رأي

تدمير الدولة العربية

حسن مدن تدمير الدولة العربية

حدود الدول الوطنية العربية الحالية، التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية، أرادها مهندسو «سايكس- بيكو» أن تكون احتواء لتطلعات العرب حينها لا في الاستقلال وحده، وإنما أيضاً في الوحدة. وأياً كان الأمر، فبالقياس للمآلات الراهنة لتحولات الوضع السياسي في عالمنا العربي، كانت الدولة الوطنية، أو القُطرية كما تسمى، خياراً أفضل، كونه أتاح فرصاً لتأسيس كيانات الدولة الحديثة محل السياق السابق للدولة، وهو السياق الذي تجري العودة إليه قسراً بعد تصدع بنية الدولة في بلدان محورية مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن. حين تنهار الدولة المركزية تحل مكانها، بصورة تلقائية، المكونات السابقة لها من قبائل وعشائر وطوائف.

يحملنا هذا على القول إن العرب أخفقوا، في حدود ما نحن شهود عليه من حروب وتمزقات، في بناء الدولة الحديثة، أو في أقلها أن يجعلوا من هذه الدولة قابلة للبقاء، عبر تطويرها لتصبح دولة مدنية حديثة وديمقراطية، بحيث تؤمن آليات تداول السلطة فيها التغلب على الهزات والخضات السياسية والاجتماعية، كما هو شأن الدول الأخرى في العالم.

لكن مسؤولية العرب هذه عن المصائر الصعبة لما وجدوا أنفسهم فيه من كيانات – دول، لا ينبغي أن تحجب عن الأعين مسؤولية من هندسوا حدود هذه الدول أول مرة، بتمزيق خريطة المنطقة بشكل يمكن وصفه بالعشوائي، لولا إدراكنا لحقيقة أن هؤلاء المهندسين لحدود الدول كانوا يدركون أن هذه الحدود قنابل موقوتة، ستنفجر آجلاً أو عاجلاً، وهذا ما يحدث في أكثر من مكان اليوم.

أعاق الغرب مساعي شعوب المنطقة وتطلعاتها في بناء دول مدنية بحق، لأن همه كان استمرار تأمين مصالحه في السطو على ثروات المنطقة، وتمكين «إسرائيل»، الذي نظر إلى «أمنها» بوصفه حجر الزاوية في كل الاستراتيجيات الغربية الموجهة للعالم العربي.
في استثناء يكاد يكون وحيداً وجه رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني عام 2008 اعتذاراً لليبيا عن الحكم الاستعماري الإيطالي لها . لكنه الاستثناء الذي أكد القاعدة، فالاعتذار لم يكن إلا نفاقاً غايته إعطاء إيطاليا أفضلية في حصص النفط الليبي. وما هي إلا سنوات حتى كانت إيطاليا طرفاً في حرب «الناتو» التي تزعمها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لتدمير الدولة الليبية بحجة دعم ما زُعم أنه ثورة، لتصبح ليبيا أرضاً مستباحة للميليشيات والجماعات التكفيرية، شأنها في ذلك شأن العراق وسوريا وغيرهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى