رأي

تحرير الإسلام من الطائفية والقومية

(( أن المدخل لهذا الموضوع علينا تثبيت أمرا نتفق عليه جميعا كمسلمين أن الإسلام عالمي بمنهجه
الشامل لكل العالم ولجميع القوميات والأعراق والألوان من قبل الإله الواحد الأحد الفرد ( يا أيها الناس أعبدوا
ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ) لذا علينا تحريره من العقول التي ما زالت تعتقد وتصر على
أن الإسلام محدود جغرافيا وقوميا وطائفيا كونه عربيا خالصا للأمة العربية ( أنا أنزلناه قرانا عربيا مبين )
التي اعتنقت الإسلام ونبيها العربي محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وصحبه السلام حيث انبثق من أرضها
نوره منذ أكثر من أربعة عشر قرنا وأن هذا المفهوم ترسخ واستوطن هذه العقول إلى يومنا هذا مما سبب
للإسلام ومعتنقيه الكثير من المشاكل والصعوبات والانعكاسات التي تسببت حينها إلى القتال والنفور والإساءة
إليه بسبب عدم فهم مفهوم هذه الرسالة الشاملة والنظرية السماوية وحقيقتها ودوافع إرسالها بهذه الشمولية وسبب
اختيار الجزيرة العربية والشخصية المختارة لحمل هذه الرسالة وتبليغها من قبل الخالق العظيم من خلال إيجاد
قواسم مشتركة بينها وبين من سبقتها من رسالات دينية وعقائد وأنبياء إلى جميع البشرية سابقا حيث لا يمكن
لأي عاقل في الكون أن يعبد أو ينقاد أو يستسلم لخالق ليس له القدرة على التوحيد والتحكم والسيطرة المطلقة
على جميع البشر والمخلوقات الأخرى وليس له نظام موحد شامل لتسيرها في الحياة بل له المعرفة المسبقة في
كنه وكينونة هذا الكون وما فيه أرسل أنبيائه ورسله ومنذريه ومبشريه إلى سياسة مجتمعات وأقوام وفق شرائع
وسنن محكمة وسبل عبادة الخالق الواحد وهو الله تعالى جل جلاله على ضوء مستويات المجتمعات وعقلياتها
وطبيعة حياتها وبالتدريج حتى جاء الإسلام بشمولية عقيدته وتوسعها على خاتم الرسل والرسالات بكتاب موحد
وشامل لكل الملل والنحل والعقائد من العبادات والمحرمات والمعاملات والقيم والأخلاق وطرق العبادة لله تعالى
بمناسك معينة موحدة متممة للشرائع التي سبقتها فرضت على الناس جميعا ولهذا نرى القرآن الكريم يخاطب
بلفظة الجميع يا أيها الناس والمؤمنون والمسلمون خطاب شمولي دلالة على أن الإسلام شمولي بتعاليمه
وشرائعه يشترك فيه مع جميع الأديان والملل الحقيقية الغير محرفة فمثلا أن الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ليس بالتخويف والترهيب والإيذاء والقسوة والغلظة في الكلام بل بالنقاش وأسلوب حضاري متمدن (
أدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة الموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ……) النمل 125 و( ولا تجادلوا
أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن …. ) العنكبوت 46لإيصال المفهوم الذي أمر به الإسلام للكف عن انتشار
الفاحشة والرذيلة وأشاعتها في المجتمعات لغرض أ صلاحه كما يريده الخالق تعالى لأن العالم المتحضر لا يفهم
ولا يعرف لغة العنف في النقاش والجدال كونه تعلم على التسامح والمحبة والقيم الإنسانية كالدين المسيحي الذي
يعتنقه أكثر سكان الأرض وكذلك الزكاة لو حاولنا أخراجها من إطارها المشوه على أنها وسيلة فرض الأتاوات
بمفهوم الجزية من التي ذكرها القرآن الكريم وبأسلوب قسري على أصحاب الذمة من خلال تفسيرها الخاطئ بل
هي شكل من أشكال الضريبة على المواطن الغير مسلم والمؤمن بغير عقيدة محمد صلوات الله عليه وسلامه
تؤخذ منه سنويا وتُعطى له من بيت المال لقضاء حوائجه من قبل الدولة الإسلامية توازي مفهوم الزكاة على
المسلم وكذلك أن الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة هي دعوة عالمية لقصده والتوجه إليه لا تخص
المسلمين فقط بل هي دعوة للناس كافة على لسان نبي الله إبراهيم عليه السلام مؤسس الدين الحنيف بتوجيه من
الله تعالى لتوحيده ( وعلى الناس حج البيت من أستطاع إليه سبيلا )ودعوة خالصة لضيافة موائد الرحمن
سبحانه وتعالى للناس كافة في جميع بقاع العالم ليشهدوا منافع لهم وتواصل بين البشرية لإرساء المحبة والسلام
والتجارة ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم …..)
والتوجه للمعبود الواحد الأحد هو صاحب هذا البيت كونه بيتا مشخصا كرمز لجميع البشر ومجمعا يضم جميع
الأديان الحقيقية والطوائف والمذاهب على وجه الأرض المعمورة .فعلينا أقناع المقابل من المخالفين أن نزيل
الفوارق التي أوجدها أصحاب العقول والنفوس المريضة والضالة والمظلة التي لها مصلحة في إفشال المشروع

الإلهي في بناء مجتمع متكامل مبني على القيم والأخلاق والمبادئ وتطوير العقل البشري لبناء مجتمعات راقية
في العيش والبناء التي ترتقي بالإنسان كما أراده الخالق كوحدة بشرية موحدة في العقيدة والمنهج والدين
والتفكير لكن مع الأسف نحن نساهم في هدم ما بناه النبي محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه
للمشروع الإلهي من خلال التقصير الفكري الجامد الغير متحرر من التبعية النمطية للقرون الماضية في إتباع
السنن وشريعته السمحة المبنية على المحبة والسلام وتقبل الآخر واحتوائه . فلو أستطاع المسلم أن يقنع أي
إنسان على الكرة الأرضية من غير العربي ومن غير المسلم المحمدي أن هناك قواسم مشتركة بين عقيدته
ودينه ومفاهيمها الصحيحة والعقائد والأديان الأخرى كونها من منبع واحد ومصدر واحد هو الله سبحانه وتعالى
( يا أيها الناس أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ) و(أن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط
مستقيم) وجامعها ليوم الميعاد واضعا برنامجا واحدا في إدارة الكون ومخلوقاته بعيدا عن التكفير والقتل
والإقصاء ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) .( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)وكذلك ( أدعوا إلى سبيل
ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن أن ربك هو أعلم بمن ظل عن سبيله وهو أعلم
بالمهتدين )و( ولا أكراه في الدين ) فأن الله تعالى هو الخالق والرازق والمحاسب للبر والفاجر والمؤمن والكافر
على حد سواء وأن يكون الإقناع منطقي وحضاري يليق بمفهوم الإسلام ورسالته السامية ))…..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى