رأي

تأريخ الكراسي تأريخنا!!

د. صادق السامرائي

التأريخ البشري ينحسر في الكرسي، أما أبناء المجتمع فلا يُكتب عنهم، ولهذا تبدو الحياة مجهولة في الواقع، وموثقة كما يرى المؤرخون عن الكراسي ومَن إعتلاها.

وهي أدلة على أن الشعوب أمضت آلاف القرون مقهورة ومسحوقة مصادرة الحقوق، يتفرد بتقرير مصيرها قلة من الذين صاروا أولياء أمرها رغما عنها.

وحياة الشعوب ما دخلت أروقة التأريخ ، إلا بالنداءات التي أعلت من قيمة الإنسان، وأكدت على حقه في الحكم.

وكان للأقلام المنيرة المتوهجة المتوثبة المستوعبة لجوهر المعاني الإنسانية والتطلعات النبيلة السامية، دورها الإيقاظي الإستنهاضي لطاقات الجماهير الكامنة.

وكان في طليعة تلك الأقلام، فولتير، الذي بجّل العقل والإنسانية، وإتخذ منهجا جديدا في كتابة التأريخ، لا كما كتبه السابقون الذين مجدوا الكراسي ورفعوا أصحابها فوق البشرية، وأخرجوهم من آدميتهم وأضفوا عليهم صفات سامية لا وجود لها فيهم ولا فوق التراب.

وفي هذه الإنتقالة التوثيقية صار الشعب أبو التأريخ، وصانعه، وبرز العقل الفاعل، وبهذا وضع فولتير الأسس والخطوط العريضة لتأريخ الأمم والشعوب، التي عليها أن تدونه بوضوح، بعيدا عن الكراسي وتفاعلاتها الغابية المشحونة بالدسائس والتآمرات.

فالتأريخ قبل فولتير، كان يؤسس لتقديس الكرسي والدعاية له، وتثبيت أركانه، وبعده تم إدراك قيمة الشعب ودوره في بناء الحياة وصناعة التقدم والرخاء.

ويبدو أن أدوات العصر بأنواعها، لها مساهمة فعالة في تدوين النشاطات البشرية، ودور الإنسان في بناء الحياة الحرة الكريمة، وتأمين مقومات الحاضر وتطلعات المستقبل.

ومن هنا فأن مدونات التأريخ المنتسبة للكرسي ستنتهي في ظلمات النسيان، وستشرق أنوار التأريخ الإنساني الجماهيري الشعبي التواق لما هو أفضل!!

فهل سنكتب بمداد الجماهير؟!!


د. صادق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى