تعاليقرأي

بعض الأخطاء لا تُحتمل

**

رشيد مصباح (فوزي)

من منّا من لم يُخطِئ في حياته أبدا؟

لا أظنّك ستجد من يقول لك ” لم أخطئ ولو مرّة في حياتي”.

الكمال لله والعصمة لأنبيائه؛ الأنبياء هم وحدهم المعصومون، ونحن لسنا أنبياء نتلقّى الوحي من رب الأرض و السّماء، من لدن حكيم عليم، كما أنّنا لسنا أجهزة مبرمجة لا تخطأ ولا يجب أن تخطأ وإلّـا استوجب ترقيعها وترميمها أو رميها في القمامة في الحالة المستعصية. فالخطأ بشري إنساني؛ كما جاء ذلك على لسان بعض الفلاسفة والمفكّرين.

هناك من لا يخطأ؛ وليس بالنّبيّ ولا بالمعصوم؟ا

الذي لا يعمل ولا يحاول أن يعمل؛ الذي لا يكدّ ولا يجتهد. أنّى له أن يُخطئ؟

لكن الأخطاء لا تشبه بعضها؛ فهناك أخطاء بسيطة وعفوية يمكن قبولها، والتماس العذر لأصحابها، و أخرى متعمّدة و مغرضة، لا يمكن اصلاحها. كما أن الأخطاء تختلف في حدّتها وطبيعتها بين الإنسان وغيره من المخلوقات. وبالتجارب والتفكير يمكن تقليل الأخطاء مهما بلغت حدّتها وخطورتها؛ كما أثبت العالم الروسي”بافلوف” ذلك من خلال تجاربه العديدة التي أجراها على بعض الحيوانات. فالخطأ ينم عن قلّة خبرة وتجربة في الغالب. لكن هذا لا يعني نفي عنصر مهم وهو نيّة التصحيح. وإلّـا بقي صاحبها ملازما لمكانه.

ارتكبتُ أخطاء جمّة في حياتي، منها الكبير ومنها الخطير، ومنها دون ذلك. وأمّا عن الأسباب فهي عديدة ومتنوّعة، نقص الخبرة وقلّة التجربة هما من بين أهم الأسباب في ارتكاب الأخطاء الجسيمة التي اقترفتها. لكن بعض الأخطاء من التي نرتكبها عادة لها علاقة بالعادات والأعراف؛ التي لا هي بالكتاب المنزّل والمنزّه، ولا بالقانون الوضعي الذي يتطلّب احترامه؛ عادات غبيّة وسيّئة تلقي بصاحبها في أتون جهنّم والعياذ بالله. توارثناها “أبا عن جدّ”، وتمّ تبنّيها بصورة عمياء ليس للمرء رأي فيها، ولا مجرّد تفكير: “خطّ أحمر”؛ عبارة عن “طوطم” أو “تابو” من التابوهات التي لا يمكن تجاوزها.

ومن الأسباب أيضا التي لها يد مباشرة في الأخطاء، البعد عن الرّقابة. لذلك تجد المراهقين؛ خاصّة في المجتمعات اللّيبراليّة الغربية، هم أكثر شرائح المجتمع عرضة للأخطاء. ولأنّ الحريّة، الفردية والجماعية، في بلاد الغرب مقنّنة وتعتبر أكثر من مقدّسة. و تجد نسبة الانحرافات فيها مرتفعة جدّا، وكذلك الأمر بالنسبة للطّلاق.

يمكن التكفير عن بعض الأخطاء بالتوبة و الغفران، لكن هناك أخطاء قاتلة لا يمكن غفرانها، و فادحة يدفع المرء ثمنها غاليا، ولا ينفع معها توبة ولا اعتذار؛ ولكل منّا نصيبه منها. وكلما أردتُ تجاهلها أجدها إمّا خلفي تطاردني، وإمّا أمامي تحول بيني وبين الشعور بحلاوة التّوبة والإيمان؛ الأمر أشبه ما يكون بحادثة عشتها رفقة صديق معروف بطيشه:

ـ “أردنا الاحتفاء بالشهادة الابتدائية، فقمنا بسرقة قطار البضائع الذي يحمل الحديد الخام من منجم الونزة إلى مصنع الحديد والصلب بمدينة عنّابة؛ ولا داعي لذكر تفاصيل المغامرة وما عانيناه من مطاردة وتنمّر في كل محطّة يتوقّف فيها القطار.. لكن الأهم من كل ذلك هو ما قام به صديقي الذي أراد قضاء حاجته فانساب كالحيّة في المياه حتى غاب عن الأنظار، وبقيتُ انتظره في الشاطيء لأنّني أخشى البحر، وظهر بعدها فجأة وهو يلوّح بإحدى يديه ويصرخ بأعلى صوته يحاول جذب انتباهي إليه وهو يفر من برازه الجاف الصلب الذي يطفو كقطعة خشبية فوق الماء، يتبعه، كأنّه يتقفّى أثره أو يطارده، من المكان الذي جاء منه في عرض البحر.

ويذكّرني ببعض الذّنوب التي يعتقد المرء أنه قد تخلّص منها، بينما هي تطارده من مكان إلى مكان. فالله نرجو منه أن يرزقنا توبة نصوحة والإخلاص في العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى