قانون وعلوم سياسية و إداريةمجتمع

بين القاضي والمحامي

رزاق حمد العوادي
 
ان الغاية الاساسية للقضاء هي ضمان الحماية القانونية للناس كافة   و وسيلة القاضي في ذلك هي القواعد التي احتواها القانون بما فيها قانون المرافعات المدنية فهي القواعد التي تنظم اجراءات التقاضي امام المحكمة بدءاً من تقديم عريضة الدعوى .. والشروط الواجب توفرها .. و اين تقام الدعوى .. و في اي محكمة .. ومتى يعتبر الشخص خصماً .. وكيف تتم اجراء المرافعة .. وضبط الجلسات .. وصدور الاحكام .. و الطعن بها ( 1 )
مفهوم القضاء …
ان اسرة القضاء هي المحامي و القاضي و المدعي العام و القضاء هو العمل الذي يقوم به القاضي الناتج عن تطبيق القواعد القانونية على القضية المعروضة عليه بغية الفصل بها بصورة صحيحة وهذا الفن يستلزم دراسة النصوص القانونية والقواعد التي تحتويها ..
والقضاء بالحق من اقوى الفرائض بعد الايمان بالله وهومن اشرف العبادات
القاضي في المرافعة مقيد بالنص القانوني و باصدار حكمه على ضوءه .. لذلك لا سلطان عليه لغير القانون فهو دليله لحسم الدعوى .. و وفق المبادىء الخمسة التي جاء بها قانون الاثبات المادة ( 1 ) و المادة ( 2 ) من القانون المدني. ( 2 )
المبادىء العامة التي بنيت عليها القواعد العامة المتعلقة بالإجراءات كما رسمها قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 و هي :-
1- الموقف السلبي للقاضي .. و هو الاصل ان المحكمة موقفها سلبي في تحقيق الخصومات .. بمعنى انها تتلقى هذه الادعاءات كيفما يتلوها الخصوم فلا تناقش غير المستندات و الاسانيد القانونية التي تعرض عليها .. و ليس لها ان تشير الى مواطن الضعف او الاخطاء في الدفاع .. و ان طالب احد الخصوم لإثبات دعواه عليه ان يطلب ذلك من المحكمة .. غير ان ذلك لا يحول دون تدخل المحكمة في بعض الحالات فيما يتعلق بالإجراءات او النظام العام او مصلحة العدالة ..
و فضلاً عن ذلك فان للمحكمة حق مقرر بنصوص صريحة في انها تأمر من تلقاء نفسها ما تراه لازماً لتكوين قناعها و اجراء اية تحقيقات وفقاً للمادة ( 2 ) من قانون الاثبات.
2- حرية الدفاع و المناقشة هي ايضاً من المبادىء الاساسية في المرافعات و وجوب حصول الاجراءات بمواجهة الخصوم.
و هذا المبدأ يسود جميع انواع المحاكمات المدنية و الادارية و الجزائية و الانضباطية وفقاً للمادة ( 19/4 ) من الدستور.
غير ان مبدأ و جاهة المحاكمة و مناقشة الادلة لا يحول دون محاكمة احد الخصوم بالصورة الغيابية بعد تبليغه بالأوراق و موعد المحاكمة و تخلفه عن الحضور و يبقى له حق الاعتراض عليه وفقاً للمادة ( 177 ) مرافعات.
3- علانية المرافعة و العلانية مبدأ اساس في المرافعات و قد تحدثت المادة 61 بهذا الموضوع.
4- شفوية المرافعات : تعني ان المناقشة في القضية و التحقيقات تكون بالمشافهة لا بالكتابة لكن و من خلال المرافعات التحريرية فانها ادق و اضبط من الشفهية و قد اجمعت المادة ( 59 ) من قانون المرافعات المدنية بهذا المبدأ. ( 3 )
فن القضاء و العمل القضائي
العمل القضائي مهمة مقدسة ينهض بها القضاء من لحظة ارتداء الكسوة القضائية و الجلوس على منصة القضاء بحيث يصبح انسان جديد .. ذا فكر و شعور جديدين و على مستوى من الكفاءة و العلم و الخلق عما كان عليه قبل توليه القضاء ..
فالحكمة و الصبر و الاصغاء لكل ما يقال في الدعوى و المعالجة الشاملة و العادلة ..
لان العمل القضائي لا يقوم فقط على معرفة القانون بل هو اعمق و اشمل من ذلك ..
انه اعطاء المشكلة حل عادل .. (( اذ ان القانون لا يتضمن كل الحق فالعدالة الحقة هي التي تؤدي الى انتصار الحق بواسطة القانون م ( 1 ) من القانون المدني.
فن القضاء ..
يستوجب ان تمر الدعوى بالمراحل التالية :
1- مرحلة وقائع الدعوى بعد ثبوتها وفقاً لقانون الاثبات المواد ( 1 ) و ( 2 ) و ( 3 ) و ( 10 ) و ( 17 ).
2- مرحلة التكييف القانوني لهذه الوقائع.
3- مرحلة تطبيق القانون و مفهوم القانون الوارد في المادة ( 1 ) مدني.
4- الاثار الانسانية و الاجتماعية للحكم
اذاً مرحلة وقائع الدعوى و تحديد نقاط النزاع بين الاطراف سواء بوقائع مادية او قانونية . و ملاحظة عريضة الدعوى و مناقشة الخصوم و دراسة لوائحهم مع ملاحظة نقاط النزاع في الدعوى هي المهمة المقدسة للقضاء.
و ان التفكير القضائي للقاضي يجعل منه ان يركز جل اهتمامه على نقاط النزاع و مشاكل حلها و لقد ارشدنا قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 و قانون الاصول الجزائية رقم 23 لسنة 1971 الى الاجراء ( الواجب اتباعها منذ بداية الدعوى حتى صدور الحكم لان القاضي يبدأ اولاً بمشاكل الدعوى و نقاط النزاع فيها ثم يبدأ بحل كل مشكلة بقرار يصدره القاضي قبل صدور الحكم الحاسم في الدعوى و بعد اثبات مصدر الحق او محل الاثبات و ما يطلق عليه الواقعة القانونية كونها هي المصدر القانوني الذي أنشأ الحق سواء كان تصرف قانوني او عملاً مادياً.
( 4 )
القاضي و انواع القرارات التي يتخذها
يتخذ القاضي عند سير الاجراء في المرافعات عدة قرارات لتسهيل حسم الدعوى .. منها مثلاً تكليف المدعي برفع التناقض في دعواه .. او عدم ابراز المستندات او يقرر اجراء الكشف بواسطة الخبراء .. او جعل الدعوى و اعتبارها مستأخرة لحين البث في موضوع اخر يتوقف عليه حسم الدعوى .. او كان يطعن الخصم بالتزوير في سند له علاقة بموضوع الدعوى و اجراء التحقيق.
ان قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 لم يحدد القرارات التي يجوز للقاضي اتخاذها لحسم الدعوى بخلاف قانون المرافعات السابق الذي قسم هذه القرارات ( قرار اعدادي او المؤقت و القرار القطعي و ترك الموضوع الى رأئي القاضي وفقاً للمواد م ( 2 ) من قانون الاثبات و المادة ( 7 ) اثبات و المادة ( 10 ) و ( 17 ) قانون الاثبات. ( 5 )
عبأ الاثبات ..
كقاعدة عامة فأن عبأ الاثبات في المسائل المدنية يقع على المدعي وفقاً للمادة ( 7 ) اثبات ( البينة على من ادعى و اليمين على من انكر ) ..
اما في المسائل الجزائية فأن عبأ الاثبات يقع على المشتكي و الادعاء العام .. لان القاضي محايداً بين هذه الاطراف.
و عليه فأن اثبات الدعوى يكون باقامة الدليل على حقيقة واقعة قانونية صدرت من احد اطراف الدعوى بعد انكار الطرف الاخر .. و اقامة الدليل لإثباتها ( لان الاصل براءة الذمة م ( 6 ) اثبات ) ( و لان المدعي هو من يتمسك بخلاف الظاهر و المنكر من يتمسك بابقاء الاصل م ( 7 ) ثانياً اثبات).
و القاضي و لغرض اصدار حكمه في الدعوى يكون مقيداً بالأدلة المعروضة من قبل طرفي الدعوى و التي تم عرضها علناً في المرافعة او تقدموا بها بلوائح و ليس كدليل لم يقدم من احد .. و ليس للقاضي ان يحكم بعمله الشخصي .. م ( 8 ) اثبات.
و قد اورد قانون الاثبات رقم ( 107 ) لسنة 1979 انواع الادلة .. و هي بالأحرى نقاط الارتكاز التي يستند اليها الحكم الذي يصدره القاضي. ( 6 )
ختام المرافعات ..
ان المادة ( 156 ) من قانون المرافعات المدنية اشارة الى ان الدعوى اذا تهيأت لإصدار الحكم تقرر المحكمة ختام المرافعة .. و تصدر حكمها في موعد اخر لا يتجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ تفهيم ختام المرافعة .. كما ان المادة ( 157 ) تجوز للمحكمة بعد ان تقرر ختام المرافعة ان تسمع توضيحات من احد الخصوم الا بحضور الخصم الاخر و لا مذكرات و لا مستندات الا بحضور الطرفين.
و قد يحدث أحياناً ان تقرر المحكمة ختام المرافعة و عند كتابة القرار يستجد في ذهن القاضي وقائع او مسائل لا زال يكتنفها الغموض او عدم التحديد .. فعلى القاضي في هذه الحالة ان يقرر اعادة فتح المرافعة مجدداً و هذا ما اشارة اليه المادة ( 157 ) من قانون المرافعات. ( 7 )
إجراءات اصدار الحكم … و تسبيب الاحكام
وفقاً للمادة ( 161 ) من قانون المرافعات فأن منطوق الحكم انه يتلى علناً بعد تحرير مسودته و كتابة الاسباب الموجبة و يعتبر الطرفان مبلغين به تلقائناً اذا كانت المرافعة قد جرت حضورياً.
و ينظم بعد مرور 15 يوماً اعلام تبين فيه المحكمة الحكم الذي اصدرته و تاريخ اصداره و اسماء الخصوم و موجز ادعاءات الخصوم و دفوعهم و ما استند اليه من وقائع و حجج .. و القرارات التي سبق صدورها .. و منطوق الحكم و ما بني عليه من علل و اسباب و المواد القانونية و فق المادة 162 مرافعات.
( 8 )
الدور الفاعل للمحامي للوصول الى الحكم العادل
المحاماة ليست حرفة و ليست تجارة لان المحاماة فن نبيل من فنون القضاء تقوم على تقوى الله و نقاوة الضمير و تهدف الى حماية الحق و دفع الظلم و نصرة العدل و كفاءة المحامي تنطلق من الايمان بالنفس و الايمان برسالة المحاماة و عدالة القضاء و المحاماة هي فن و العنصر الاساسي الذي ينبغي توفره في المحامي هو العلم بالقانون و المتابعة المستمرة و ان عمل المحاماة لا تستقيم الا بالاخلاق و الاخلاق هي من سمات المهنة ( و انك لعى خلق عظيم ) و المحاماة امانة و نبل و قيم انسانية يتصف بها من ينهض بهذه المهمة المقدسة.
ناهيك عن اداب مهنة المحاماة لانها جليلة القدر لجلال رسالتها لذك من يزاولها ان يكون جديراً بحمل لقب محامي و التقيد بها سلوكاً و تصرفاً سواء كان امام المجتمع في تصرفه او امام الهيئات القضائية و احترام قدسية القضاء لأنها من مستلزمات قدسية المحاماة.
لذلك المرافعة هي خطاب و اظهار للحقيقة و لا بد من اعداد هذه المرافعة تكون من خلال دراسة اوراق و مستندات الدعوى بصورة متأنية و الاسس الموضوعية و الشكلية للدعوى و الرجوع الى قرارات المحاكم و البحث في نصوص القانون.
لذلك تتطلب المرافعة لاقناع المحكمة بالدليل القاطع و ان تكون الالفاظ سهلة و موجزة مع قوة الدليل .. و ان تتصف بالبساطة و السهولة و الوضوح .. مع الاحترام المطلوب للمحكمة لان القضاء ( ساحة عدل لاحقاق الحق ) لذلك يتطلب الامر :
1- الايجاز في المرافعة حتى لا تتشتت افكاره و افكار القاضي في تتبع القضية.
2- ان تكون معززة بالادلة كما رسمها قانون الاثبات.
3- ان تكون معززة باللوائح الجوابية و التفسيرية وفقاً لنصوص القانون الذي يحكم الواقعة و كثيراً من الاسس القانونية لا يتسع المجال لذكرها .. ( 9 )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى