رأي

انف الحكومات

انف الحكومات يوسف المحسن كاتب، روائي

لاادري ، متى يدرك صانعو القرار الاقتصادي العراقي بأنهم يسيرون في الطريق الخاطيء ،لقد اثبتت المئة عام الماضية إن انف الحكومات يجب ان لا يدس في جميع مفاصل الحياة لانه يربكها ويقودها الى الوراء
فالمشاكل الاقتصادية التي مر ويمر بها العراق هي وليدة غياب الستراتيجية الاقتصادية الصحيحة والواضحة ،وبالتالي فإن شكل النظام الاقتصادي والتوجه الاقتصادي العام ما زال غائبا او مغيبا لاسباب كثيرة تتدخل فيها ارادات سياسية
واجتماعية واقتصادية داخلية كانت ام خارجية ، إن وجود اموال احادية المصدر في خزينة الدولة توزعها في بداية العام على قطاعات الحياة المختلفة وفق آليات تخضع لرغبات سياسية غير محترفة اقتصاديا ومتناحرة لايعني وجود نظام اقتصادي او سياسة اقتصادية او هوية اقتصادية ،وانما يعني ان الحكومة تحولت الى صندوق محاسبي لصرف الرواتب فقط ، وهذه ليست وظيفة رئيسية للدول المتقدمة اقتصاديا ، إن اصرار الحكومة العراقية بوزاراتها وتشكيلاتها وخبرائها وحكوماتها المحلية على ان تمتلك مرآبا متعدد الطبقات لوقوف السيارات ومطاحن ومعامل سمنت ومحطات كهرباء وبدالات اتصالات ارضية ومحال في سوق الهرج وغيرها من الممارسات التي ترهق الميزانية العامة وتنال من حصة ودور القطاع الخاص لهي من الممارسات الاقتصادية السيئة والتي تسعى للتحكم بالاقتصاد واصوات الناخبين بعيدا عن الوصول الى الرفاه الاقتصادي المنشود ، ان قيام السياسيين بدس انوفهم في الصغيرة والكبيرة ضمن عجلة اقتصاد الدول يفتح الباب امام الفساد الاداري والمالي فكلما ازداد معدل مساهمة القطاع العام في ادارة الاقتصاد تمكن المفسدون من الدخول عبر شبابيك الموظفين الحكوميين المحاطين بنظام محاسبي وتدقيقي تخلت عنه الدول المتقدمة من العام اثنين وستين وتسعمئة والف ،وللبرهان على ان اداء القطاع العام مكلف وليس بجدوى اقتصادية او لايحمل انتقال نوعية يمكن ان نتعرف على تجارب حكومية ونقارنها بالقطاع الخاص ، إن دائرة اتصالات محافظة ما تمتلك خمسة عشرة بدالة بريديةة في اقضية ونواحي المحافظة وتمتلك وبدون حسد الفي موظف بين كوادر هندسية وفنية وادارية وامنية وهي تحتاج لميزانية شهرية تتعدى الملياري دينار شهريا بين كلف تشغيل ورواتب وتصليح وادامة ووصولات لجان الصرف وعندما تتعطل بدالة هاتفية فإن الكتابنا وكتابكم تعمل ليل نهار في وصف البرغي الذي خرج عن مكانهوكيف إن الكوادر الهندسية والفنية قد واصلت الليل بالنهار من اجل القضاء على هذا الخرق الكبير في عمل المنظومة الهاتفية وتتقاطر كتب الشكر والمكافآت والايفادات وعمليات اعادة تدريب الكوادر المتخصصة في الخارج و و و و و ….. وعندما تأتي الى الخدمة الهاتفية الارضية تجدها متخلفة تماما عن اي دولة اخرى بالعالم . وبالجهة الاخرى تجد ان شركات الهاتف النقال التي تدفع للخزينة العامة اموال طائلة فإنها تدار في ذات تلك المحافظة من قبل ستة او سبعة موظفين وتقدم خدمات جيدة للمشتركين وسريعة وهما مثالان يؤكدان ان انف القطاع العام لابد ان لايدس في اختصاصات القطاع الخاص ..
وهناك ايضا قطاع آخر من بين قطاعات يمكن ان نقارن به بين الاداء الحكومي واداء القطاع الخاص وهو الكهرباء فمن اعوام لم تحل ازمة الكهرباء لان السياسين وقعوا فريسة اراء الفنيين والمهندسين الذين يصرون على اعادة تأهيل الجثث لمحطات التوليد لمجرد انهم يريدون مكانا في العراق الجديد وهي ابواب واضحة للفساد المالي ، ومن خلال اعطاء بعض الدور للقطاع الخاص حل جانب من مشكلة الكهرباء وان كانت المولدات الاهلية ليست حلا لكن دخول الشركات الكبرى كمصنع وموزع وجابي من المواطنين هو الحل الصحيح لان الشيطان يكمن في التفاصيل والفساد يكمن في بعض موظفي القطاع العام .
واذا عرفنا ان ميزانية قطاع الكهرباء تصل الى عشرة مليارات دولار سنويا بينما في حال السماح للشركات بأن تدخل في قطاع الكهرباء فإنها سوف تعزز الميزانية العامة بثلاثة او اربعة مليارات دولار سنويا كرسوم وضرائب وفرص عمل مع حصول المستهلكين على تيار كهربائي مستمر وغير متذبذب .
وللتاكيد ايضا يمكن الاشارة الى قطاع حياتي آخر اثبت به القطاع العام فشلا بينما حقق القطاع الخاص نجاحا به في كل التجارب الاقتصادية العالمية وهو القطاع الصناعي فالمعامل الحكومية في الاعم الاغلب مكلفة وغير رابحة وليست بمواصفات انتاجية منافسة نتيجة البيروقراطية الادارية وعدم قدرتها على الدخول في ميدان التنافس وخضوعها للاهواء السياسية والعطل الرسمية وغير الرسمية بينما مثيلاتها في القطاع الخاص متطورة ومقننة وذات انتاج عالي الكفاءة وسط اجواء المنافسة ، فكلفة انتاج قميص عراقي في معامل الخياطة الحكومية تتجاوز اضعاف اضعاف القميص المنتج في القطاع الخاص او المستورد وطن السمنت في القطاع العام يكلف اضعاف مثيله في القطاع الخاص ناهيك عن عدم جودته بالمقارنة مع المنتج الخاص ، وفي القطاع الصحي فإن جيش وزارة الصحة العراقية غير قادر على شراء حبة دواء في المستشفيات على الرغم من ان ميزانية الوزارة تصل الى خمسة مليارات دولار سنويا وبالنتيجة فإن الارقام الوهمية هي التي تتحدث عن معالجة كذا مليون حالة فيما يعتمد العراقيون على القطاع الخاص وعياداته في العلاج ، اليس من الاجدى ان تعود مبالغ وزارتي الصحة والصناعة الى الخزينة العامة واعطاء القطاع الخاص دوره واكتفاء انف الحكومة بالمراقبة فقط خاصة وان القطاع الخاص في الميدانين الصحي والصناعي سوف يدفع ضرائب ورسوم الى الخزينة العامة وسوف يشغل ايدي عاملة بأجور جيدة وسوف يوفر الخدمة الحقيقية للمستهلك او المواطن .
إن اعطاء القطاع الخاص دورا حقيقيا في ادارة الاقتصاد يرفع ميزانية الدول الى اعلى المستويات ويحجم الفساد الاداري ويوفر خدمات متطورة ويبعد السياسيين عن التحكم بأصوات الناخبين عبر الوظائف العامة ويفتح اجواء جديدة امام اختصاصات الدولة الحقيقية والحصرية وهي حفظ الامن والسيادة وتطبيق القوانين اما ان تحتفظ الحكومة بمهمة ادارة كراج او ميناء او سياقة قطار فماذا نترك للزعاطيط وعلى المنظرين الاقتصاديين ان يكفوا عن خداع السياسيين بمشورات اكل عليها الدهر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى