تعاليقرأي

تبّا لها من حضارة أوردتنا المهالك، وأورثتنا حياة مريضة.


رشيد مصباح (فوزي)

**

لا يكاد يختلف إثنان في تميّز الماضي عن الحاضر بجماله وعذوبته وبساطة العيش فيه، ذلك أن الحاضر تسلّط على الماضي وجثم عليه بوسائله الماديّة المعروفة، فافقدها بساطتها وجمالها وعذوبتها. وخلّف ذلك قلقا مزمنا، وتذمّرا في النّفوس.

لم يستفد الإنسان من هذا التطوّرالرّهيب السّريع سوى شعورا بالملل والكآبة، وبعض الأمراض المزمنة الخطيرة. على الرّغم من إدّعاء بعض المدافعين عن الحضارة الماديّة المعاصرة، بأنّها وفّرت ولا تزال توفّر على البشرية الوقت والجهد المضني. وكما ساهمت وتساهم في وفرة المنتوج وتنوّعه.

لكن: أين هي سكينة، ماانفكّت تميّز ماضينا الجميل؟

وأين ذاك الهدوء، والشعور بالأمن والأمان؟

صحيح أنّنا لم نكن نعرف كثيرا من هذه الفواكه المتنوّعة، وهذه الوسائل الوفيرة. لكن كل شيء أصبح ملوّثا في هذه الأيّام؛ ولم ينجُ أحد إلـّا وكان عرضة للمرض، و مخاطر التسمّم، ومن آثار الغازات والمبيدات السّامّة. أضف إلى ذلك كثرة الصّخب والضّجيج، وتأثير المحرّكات والمنبّهات… وكل ذلك أدّى إلىتلوّث سمعي بصري. وتسبّب في ظهور قلق مزمن خلّف لنا أمراضا خطيرة، كالكآبة وأنواع السّرطانات.

الناس في ظل هذه الحضارة المعاصرة لا يجدون الهدوء ولا السّكينة، برغم توفّر الوسائل المريحة، كتلك المزوّدة بأفخم التّجهيزات. لكنّها لا تجدي نفعا مع القلق الزّائد الذي ميّز حياتنا، ويسبّب في ظهور أنواع الأمراض الخطيرة والمزمنة، وكثرة الانتحارات.

بالأمس كنّا ننعم بالهدوء والسّكينة والاستقرار، وكان لدينا من الوقت والمشاعر الجميلة ما يكفي للمطالعة وقراءة القصص والروايات. و نستمتع بنسمات الصيف، ونفحات الرّبيع، وبالنّظر إلى الطبيعة أثناء السّفر و الرّحلات.

كانت الحياة هادئة وبسيطة، والقلوب كذلك، كانت ليّنة رخيمة؛ كان الأخ أخا، والصّديق صديقا. وكان الحبّ حبّا والوفاء وفاء. وكان هناك نعاضد، والتعاضد أهم ما يميّز العلاقة بين النّاس في تلك الأيام الجميلة. وأمّا الآن: الوقت يمرّ، مرور “اللّئام” وليس الكرام. والعلاقات بين النّاس تلاشت ولم تعد تعمّر طويلا. بل إنّه لم تعد هناك علاقات أصلا، في ظلّ هذا الكم من العوالم الأفتراضية.

كان الرّضا بالقليل أهمّ ما يميز الناس في ذلك الزمن الجميل؛ فلم تكن هناك طوابير حليب ولا زيت، ولا طوابير خبز ولا سميد. كالتي شوّهت وتشوّه المشهد اليومي ونشاهدها في هذه الأيّام. كان الواحد منّا تكفيه لُقيمات يقيم بها صلبه، ولم نكن نعرف لا كيوي، ولا زبديّة (الأفوكاتو)، ولا موز(بنان).. ومع ذلك كانت صحّتنا جيّدة.

فتبّا لها من حضارة أوردتنا المهالك، وأورثتنا حياة مريضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى