في الواجهة

تأشيرات الدّخول إلى أوروبا أداة إذلال ومُؤَشِّر هيمنة

هجرة، تأشيرة الإذلال

الطاهر المعز

تأشيرات الدّخول إلى أوروبا أداة إذلال ومُؤَشِّر هيمنة:
خلال الحملة الانتخابية للعام 2022، تبنى إيمانويل ماكرون خطاب وبرنامج اليمين المُتطرف، ووعد بتشديد منح التأشيرات لمواطني الدول الفقيرة (خاصة للأفارقة)، وتشديد إجراءات طلب اللجوء و زيادة عمليات الترحيل في حالة رفض طلب الإقامة، كما وعد، خلال ندوة صحفية يوم الخميس 17 آذار/مارس 2022، “بتخفيض أو إلغاء التأشيرات” لمواطني دول المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء، بعد أن أعلن نهاية أيلول/سبتمبر 2021 “تخفيض عددها بنسبة 30% إلى 50% لمواطني البلدان المغاربية” التي تحمي أنظمتها مصالح الشركات والمصارف الفرنسية وتواصل الانصياع لمطالب الإمبريالية الفرنسية، عبر تيسير تجنيد الشركات الفرنسية خريجين مؤهلين (أطباء ومهندسين ومُصمِّمؤي برامج الحواسيب…) من المغرب العربي أو إفريقيا، مدربين من قبل المدارس المحلية بأموال عامة محلية، للعمل في فرنسا (أو دول أوروبية أخرى) وزيادة أرباح الشركات الفرنسية أو الأوروبية، وهي ما سُمِّيت “الهجرة الإنتقائية”.
ازدادت الصعوبات التي تعترض مواطني إفريقيا، شمالها وجنوبها، للحصول على تأشيرات الزيارة أو الدراسة أو العمل في فرنسا وأوروبا، إذ تم تشديد شروط الدخول منذ عدة سنوات وزاد عدد حالات رفض التأشيرة بشكل كبير، ما يفسر الزيادة في عدد الوسطاء والوكالات والمكاتب التي تعد بالحصول على التأشيرة، مقابل مبالغ كبيرة ومتزايدة من المال، بالتّوازي مع ارتفاع رسوم التأشيرة التي لا تُستَرَدُّ عند رفض طلب التأشيرة دون تقديم أي مبرر، وبالنسبة للطلبة، ينفق الأفارقة الراغبون في مواصلة دراستهم في فرنسا مبالغ كبيرة لا يتم تعويضها في حالة الرفض، في ظل ارتفاع رسوم التسجيل بالجامعة، خاصة منذ العام 2019.
اجتمعت العديد من منظمات المستهلكين (من غرب إفريقيا والمغرب العربي) في محاولة لتنظيم حملة سياسية وقانونية منسقة، للدفاع عن حق التنقل للطلاب، والفنانين أو الباحثين الذين رُفضت طلبات تأشيراتهم على الرغم من دعوتهم من قِبَل نظرائهم الأوروبيين للمُشاركة في الأنشطة الفنية والندوات أو المؤتمرات في فرنسا أو في أوروبا.
كان معدل رفض طلبات التأشيرة التي تلقتها القنصليات الفرنسية في إفريقيا (الإقامة القصيرة والطويلة، بما في ذلك تأشيرة الدراسات الجامعية)، سنة 2019، وهو عام ما قبل Covid، حوالي 30,5%، أي ما يقرب من ضعف متوسط جميع الفرنسيين القنصليات في العالم (16%)، بينما تجاوزت تكلفة طلب التأشيرة 300 يورو في المتوسط ، سنة 2021 لمواطن من القارة الأفريقية، لكن يقدّر معدل الردود الإيجابية في وقت معقول، بنحو 10% في المتوسط، وتتضمن شروط تقديم الطلب مبلغ يتراوح بين ستة آلاف وعشرة آلاف يورو، مُجمدة في حساب مصرفي، ينطبق هذا النوع من التقييد أيضًا على ألمانيا التي رفضت منح تأشيرات للكتاب أو الباحثين أو الفنانين الأفارقة والعرب المشهورين عالميًا الذين دعتهم الجامعات أو المؤتمرات أو المهرجانات.
في عام 2019 ، وهو عام ما قبل Covid ، من بين جميع طلبات التأشيرة التي تلقتها القنصليات الفرنسية في إفريقيا (الإقامة القصيرة والطويلة ، بما في ذلك تأشيرة الطالب) ، كان معدل الرفض في المتوسط 30.5 ٪ ، أي ما يقرب من ضعف متوسط جميع الفرنسيين القنصليات في العالم (16٪). في عام 2021 ، تجاوزت تكلفة طلب التأشيرة 300 يورو ، في المتوسط ، لمواطن من القارة الأفريقية ، لكن معدل الردود الإيجابية يقدر بـ 10 ٪ في المتوسط ، في عام 2021. بالنسبة للطلاب ، يجب إيداع مبلغ وهو يتراوح بين 6000 يورو و 10000 يورو على حساب مصرفي مغلق. ينطبق هذا النوع من التقييد أيضًا على ألمانيا ، التي رفضت منح تأشيرات للكتاب أو الباحثين أو الفنانين الأفارقة والعرب المشهورين عالميًا الذين دعتهم الجامعات أو المؤتمرات أو المهرجانات.
تسبب هذا التصلب في انخفاض عدد الطلبات، وتشير التقديرات، في النصف الأول من العام 2022 ، إلى أنه تم رفض حوالي 70% من طلبات الحصول على تأشيرة لأوروبا، المقدمة إلى قنصليات الدول الأوروبية في إفريقيا، دون ذكر السبب، ودون إعادة المبالغ المَدْفُوعة ودون إمكانية تقديم أي اعتراض قانوني.
تُعتبر هذه السياسة العُنصرية المتعجرفة مُدرّة للربح المالي والسياسي بالنسبة لفرنسا، ومكلفة للغاية بالنسبة للأفارقة، إذ تتهم عدة منظمات مدنية أفريقية الدولة الفرنسية بسرقة الأموال وسلب طالبي التأشيرة، لأن التكاليف التي أنفقت (عدة مئات من اليورو) لا يتم استعادتها أبدًا، كيفما كانت النّتيجة، وبالنسبة للطلبة، ارتفعت رسوم التسجيل في الجامعات الفرنسية للطالب الأجنبي من 243 يورو سنة 2018 ، لمدة سنة جامعية واحدة من دورة “الماجستير”، إلى 3770 يورو سنة 2019، ولم يحصل سوى ثمانية آلاف طالب جديد من قارة إفريقيا على تأشيرات الدراسة في فرنسا سنة 2022.
في السابع عشر من شهر آب/أغسطس 2022، طلبت الفدرالية المغربية لحقوق المستهلك من السفارة الفرنسية سداد “تكاليف التأشيرات التي لم يتم إصدارها”، مشيرة إلى تسديد ثمن “خدمة لم يتم تنفيذها”، وفي 14 أيلول/سبتمبر 2022 ، وقعت 115 منظمة شمال إفريقية وفرنسية من ضفتي البحر الأبيض المتوسط على نداء بعنوان: “سياسة التأشيرات: التمييز والظلم”، ويندد النص بالإجراءات “المكلفة للغاية، دون إمكانية استعادة أي مبلغ في حالة الرفض… (وكذلك) الإجراءات التمييزية التي لا تُحتَمَل”.
أثار وزير الداخلية الفرنسي هذا الموضوع خلال زيارته لتونس في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر 2020، حيث هدد الوزير الفرنسي رئيس الجمهورية التونسية (في تونس العاصمة) بالمزيد من تقليص عدد التأشيرات، إذا لم تصدر الدولة التونسية بسرعة الوثائق اللازمة لترحيل التونسيين المطرودين من فرنسا، وفي 28 أيلول/سبتمبر 2021، برر المتحدث باسم الحكومة الفرنسية انخفاض عدد التأشيرات الممنوحة للتونسيين (-30%) والمغاربة (-50%) والجزائريين (-50%). بالنسبة لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فاق معدل معدّل فترات الإنتظار، في أيلول/سبتمبر 2022، في داكار، الستين يومًا، للحصول على موعد لتقديم ملف لدى الشركة الخاصة ( الهندية السويسرية، ومقرها دبي)، التي تدير ملف تقديم طلبات التأشيرة وتسجيل البيانات البيومترية نيابة عن القنصلية الفرنسية. أما بالنسبة لأولئك الذين تمكنوا أخيرًا من تقديمها، فلم يتلقوا ردًا بعد عدة أسابيع من تسجيلهم.
تستحضر نشرة “أفريكا إنتليجنس” تحقيقاً إدارياً أجرته وزارة الخارجية الفرنسية كشف عن شبكة من الفساد والاتجار في بيع التأشيرات في القنصلية الفرنسية في داكار (السينغال) وبرازافيل (الكونغو) وفي عواصم أفريقية أخرى، كما تُعَدُّ خصخصة الخدمات القنصلية عبئًا إضافيًا على طالبي التأشيرات وموردأ لإيرادات إضافية للحكومة الفرنسية التي خفضت من عدد موظفي قنصلياتها الذين تُدفع رواتبهم من مبالغ غير مستردة يودعها طالبو التأشيرة، ويقدر تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي هذه المبالغ بأكثر من 222 مليون يورو سنة 2022.
مُلخّص:
ارتفع عدد المُهاجرين النّظامِيِّين العابرين لحدود الدّول من حوالي 84 مليون شخص سنة 1970 إلى 244 مليون شخص سنة 2015، وفق تقرير الهجرة العالمية – وكالة الأمم المتحدة للهجرة 2018 ويُمثل المهاجرون 3,3% من ّ سكّان العالم، لكن عدد النّازحين داخل بلدانهم يتجاوز 740 مليون شخص، سنة 2015، بسبب العوامل الطبيعية (الجفاف والفيضانات) والعوامل الإقتصادية والفقر، أو بسبب النزاعات المُسلّحة التي تُشعل الشركات العابرة للقارات مُعظَمها، للسيطرة على الأراضي التي تحتوي ثروات طبيعية…
اقتصرت الهجرة النّظامية على ذوي المُؤَهّلات والخبرات الذين درسوا الطّب أو الهندسة أو علوم الإتصالات بالجامعات التونسية لسنوات طويلة ومُكلِّفَة تكبّد الكادحون تسديد تكاليفها، لتقطف الشركات العابرة للقارات ثمار تضحيات الشّعُوب الفقيرة، وعلى سبيل المثال، هاجر حوالي عشرة آلاف مُهندس تونسي البلاد، بين سنتَيْ 2016 و 2018، وفق نقابة المُهندسين التونسيين، وقدّرت نقابة الأطباء أن نحو 45% من الأطباء المُسجّلين بها (التسجيل إجباري لممارسة مهنة الطّب) غادروا البلاد للعمل بالخارج بين سنتي 2017 و 2018، بسبب ضعف الرواتب (بالقطاع العام) وظروف العمل السيئة ونقص المُعدّات وانسداد آفاق البحث، ويُقدَّرُ عدد الأطبّاء الجزائريين بفرنسا، ومعظمهم من ذوي الإختصاصات (القلب والعيون والسرطان…) بنحو سبعة آلاف طبيب دَرَسُوا بالجامعات الجزائرية،وتستغل الدّول الأوروبية مثل سويسرا وألمانيا وفرنسا، وكذلك كندا، سوء ظروف العمل لتستنزف الكفاءات التي لم تولِها حكومات دول المغرب العربي أو إفريقيا اهتمامًا، وتمارس هذه الدّول الأجنبية وشركاتها ومؤسساتها الدّراسية والبَحْثِيّة سياسات “الهجرة الإنتقائية”.
يُشكّل البحر الأبيض المتوسّط منطقة تبادل تجاري وثقافي مُكثّف بين ضِفَّتَيْهِ الجنوبية والشمالية على مدى قُرُون، وأدّى إغلاق حدود الإتحاد الأوروبي وصعوبة الحصول على تأشيرة قانونية إلى انتشار ظاهرة الهجرة غير النظامية، وإلى ارتفاع عدد ضحاياها، ومنذ انهيار جدار برلين، وضم بلدان أوروبا الشرقية إلى الإتحاد الأوروبي وإلى حلف شمال الأطلسي، ومنذ تهجير القطاعات الصناعية المُلَوِّثة وذات القيمة الزائدة المنخفضة إلى آسيا وإفريقيا، يُريد الإتحاد الأوروبي أن يجعل من أنظمة المغرب العربي حُرّاسًا لحدوده، من خلال مَنْع الهجرة وإنشاء مُعتقلات ضخمة لِسجن الفُقراء الذين دمّرت الجُيُوش الإمبريالية بلدانهم واستغلّت الشركات العابرة للقارات ثروات بلادهم، مع تشغيل من يصل إلى أوروبا برواتب زهيدة، وظروف عمل شبيهة بالعبودية، مع حرمانهم من كافة الحُقُوق والإمتيازات القانونية، كالتّأمين الإجتماعي والرّعاية الصحية والتّقاعد…
إن حكومات الدول العربية والإفريقية ومثيلاتها راعية لمصالح الدّول والشركات الأجنبية، على حساب مصالح البلاد ومواطنيها، وهي غير قادرة على الرّد بالمثل وعلى ضَرْب مصالح فرنسا والدّول الأوروبية الإمبريالية في بلدانها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى