رأي

بين ثقافة الانغلاق و الاحتواء

بين الانزواء الذي يمثل العزلة و الانغلاق، و بين الاحتواء و الذوبان و سرقة
كينونة ذاتنا ، نقف بين الأمرين يشدنا فيهما الاختناق ، نصارع من أجل
الخلاص و النجاة ،في واقع تكرسه البيئة فاقدة لشروط صحتها ، بيئة تفرض
شروطها الظالمة ، إما أن تحلب في الإناء ، فتذوب و تحلل و فتصبح غرضا
تافها لا قيمة له في المحيط .

فتحرم من المزايا ، أو تحصر في الزوايا المظلمة حيث لا مكان لمن يريد أن
يتميز بخصوصيته ، و هذه للأسف الشديد من خصائص كل بيئة تفرض
شروطها الظالمة لكل من يريد أن يشم الهواء النقي ، لكل من يريد أن يعيش
متناغما مع ذاته، متناغما مع أهدافه ، متناغما مع طموحاته و استعداداته ،
متناغما مع قيمه التي يؤمن بها التي اختارها بحرية ، كونه إنسان حر .

في مثل هذه البيئة نقف بين أمرين أحلاهما مر ، إما أن نفرض على أنفسنا
الهروب و الاختباء و الانعزال السلبي القصري ، فنحرم أنفسنا لذة الحياة
الطبيعية التي يعيشها الأسوياء ، فنحرم ذواتنا متعة إثبات جدارتنا و خيريتنا، كما
نحرم أنفسنا متعة المشاركة الإيجابية مع غيرنا في مشاريع النفع العام و هو في
نظري حرمان و ظلم كبيرين .

و إما أن نخضع لتلك البيئة الظالمة التي تفرض شروطها الجبرية على كل من
يريد أن يحلق في عالم يصوغه التنوع ، يحلق في عالم الإبداع ، يحلق في عالم
يقبل الفروق الفردية لأفراده ، فالاحتواء و الذوبان الذي يلجأ إليه الجبريون غير
مقبول في عالم الأسوياء ، فحق كل كائن أن يتمتع بخصوصيته في غير إضرار
بالآخر ، دون حجر حرية الآخرين ، يعيش الجميع في ظل ثقافة التعايش و
الاحترام المتبادل .

الأستاذ حشاني زغيدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى