حال الحياة العربية والمداومة على طرح الأسباب والحلول نفسها دون تفعيل، إنما يغدو ترف فكري لاغير ويُلقي تدريجيا بالتشاؤم من استحالة حصول التغيير. بيد أنه وبما أن القلم العربي يرفض الإستسلام ويصرّ على الكتابة من أجل الإقدام على خرق الطابوهات، فإنه وبدون تفاؤل ساذج أو رؤية فوقية، ستعمل الذات العربية على تنصيب خلية التحرّر ومن ثم الإبداع، لأنها سئمت من عزلة أنطولوجية فرضها وجود بشري ظالم لايعترف سوى بالمنفعة الشخصية كوسيلة وغاية، ولايقبل أن يعيش مع ذوات أخرى، بدعوى أن هذا العالم خُلق له، لتسكنه ذاته وفقط، أما بقية الذوات فلها الهامش أو مادونه. لهذا الأمر ستنهض الذات وتطالب بحقها في العيش في قلب الكون، ولن يبقى العقل العربي محاصرا، مقيّدا في دائرة التخلّف والرجعية، وإنما سيعمل على الخوض في مجال حيوي كفلسفة الدين وذلك بعقلنة الدين.
5- النهوض وسؤال إمكانية تغيير الأدوار
قد تدفعنا الحماسة إلى التفكير فيم يقع وراء المُمكنات والمحتملات، بل ستدفعنا إلى تجاوزها، غير أنه ومن أجل عدم الوقوع في ذلك وفي شراك اللاحسبان، فإننا نحتسب ونتوقّع ماهو خارج دائرة التوقّع، بغرض عدم تكرار الحاضر والتحوّل من مفعول به إلى فاعل، بحيث تتغيّر الأدوار وتبقى الروح القمعية حاضرة، وعليه: هل ستتحوّل الذات المقهورة إلى ذات قاهرة وتمنع حق المُساءلة والنقد وتكتب سيناريو جديد لتخلّف فكري للعقل العربي؟ أم أن الذي عانى القهر يوما لن يسمح للتاريخ بإعادته وسيكون حاكما عادلا وسيمنح حق الغير في التعبير عن آناه؟
شهرزاد حمدي من الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى