مجتمع

تأثير الثقافة القيادية على الاندماج الاجتماعي

تأثير الثقافة القيادية على الاندماج الاجتماعي

الناس لم تعد تألف الصور الطبيعية، فقد غد الأمر غير مألوف؛ ذلك لشيوع ثقافة غريبة،
ثقافة غير أصيلة في المجتمع، كون المظاهر و الألوان المصطنعة غلبت على الألوان
الطبيعية الزاهية ، و حتى يستوضح الأمر أستعرض صورة من بيئة عربية قديمة وردت
تلك الصورة في السياق القرآني ، يعرض لنا ثقافة البيئة التي شغلها المظاهر و الترف و
الاستعلاء في الظهور على حياة البساطة و التناغم المجتمعي
فتأتي الآية السابعة من سورة الفرقان وهي قوله تعالى تحاكي ذلك الواقع ا:
﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ
نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً
مَسْحُوراً (8)﴾ سورة الفرقان]قد تكون لرسول صلى الله وظائف تنظيمية قيادية كونه رأس قيادة الأمة و مرشدها في أمر
الدنيا و الآخرة و مع ذلك فكل الخصائص البشرية يراعيها و يلتزم بها من باب الأسوة و
القدوة ، فيجري عليه ما يجري على البشر ، فكانت بذلك حياة رسولنا مثلا حيا و مثلا عمليا
لنا ، يمشي في الأسواق و يأكل الطعام ، بفرح كما يفرح الناس و يحزن و يتألم ، يجالس
الناس ، يحيا في بيته حياة طبيعية ، يتواصل مع الجيران ، يشارك المجتمع أفراحه و
أتراحه ، يحرص على الخدمة العامة و يعطيها حقها سواء بسواء ، يعيشه حياته طبيعيا لا
تتأثر بوظيفته التنظيمية القيادية .
فلنا أن نتأمل حياة الرسول القائد في المجتمع ، يعيش بينهم فردا من المجتمع ، لا يقبل
الإطراء و التعظيم ، يرفض المدح و مجاوزة الحد فيه ، فهو عبد الله و رسوله ، بل

يرفض أن يتميز بين جلسائه ، كونه واحد منهم ، أما أخلاقه و رفعة خلقه مع العمال و
الموظفين فهي باب للروائع .
و تزيد روعة القائد و هو يضرب أروع المثل في حسن التعامل مع الموظفين و العمال و
الخدم ، سلوك تتجلى فيه الرحمة و علو الهمة و الحكمة في الترشيد و التوجيه يكفي أن
نعود لشواهد السنة الطاهرة .
فهم القائد حل المشكلات و تقديم الحلول و تخفيف المعاناة ، يتدخل لمصلحة الخدمة ليزيل
عوائقها ، بل يجعل من توجيهه رفع وثيرة العمل و تصحيح أخطائها بالحكمة ، حكمة
تحمل المقصر على تصحيح مسار خطئه دون ما إحساس بنقص أو إهانة
تستحضرني قصة فيها حكمة و عبرة من سيرتنا العطرة .
حذر فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إهانة العمال أو ضربهم ، أو الدعاء عليهم ،
فعن أبى مسعود الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت أضرب غلاما لي ، فسمعت مِنْ
خلفي صوتا : اعلم أبا مسعود ، لله أقدر عليك منك عليه .. فالتفتُ فإذا هو رسول الله –
صلى الله عليه وسلم – ، فقلتُ : يا رسول الله هو حر لوجه الله ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم
ـ : أما لو لم تفعل للفحتك النار ـ أو لمستك النار ـ ( رواه مسلم) .
و لعل ما يغفل عليه بعض القادة إهمال أسلوب راق في التربية و التوجيه أنه يهمل خلق
العفو على التقصير ، فليس كل تقصير يحتاج منا الجلد و التقريع و التوبيخ أو إنزال أقصى
العقوبات في الوظائف الخدمية ، فلا يعامل أصحاب الأخطاء القليلة بنفس منزلة من وقعوا
في البلايا من الأخطاء التي تنسب في ضياع المال و الأرواح ، فيعامل المجد المقصر
معاملة المتهاون المتعمد ، فميزان التقييم مختلف .

 فعن العباس بن جليد الحجري قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول : (جاء رجل إلى النبي –
صلى الله عليه وسلم – فقال يا رسول الله : كم نعفو عن الخادم؟، فصمت ، ثم أعاد عليه الكلام
فصمت ، فلما كان في الثالثة قال : أعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة ) )رواه أبو داود)
و خلاصة القول : أن حاجتنا لمن يزرع ثقافة تؤثر المناحي العملية لا الاستعراض ،
حاجتنا للقدوة العملية التي تبني و تعزز القيم رحمة و الإحسان لا ثقافة الأحقاد و تصفيات
الحسابات ، حاجتنا يرزع القيم الجمالية في التعامل ، فيظهر علو همة و رفعة القائد ، و
متانة قيمه الأخلاقية ، حاجاتنا لقيادة تحترق من أجل إدخال سرور على المجتمع ، ترفع
الغبن و الظلم على المقهورين ، حاجتنا لمن يولد ثقافة روح العمل و الابتكار و الإبداع .

الأستاذ حشاني زغيدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى