ثقافةمجتمع

تزوير الشهادات الجامعية و الألقاب الأكاديمية

إذا أردت أن تُدمر مجتمع بأكمله فما عليك إلا هدم الأسرة، وخاصة الأُم، وتدمير، وهدم التعليم واسقاط، واهمال القدوات العلمية الجليلة؛ وتعيين الجاهل الخسيس في مكان العالم الجليل!. وكأننا نعيش اليوم في آخر الزمان؛ فتُبصِّر كل ما سبق من هدم الأسرة، وهدم التعليم، وهدم القامات الثقافية، والعلمية القدوة، وظهور الرويبضة التافه السفيه يتكلم في أمر عامة الناس!. يجب دّقْ ناقوس الخطر بسبب انتشار شرارة الشر المتطاير من انتشار الشهادات العلمية المزورة غير المعتمدة من وزارة التربية والتعليم العالي في الدول العربية ونُلاحظ تزايُد في المسميات الوهمية الهُلامِية، ومنح بعض الشهادات العليا من: الماجستير، والدكتوراه تحت مُسميات تارة علمية، أو فخرية أو دكتوراه مهنية صار الحصول عليها سهلًا، ورخيص ماليًا مثل أَكْلِّة المهَلَبِّيَة!. توشك أن تصبح ظاهرة، واضحة في المجتمع العربي، ومعلوم بأن: “فاقد الشيء لا يُعطيه” فكيف في شخص لا يحمل هو أصلاً شهادة الدكتوراه العلمية المعترف بها من وزارة التربية، والتعليم العالي أن يقوم في منح غيره شهادة الدكتوراه تحت مسميات مراكز ثقافية أو اتحادات أو صالونات أدبية، أو ثقافية، أو أكاديمية غير معترف بها رسميًا من الجهات الرسمية الحكومية ؟!. فلا يمكن إغفال تنامي تلك الظاهرة السيئة، وبالتالي لابد من فهم السياقات السوسيولوجية (الاجتماعية)، والسيكولوجية (النفسية) المؤثرة فيها، “والتي تدفع بالأفراد تجاه هذا الفعل في سياق المجتمع؛ وإن تفشي هذه الظاهرة ما هي إلا نتيجة لاضطراب عام في المجتمع، أو ما يعرف في علم الاجتماع بظاهرة (فقدان المعايير)، وهذه الحالة تنشأ حينما تبدأ بعض أفراد تلك المجتمعات تعاني من بعض الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، والصحية المؤثرة فيها. لقد أصبح بعض العرب، والمسلمين ممن يحُبون المُسَميَات يعيشون تجليات الأحلام، والأوهام ويسعُونَ للحصول بأي ثمن أو وسيلة على الشهادات العليا: “الماجستير، والدكتوراه” سواء مهنية، أو فخرية، قد تباع، وتشتري!؛ حيث صرنا نُشاهِد المزيد من الشهادات العُليا الورقية التي لا تساوي ثمن الحبر الذي كُتبت بهِ!؛ والمسميات الكاذبة سواء دكتوراه مهنية، أو شهادات بِمُسميات كرتونية فهذا يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي المستشار الفُلاني، وهو بالكاد يعرف الكتابة والقراءة!؛ وذلك يكتب سفير السلام، والحب، والانسانية والطفولة الخ..؛ وحالهُ كمن يكذب الكذبة، ويصدقها فيقول لقد حصلت علي شهادة بهذا اللقب من أكاديمية كذا، وكذا من بريطانيا، أو من أوروبا أو أمريكيا الخ..!؛ على الرغم من أنهُ في الحقيقة لا يحمل بعضهم حتى شهادة الثانوية العامة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما تكلم في الحديث الصحيح عن الرويبضة في آخر الزمان؛؛ وكأننا نحيا في خضم بحرٍ لُجيِ هادر غادر يغشاهُ موج هادر،، هائج، ظلمات بعضها فوق بعض في ظل غياب الرقابة، والقانون والمحاسبة، وتحمل المسؤولية؛ وقد ينتج عن ذلك السقوط الاخلاقي، والقيمي في المجتمع، وغياب الفضيلة، وضياع الأوطان؛ فإن الذي يتألم في هذا الزمان هو المُعلم الذي تعلم، ويَعَلم، ويُعَلِم من يريد أن يَتعَلم، فَهو العالم المُعلم؛ الذي بالحق يتكلم، فيؤلم، ويُقلِم من لا يفهم!؛ والشهادات الوهمية يُلملم، فلا يتعلم، ولا يَعَلم، ولا يُعلم. إن للشهادات، والمؤهلات العلمية الرسمية المعترف بها، والمصدقة، والمعتمدة من وزارات التعليم العالي في العالم العربي الدور البارز، والوسيلة الفعّالة السبّاقة في الوصول إلى أسرع النتائج وتحقيق الأهداف لنيل أرفع الدرجات، وتقلد أرقى المناصب؛ ولكننا نجد اليوم انقسام في الضمير الإنساني العربي والتوجه الأخلاقي إلى قسمين: قسم الباحثون عن العلم، والمجد الحقيقي، ونيل الشرف العلمي بالجد، والاجتهاد، والصبر، وتحدي الصعاب بالعطاء الذي لا يعرف كللاً، ولا مللاً. وقسم آخر من الباحثون عن الوجاهة، والمجد الهزلي زوراً، وبهتاناً؛ ممن أغرتُهم الدنيا، والمناصب، والمال فَرسم بداخلهم صورة بأن كل شيء يمكن أن يُشترى بالمال، مرتكبي في طريقهم أبشع جرائم الإنسانية بحق أسمى الغايات، وأنبل المطالب، بحق العلم، وأخلاق طلابه وأمجاد علمائه، وإنجازاتهم السامية؛ ولقد أوضح بعض العلُماء عن خطر تزوير الشهادات والمسميات قائلين: ” إننا أمام قضية حقيقية أخلاقية تمس القيم الإنسانية بالمقام الأول، وفي الوجه المقابل لها قضية أخرى مؤسساتية لابد، وأن يكون لها القوة، والقدرة على السيطرة والتحكم بالكم الهائل من الشهادات سواءً كانت الوهمية المزورة أو الحقيقة، وتبيان حقيقة تلك الشهادات، وعليه فإن أحد أبرز أسباب، وجود الشهادات المزورة، والوهمية، وتغلغلها داخل أي مجتمع بمختلف تكويناته وقطاعاته المؤسساتية هو ، وجود بعض الثغرات بالمؤسسات العلمية المعنية بشأن معادلة، وتصديق المؤهلات العلمية، والتي اُستغلت من قبل هؤلاء الأشخاص للوصول بأمان إلى مراكزهم الوظيفية المرموقة، و ممارستهم لأعمالهم، وفشلهم في آن واحد”.

أما السبب الآخر فهو نفسيٌ بحت، فالشخص الذي تسول له نفسه الإقدام لمثل هذه الأفعال وإضفاء الصفة الشرعية، والطبيعية لها من أجل الوصول لمنصب معين أو البحث عن الوجاهة بالمجتمع أو أي هدف دُنيوي زائف، هو شخص يحتاج لجلسات مكثفة من العلاج النفسي لتعديل السلوك، وعدم الانحراف الفكري، ولابد له من الردع القوي قانونياً قبل أن يفسد ما أصلحه العلم، ويهدر ما لا يمكن أن يعود من موارد بشرية، وطبيعية بكل ما تحويه من مكنونات. إن تزوير الشهادات، وانتحال المُسميات في عالمنا العربي آفة تعاني مُنتشرة في الدول العربية ولذلك يجب كبح جماح المنتحلين، وذلك من خلال تعاون بين كل الدول العربية، والإسلامية لكشف المُزورين، وتذليل الصعاب، ومنح المزيد من الفعالية للمؤسسات الحكومية التعليمية لكشف كل من ينتحل شهادة وهمية، والتعاون العربي، والدولي المشترك في هذا المجال لو تم سيزيد من جودة التعليم، و سيساهم في رفع مستوى، وكفاءة الخدمات أو المنتجات في العالم العربي، وتطور كل ما يرتبط بالعلم، والمعرفة؛ ولذلك يجب تظافر كل الجهود العربية من أجل مكافحة ظاهرة انتشار الشهادات العلمية المزورة التي تُباع، وتشتري، مع إيقاع أشد العقوبة وسجن من يفعل ذلك الفعل المُشين!؛ لأن بيع الشهادات ظاهرة خطيرة جداً تؤدي إلى فساد أخلاقي، وعلمي في المجتمع، وفساد إداري كبير في مختلف المجالات، والوظائف؛؛ حيث حينما يشغل هؤلاء الأشخاص تلك المناصب الغير مؤهلين لها سوف يترتب على ذلك الفشل، وسوء الإدارة والتخطيط مما سيؤدي إلى تدني مستوى تلك المؤسسة بمختلف أقسامها الإدارية والمالية. فأصحاب الشهادات المزورة دائماً ما يسعون لتدمير، وتثبيط من هم ذو خبرة إدارية حقيقية وأصحاب المواهب، والأفكار حتى لا يحل مكانهم، فهم دائماً محل تثبيط، وتدمير، ويجب على المؤسسات الحكومية المختصة أن تضع قوانين صارمة، وتدقيق كبير على الشهادات الصادرة من داخل، أو خارج الوطن؛ لأن من يعتلي منصبًا ليس له الحق فيه، فإن كان طبيبًا مزورًا فقد يقتل مريضًا بريئًا لا ذنب لهُ!؛ وقد ينهار بيت فوق أصحابهِ إن كان مهندسًا مُزورًا لشهادتهِ، ويرسب الطلبة إن كان معلمًا توظف بشهادة مزورة، وهكذا يتدمر المجتمع كله من خلال تدمير التعليم وتزوير الشهادات العلمية بغير وجه حق؛ فلا يوجد رقيب ولا حسيب، وحتى بعض الجامعات الخاصة خصوصًا أصبح فيها مستوى التعليم مُتدنيًا؛ لأنها كل همها هو الكسب المادي، فحينما تكون المُدخَلات فاسدة، فالمُخرجات بالتأكيد ستكون فاسدة أيضًا؛ ولذلك فإن المزور يُعد مجرماً ساهم في ضياع، وتدمير مجتمع بأكملهِ فهو سرق حق غيره، وسرق جهد، وتعب غيره وزور شهادة بدون علم، ولا جدٍ، ولا تعب!؛ ومن الممكن أن يتسبب في الأذى للآخرين إلى أن تصل أحيانا للقتل كحال من يقوم بِتزوير شهادة الطب مثلا!؛ فالشهادات الوهمية والمزورة تعتبر جريمة مجتمعية غير أخلاقية، وجريمة قانونية كذلك تستوجب العقاب؛ وعلى سبيل المثال نشرت صحيفة “الأنباء” الكويتية تقريراً خطيراً عن حجم الشهادات المزورة التي يتم منحها لعراقيين، وبعض العرب في لبنان، حيث قالت:” إن 27 ألف شهادة جامعية مزوّرة منحت لطلاب عراقيين في لبنان، وأن 5000 دولار هو ثمن شهادة الماجستير المزورة، بينما بلغت تكلفة شهادة الدكتوراه 10 آلاف”!؛ وقالت الصحيفة الكويتية أن عادة بيع الشهادات الجامعية المزورة في لبنان، درجت منذ أيام الحرب الأهلية حتى اليوم؛ حيث انتشرت في الجامعات الخاصة، وأصبحت تجارة رائجة!!. إن ظاهرة بيع الشهادات تطفو على السطح، بين الفينة والأخرى، ومن ثم يتم، وضع الملف على الرف ليعود إلى التداول لاحقا، إذ يجري الحديث الآن عن 27 ألف شهادة جامعية نالها عراقيون من لبنان، وأُثير الأمر في بغداد، ولدى محاولة “الأنباء” التحقق من الأمر تحفظ المعنيون في الحديث عنه!؛ ولذلك فإن سوق الباحثين العرب عن الشهادات العلمية العليا باتت ظاهرة مُنتشرة لا تخفى على أحد، ورغم قدم هذا الموضوع، وامتداده عبر عقود طويلة مضت، إلا أنه في الآونة الأخيرة فرض نفسه على ساحة النقاش مرة أخرى، بعدما بات البعض يقصد هذا السوق ويسافر إلى بعض الدول العربية بحثًا عن شِراء أو من يُزور له شهادة يزين بها بيته، أو مكتبه أو يحقق من خلالها تقدمًا في وظيفته!؛ والجدير بالذكر أن سوق الشهادات العلمية, نظير مقابل مادي, ليست ظاهرة عربية فحسب، بل رُبما ظاهرة عالمية في المقام الأول، وهذا ما أشار إليه الدكتور محمد إبراهيم السقا، أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت، في مقال له، بأن هناك عشرات المؤسسات، والجامعات في مختلف دول العالم تمنح هذه الشهادات مقابل المال“، وتطرق السقا في مقاله إلى تقرير نشرته “CNN” يقول إن عدد الشهادات العلمية المزورة التي تباع في أمريكا تتجاوز 100 ألف شهادة سنويًا، ثلثها للدراسات العليا، حسبما جاء على لسان جورج جولين عضو مجلس الاعتماد الأكاديمي للتعليم العالي في الولايات المتحدة، وبحسب التقرير فإن نحو 40000 دارس يحصلون على الدكتوراه بصورة قانونية في أمريكا سنويًا، ولكن في المقابل هناك نحو 50000 يشترونها بالمال، بشكل غير قانوني!؛ وقد وصل الفساد في هذه المسألة إلى الحد الذي استطاع فيه بعضهم الحصول على شهادات دكتوراه بأسماء قططهم وكلابهم”!؛ أما عن وسائل الحصول على هذه الشهادات، أشار المقال إلى عدة، وسائل منها التزوير، وذلك بإصدار شهادة مُقلدة لجامعة معروفة، أو أحيانًا تبيع شهادات مزورة لجامعات حقيقية، ثم تقوم برشوة أحد العاملين في هذه الجامعات لإدراج ملف بين الملفات الخاصة بالجامعة باسم الشخص الذي حصل على الدرجة في قائمة بيانات الجامعة، على النحو الذي يبدو من خلاله أن الشخص حصل بالفعل على الدرجة العلمية سواء الماجستير أو الدكتوراه من تلك الجامعة!؛ وحتى في روسيا لا يختلف الوضع كثيرًا عن أمريكا، حيث تنتشر ظاهرة بيع الشهادات العلمية من البكالوريوس إلى درجات الدكتوراه من خلال بعض الجامعات الرسمية الحقيقية، والقائمة، وذلك بسبب انتشار الفساد في النظام التعليمي الروسي، أو سوء استخدام السلطة لتحقيق مكاسب مادية، كما أن هناك آلية لتفعيل هذه الظاهرة، فلكل بحث سعر معين، و الرسالة العلمية سعر مالي آخر وقديمًا كانت هذه العمليات تحت السيطرة النسبية، إلا أن دخول الإنترنت، وثورة الاتصالات خلال العقدين الأخيرين قد أدوا إلى تغيير سوق هذه المطاحن بصورة هيكلية، ومن ثم بات من الصعب مراقبتها؛ ظاهرة التلاعب، وتزوير الشهادات ظاهرة علمية، واجتماعية خطيرة بحاجة إلى وضع حلول مناسبة لها، تمنع ضعاف النفوس من استغلالها من خلال تشديد الرقابة على الشهادات لأن وجود مثل تلك الظواهر أمر خطير على المجتمع لأن صاحب الشهادة المزورة أو التي تم شراؤها من جامعات غير معترف بها يضُرون المجتمع، ويسلبون حقوق غيرهم؛ ولذلك يجب تشديد العقوبات على المزورين، وعلى من يبيع الشهادات، لأنه هناك بالفعل إعلانات بيع شهادات جامعية من جامعات، وهمية ليس لها مقر سوى الشبكة العنكبوتية الانترنت!؛ ولذلك اتسعت ظاهرة تزوير الشهادات، والمسميات الوهمية، ومنح أو بيع الشهادات المهنية، والفخرية العليا من قِبل الأفاكين تُجار العلم جالبي العار، والخراب، والدمار للديار العربية؛ ولذلك يجب على كل وزارات التربية، والتعليم العالي، وكل الجهات الحكومية العربية الرسمية في الدول العربية التعاون فيما بينهم، وتشكيل لجنة فحص، وتدقيق في الشهادات، وتحقيق، لمحاسبة ومساءلة المزورين، وللتأكد من صحة الشهادات التي تقدم لهم، أو التي ينشرها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي للاحتفال بالحصول عليها؛ حيثُ صارت ظاهرة منتشرة انتشار النار في الهشيم، ويجب أن تعقد اتفاقية تعاون ثقافي، وعلمي بين كافة الدول العربية، وأن يتم إقرار ذلك في جلسات القمة العربية المقبلة، والتي سوف تنعقد في الأول من نوفمبر القادم في الجزائر من أجل مُحاربة تلك الظاهرة والقضاء عليها، والارتقاء بالواقع الثقافي، والتعليمي العربي نحو الريادة، والجودة، والأبداع، والتنمية المستدامة، ومحاربة كل صور الفساد، والتحقق من صحة الشهادات العلمية؛ وكذلك إيقاع أشد العقوبة على كل من يقوم بتزوير الشهادات، أو انتحال صفة سفير أو مستشار أو دكتور كذبًا وزورًا، وبهتانًا مُبينًا.

الباحث، والكاتب، والمحاضر الجامعي، المفكر العربي، والمحلل السياسي

الكاتب الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين

رئيس مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للاجئين، عضو مؤسس في اتحاد المدربين العرب

رئيس الاتحاد العام للمثقفين والأدباء العرب بفلسطين، والمُحاضِّرْ الجامعي غير المتُفرغ

عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين، وعضو الاتحاد الدولي للصحافة الالكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى