تأثير سوريا الجديدة على إيران وروسيا وباقي المنطقة
الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي
العراقيون من بين كل الناس في العالم يفهمون مدى ابتهاج السوريين اليوم بإسقاط دكتاتورية الأسد الوحشية, تلك الدكتاتورية التي استمرت لعقود من الزمن, وتكررت مشاهد مماثلة لسقوط الطاغية صدام قبل 21 عاما في بغداد, وإن كانت على خلفية الاحتلال، في مختلف أنحاء العراق منذ أكثر من عقدين من الزمن عندما تمت الإطاحة بدكتاتور بعثي وحشي آخر، وهو صدام التكريتي, وفي الوقت نفسه يشعر العراقيون بالقلق مما قد يحدث بعد ذلك، لأن وجه المعارضة السورية المسلحة اليوم, هو رجل ارهابي شارك في الإرهاب في العراق, كعضو مجرم في تنظيم القاعدة، ثم انضم الى تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي في وقت لاحق.
رغم أن العديد من السياسيين والمحللين ومقدمي البرامج المهمة استخدموا العراق باعتباره مجرد قصة تحذيرية لمستقبل سوريا، لكن هذه الحجة غير كاملة, فهي تتجاهل الدروس الإيجابية التي يمكن ان تقدمها تجربة العراق.
لقد كان كلا البلدين تحت سيطرة البعثية لعقود من الزمن، وعانوا من التدخلات الخارجية، وكلا البلدين لديهما تنوع سكاني, فمن ناحية، تستطيع سوريا أن تتعلم من نموذج إقليم كردستان الناجح في العراق، والذي منح الأكراد العراقيين درجة كبيرة من الحكم الذاتي, واعترف بلغتهم وثقافتهم ودورهم الأساسي في الحكومة الفيدرالية,
وتواجه تجربة العراق رسائل تحذير: عدم تجاهل العدالة الانتقالية، وعدم التعجل في كتابة الدستور الجديد، وعدم منح حزب البعث اي مناصب, والانتباه للدولة العميقة التي سيحاول انشاءها, واهمية اللجوء إلى عملية اجتثاث البعث بشكل كامل من دون استثناءات.
· الرابحون والخاسرون في سوريا
احتفل الملايين من السوريين داخل وخارج البلاد بالانهيار غير المتوقع لواحدة من أكثر الدكتاتوريات وحشية في الشرق الأوسط، وذلك لسبب وجيه إن النظام البعثي الذي حكم سوريا بشكل مستمر منذ عام 1963، خلال العقود الخمسة الماضية تحت العلامة التجارية الخاصة لاستبداد عائلة الأسد، لم يستنزف سوريا فحسب، بل حولها أيضًا إلى حامية روسية, كما أنها انتكاسة لدول الخليج العربية التي كانت تحاول تطبيع نظام الأسد. وهم معرضون لخسارة نفوذهم السياسي، بينما ستكسبه تركيا، الداعمة القديمة للمتمردين السوريين.
لكن بالنسبة للسوريين فإن العمل الشاق يبدأ الآن, حيث لا تتمتع قوى المعارضة داخل البلاد وخارجها باي الخبرة في الحكم، بالاضافة لفقدان الانسجام بين قوى المعارضة, وتحكم هيئة تحرير الشام الارهابية محافظة إدلب الحدودية الشمالية، حيث يعيش أكثر من 3 ملايين سوري في ظل نظام محافظ, إنها قوة قتالية فعالة ولكن ذات جذور جهادية والقاعدة المتطرفة, مما يجعلها نذير مستقبل اسود, لكن حاليا لا تستطيع هيئة تحرير الشام المتطرفة أن تهيمن على النسيج السياسي والاجتماعي المتنوع للمجتمع السوري, لذلك ستعمل على التعاون مع باقي القوى.
أما الأكراد المتحالفون مع الولايات المتحدة والعرب السنة المدعومين من تركيا, فهم الميليشيات الأخرى التي ساعدت في سقوط الأسد, وتدير أيضًا جيوبهم المنفصلة في شمال سوريا، لكنهم بحاجة الآن إلى إظهار المرونة السياسية والأيديولوجية ليكونوا جزءًا من عملية انتقالية شاملة, مشروع الحكم في دمشق, ولن يكون كبح نفوذ الإسلاميين المتطرفين بالأمر السهل، لكن إشراكهم في العملية السياسية وشبح الانتخابات في غضون عام، فضلاً عن نفوذ أنقرة، قد يكون له تأثير معتدل.
الآن أصبح لدى ملايين السوريين فرصة العودة إلى ديارهم وتحقيق التوازن في مواجهة الميليشيات المسلحة والتطرف, وسوف يستمر الغرب في الاهتمام بسوريا، ليس فقط في مكافحة عودة تنظيم الدولة الإسلامية الارهابي، بل وأيضاً في البقاء منخرطاً في ضمان أمن الكيان الصهيوني، ودرء التطرف, والمساعدة في تطور البلاد.
· سوريا الجديدة والتاثير على روسيا
عانت روسيا من خسارة هائلة في القدرة على استعراض القوة نتيجة لسقوط نظام الأسد في يد هيئة تحرير الشام, ولم تنجح الضربات الجوية الروسية المحدودة في ايقاف هجوم هيئة تحرير الشام الارهابي، وأثبت المستشارون الروس والأصول العسكرية عدم جدواهم, مما جعل روسيا تخسر مصداقيتها في مختلف انحاء الشرق الاوسط, وتخسر سمعتها حول قدراتها.
هناك قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، وهي القواعد الأساسية لوجودها العسكري في الشرق الأوسط. وباعتبارها المكان الوحيد لروسيا للتزود بالوقود في البحر الأبيض المتوسط، فإن طرطوس مهمة للجيش الروسي, ومصدر إزعاج على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي.
وكانت القواعد الروسية في سوريا حاسمة في إمداد الفيلق الأفريقي الروسي في جميع أنحاء أفريقيا, وفي حين أن روسيا لديها أيضًا قواعد في ليبيا لتزويد الفيلق الأفريقي، فإن أنظمتها اللوجستية ستكون مقيدة إذا فقدت القواعد السورية, وبعد أن خففت لهجتها، تتواصل موسكو مع هيئة تحرير الشام الإرهابي للتفاوض بشأن الحفاظ على وصولها إلى القواعد, وفي حين أن هيئة تحرير الشام قد تكون حريصة على التماس الشرعية الدولية (مراقبة تقارب موسكو مع طالبان)، فهل تخاطر بوجود الأصول العسكرية الروسية للانقلاب على حكمها في المستقبل؟
وبغض النظر عما إذا كانت روسيا ستتمكن في نهاية المطاف من الاحتفاظ بالقواعد السورية أم لا، فإن روسيا مشكلة كبيرة, فالأنظمة العسكرية الحاكمة التي تدعمها في غرب ووسط أفريقيا وعلى ساحل المحيط الأطلسي قد شهدت للتو مدى عجز روسيا, إن روسيا في الواقع تعيش لحظة الحقيقة تؤدي خسائر المصداقية هذه إلى تفاقم الخسائر التكتيكية التي تكبدها الفيلق الأفريقي على يد الجهاديين والمتمردين المحليين في مالي خلال الصيف. واعتماداً على خدمات الحراسة البريتورية التابعة للفيلق الأفريقي، لا تستطيع المجالس العسكرية في غرب أفريقيا أن تتخلى عن تحالفاتها مع روسيا. لكن الواجهة بدأت تتقشر.
· لماذا انهار جيش الأسد
كان التفسير المهيمن لكيفية تمكن بشار الأسد من البقاء على قيد الحياة منذ عام 2011 هو تماسك قواته العسكرية والأمنية, وخاصة الضباط المكتظين بمجموعة أقلية (العلويين), الذين اعتبروا تغيير النظام بمثابة تهديد وجودي, فالسؤال هو: لماذا إذن يبدو أن هذا الجيش لم يخوض قتالاً في الأسبوع الماضي؟
هناك عدد من الفرضيات تحمل بعض الثقل، بما في ذلك الإرهاق، ومعنويات المجندين، وانعدام العزيمة من جانب الأسد، والصدمة والرعب من زخم المتمردين, ومع ذلك، أود أن ألفت الانتباه إلى عاملين أوسع نطاقاً أيضاً وهما:
أولاً: ربما يكون الافتقار إلى الدعم من روسيا وإيران وحزب الله قد أدى إلى إحباط معنويات الجيش السوري, ودفعه إلى الاستسلام،
وثانياً، ربما أدت وعود المتمردين بالعفو والحكم الذاتي إلى دفع الجيش السوري إلى الاستسلام. العلويون يرون مستقبلاً لأنفسهم بعد الأسد.
وبالنظر إلى المستقبل، فيجب التركيز على أمرين: أولاً، على المستوى المحلي، ستؤثر الخطوات المبكرة التي تتخذها هيئة تحرير الشام بشكل كبير على ما إذا كانت سوريا سترتد إلى الحرب الأهلية. وحتى الآن ترسل هيئة تحرير الشام الإشارات الصحيحة, الوعد بحقوق متساوية لجميع السوريين، واللامركزية والحكم الذاتي الإقليمي، والعفو عن جنود الأسد, ومع ذلك إذا بدأت أي من الجماعات المسلحة العديدة في سوريا تشعر بالظلم، فيمكنك أن تتوقع العودة إلى العنف.
ثانياً، قد تحمل الإطاحة بالأسد أصداء كبيرة لصراعات أخرى في المنطقة. إن عجز روسيا وإيران أو عدم رغبتهما في تقديم المساعدة للأسد من شأنه أن يضعف يد حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، مما قد يؤدي إلى تحول ديناميكيات السلطة في كل من هذه السياقات.
· تصميم سوريا الجديدة هو الخطوة الأولى
يمثل السقوط المذهل للرئيس السوري بشار الأسد أحدث مثال على أن عام 2024 هو العام الأكثر تحولا في الشرق الأوسط منذ عام 1979, فقد انقلبت المنطقة رأسا على عقب بطرق لا تعد ولا تحصى, كانت مجموعة واسعة من الجماعات ترغب في نهاية نظام الأسد منذ أن حكم حافظ الأسد البلاد, ومع تحقيق هذه التطلعات أخيراً في نهاية هذا الأسبوع مع اقتراب أكثر من 50 عاماً من حكم الأسد، فإن أحد الأسئلة التي تلوح في الأفق الآن هو كيف يمكن ربط تقاسم السلطة المحلية بطريقة عادلة تمنع التدخل غير المفيد من قبل الجهات الفاعلة الخارجية, وتوفر الحكم والإصلاح الأمن للشعب السوري. وفي حين أن هذا أمر صعب بالفعل، إلا أن الخطوات الأصغر نحو تحويله إلى واقع يمكن أن تأتي في شكل البدء في تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، مثل صياغة دستور جديد والتحضير لإجراء الانتخابات.
· إيران ما بعد الأسد
يوجه سقوط نظام الأسد مشكلة كبيرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية واستراتيجيتها في دعم خط المقاومة, بوجه خط الاستكبار العالمي وذيوله في المنطقة, والتصدي لمشروع التطبيع مع الصهيونية, فإلى جانب العمليات العسكرية الصهيونية الأخيرة في لبنان وفلسطين، يواجه القادة الإيرانيون مشكلة حقيقية في استمرار ما تم بنائه خلال السنوات الاخيرة, بسبب التحسينات المكلفة التي تحققت بشق الأنفس في تدعيم خط المقاومة, والحقيقة حقق نجاحات كبيرة أذهلت الدول العظمى التي لا تريد هذا الأمر الذي يقف بوجه مخططاتهم في الشرق الأوسط, وقد كانت حرب غير متكافئة في مجال التكنولوجيا والتسليح.
لكن ان يستمر الصمود اكثر من عام فكان امرا عظيما, لذلك كان الغرب وامريكا والصهاينة تجد في اثارة الساحة السورية فرصة كبيرة للانتصار على خط المقاومة, لذلك سوريا الجديدة تمثل تهديد حقيقي لاستمرار نجاح خط المقاومة.
وتمثل خسارة دمشق ثغرة كارثية في قناة إعادة إمداد حزب الله، جوهرة تاج خط المقاومة ضد الصهيونية والاستكبار العالمي، ويمكن للجمهورية الإسلامية أن تستفيد من تاريخها الحافل بالتعافي من الانتكاسات الاستراتيجية الشديدة, من خلال ممارسة اللعبة الطويلة، ولكن من دون الوصول إلى سوريا حاليا.
لقد نهضت الجمهورية الإسلامية من تحت الرماد من قبل، وخاصة في أواخر الثمانينيات بعد الحرب الطويلة التي فرضت عليها من قبل حكومة صدام المدعومة من الغرب, وليس أكثر اهمية حاليا الا السكون والانتباه المركز للاحداث, ولكن نظراً لشعورهم الدائم بانعدام الأمن بوجود تجمع لجيوش الغرب في المنطقة، وتطور أساليب الحروب, فإن القادة الإيرانيين يدركون تماماً المخاطر الكامنة في وضعهم الحالي, مع صدمة انهيار أحد الحلفاء المهمين.