أحوال عربيةأخبار العالمأمن وإستراتيجية

انعكاسات حرب أوكرانيا على حالة التسلّح الروسية في الشرق الأوسط

أحمد عليبه

مع حلول الذكرى الأولى للحرب الروسية الأوكرانية، في 24 فبراير 2023، تعكس عملية التقييم الأولية الخاصة مؤشرات محبطة لحالة التسلح الروسية في الشرق الأوسط، ومن مظاهر ذلك تراجع حجم صفقات التسليح الروسية إلى الإقليم، وتجميد أغلب الفاعليات الرئيسية الخاصة بالتعاون العسكري بين روسيا والعديد من دول الإقليم، وهو ما يشكل نتيجة سلبية للطرفين، فروسيا تخسر تدريجياً مكانتها كثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، بالنظر إلى أن الشرق الأوسط كان يمثل لها سوقاً رئيسية كان يقترب من الاستحواذ على نصف صادراتها من الأسلحة، إضافة إلى انعكاسات الحرب على تقليص حجم الانتشار العسكري الروسي، وبالتبعية تقليص نفوذ موسكو. وعلى الجهة الأخرى، فَقَدَ العديد من مستوردي الأسلحة في الشرق الأوسط ميزة هامش تنوع مصادر التسليح في المرحلة الحالية.

على مدار عقدين من الزمن وتحديداً منذ بداية الألفية الجديدة سعت روسيا إلى أن تكون طرفاً رئيسياً في معادلات التسلح في الشرق الأوسط، لاعتبارات عديدة لعل أبرزها أن المنطقة تمثل بشكل مستمر سوقاً متنامية لمبيعات الأسلحة، إضافة إلى مساعي روسيا تعزيز نفوذها السياسي في الشرق الأوسط كلاعب دولي عائد إلى الساحة مجدداً. وفي المقابل لذلك فإن العديد من الدول في الشرق الأوسط سعت إلى التعاون العسكري مع روسيا للاستفادة من استراتيجية تنويع مصادر السلاح، وفي هذا الإطار تنامت مبيعات السلاح الروسية، ومبادرات التعاون العسكري مع الشرق، ومع ذلك لم تعكس مؤشرات التسلح أن روسيا يمكن أن تكون منافساً للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمصادر للتسليح في الشرق الأوسط.

إلا أنّ طموح روسيا على هذا النحو تعثر مع الاصطدام بمحطتين؛ الأولى تمثلت في اندلاع ما يسمى الربيع العربي، والإطاحة بأنظمة كانت وثيقة الصلة استراتيجياً بروسيا، لا سيما في ليبيا وإلى حد ما في اليمن. حيث تشير تقارير دولية إلى أن روسيا ربما خسرت صفقات تسلح بقيمة تتراوح ما بين 14- 15 مليار دولار نتيجة الإطاحة بكل من الرئيس اليمني على عبد الله صالح والعقيد الليبي معمر القذافي. وفي الموجة الثانية للربيع العربي تمت الإطاحة بالنظام السوداني الذي كان قد دخل في علاقة تعاون عسكري ربما أوسع مع موسكو لا تتعلق فقط بصفقات الأسلحة، ولكن أيضاً بتواجد عسكري روسي في الساحل الشرقي للسودان.

ومع ذلك استدارت روسيا لتعويض ذلك ببدائل أخرى، حيث تكشف تقارير التسلح الرسمية الروسية في عام 2015 أن موسكو أبرمت تعاقد تسلح مع 23 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان من أبرزها مع الجزائر والعراق ومصر، بما يعادل 36 % من إجمالي المبيعات الروسية. كما حققت روسيا قفزة أخرى مع بلوغ حجم استحواذ تلك الدول على أكثر من 48% من حجم صادرت الأسلحة الروسية عام 2017 بلغت قيمتها 15 مليار دولار تقريباً.

وجاءت الصدمة الثانية مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أخذت المؤشرات الخاصة بمبيعات الأسلحة في الهبوط التدريجي، علماً بأنها كانت قد تراجعت بنسبة 10% للشرق الأوسط (من إجمالي التراجع العام بـ 3%)، قبل الحرب متأثرة بفعل جائحة كورونا وفق تقديرات معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI ما بين عامي 2020 – 2021. فيما قال رئيس فرع تصدير الأسلحة في روسيا إن إجمالي عائدات تصدير الأسلحة الروسية من المرجح أن يتراجع بنسبة 26٪ تقريباً خلال عام 2022 مقارنة بعام 2021. وفي حين أن روسيا تمكنت من امتصاص الصدمة الأولى التي تسببت فيها الاضطرابات في الشرق الأوسط، إلا أنه لا يزال من الصعوبة بمكان تفادي تداعيات الصدمة التي شكلتها الحرب الروسية على أوكرانيا بسهولة على الأقل في المدى القريب وربما المتوسط.

تفسيرات التراجع

وفيما ترجع العديد من تقارير التسلح مؤشرات التراجع الحاد إلى موقف القوى الغربية ولا سيما الولايات المتحدة من ممارسة نوع من الضغوط على حلفائها وشركائها في الشرق الأوسط لوقف وارداتهم من الأسلحة الروسية بسبب الحرب، إلا أن هناك العديد من الدوافع الأخرى، ربما تتعلق بروسيا ذاتها، ووضعها خلال الحرب أكثر مما يمكن توقعه من الإشارات الخاصة بالموقف الأمريكي الخاص بتوفير بدائل أمريكية للشرق الأوسط، عوضاً عن الأسلحة الروسية، ومن بين هذه الأسباب:

1- تنامي الطلب الداخلي في روسيا على الأسلحة: لا شك أن خوض روسيا الحرب في أوكرانيا رفع من مستوى الطلب المحلي على الأسلحة بدلاً من تصديرها إلى الخارج. وعلى الرغم من أن مؤشرات مبيعات الأسلحة الروسية إلى الشرق الأوسط تشير بشكل رئيسي إلى أن أغلب تلك المبيعات تتعلق بالمقاتلات الجوية وأنظمة الدفاع الجوي، بينما يبدو الطلب أقل على مبيعات الدبابات، في حين تعد الأخيرة هي السلاح الرئيسي الذي يستخدم في الحرب في أوكرانيا، لكن تحتاج روسيا أيضاً إلى كم أكبر من منظومات الدفاع على الساحة الأوكرانية، بالإضافة إلى منح أولوية لإنتاج المزيد من الطائرات خاصة الهليكوبتر في مرحلة الحرب مثل KA52، وهي من الطائرات التي كان عليها طلب في الشرق الأوسط، وتنتج منها روسيا حوالى 15 طائرة في العام، وتشير تقارير التسلح الدولية إلى أن موسكو لا يمكنها تصديرها بل على العكس تحتاج إلى زيادة التصنيع بمقدار 10 طائرات منها في العام لتلبية الاحتياجات الحالية. كذلك أشار تقرير لصحيفة “إزفيستيا” الروسية في (يناير 2023) إلى أنه بسبب الحرب سيتم تقليص حجم الصادرات نتيجة تنفيذ الشركات المتخصصة في الصناعة العسكرية أوامر وزارة الدفاع، وأن أنواع الأسلحة التي من المفترض شحنها إلى البلدان المستوردة ما بين 2024 و2025 ستسلم بدلاً من ذلك إلى القوات الروسية في العام الجاري.

2- تزايد العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا: أثرت العقوبات التي فرضتها القوى الغربية على روسيا أيضاً في تراجع مبيعات الأسلحة إلى الشرق الأوسط، بالنظر لأكثر من عامل، منها -على سبيل المثال- تقويض الولايات المتحدة لأنظمة التحويل الخاصة بقيمة الصفقات إلى روسيا والعقوبات التي فرضتها على البنوك الروسية، ونظام سويفت، في حين أن البدائل الروسية مثل التسويات المالية بالروبل، لا يبدو أنها يمكن أن تفي بالغرض، وهو ما يظهر في كل من مؤشرات الصادرات والواردات على حد سواء، وكأحد المؤشرات في هذا الصدد تراجعت مبيعات أسلحة Rosoboron export التي تحتكر تجارة الأسلحة بمقدار 2 مليار دولار خلال العام الأول للحرب (من 11 – إلى 13 مليار دولار)، في حين أن مبيعاتها المعلنة إما محلية أو عقود خارجية سبق الاتفاق عليها. وكبديل آخر ربما اضطرت روسيا إلى إبرام عمليات مقايضة، كما هو الواقع مع إيران، التي قدمت لها ثلاثة أنواع من الطائرات دون طيار (شاهد 136، 121، مهاجر 6) بالإضافة إلى صواريخ، وفي المقابل تضمن الاتفاق بيع موسكو مقاتلات SU-35 لطهران للحصول على الأسلحة الإيرانية كنوع من المقايضة.

3- تزايد التحديات اللوجستية لقطاع الصناعات العسكرية الروسية: وهي أيضاً تحديات متنوعة، ما بين التحديات التي تواجه عمليات نقل الأسلحة إلى الخارج، ولا يمكن اعتبار أن عمليات النقل متوقفة تماماً لكنها تباطأت إلى حد كبير. لكن التحدي الأكبر الذي طال قطاع التصنيع العسكري من هذه الزاوية، يتمثل في أزمة التكنولوجيا التي تواجهها الصناعات العسكرية الروسية في ظل القيود الغربية التي تقوض وصول الرقائق الإلكترونية إلى روسيا. وعلى الجانب الآخر، فإن روسيا كانت تستفيد من مبيعات قطع الغيار وعمليات الصيانة في مرحلة ما بعد البيع للأسلحة، بينما أدى اندلاع الحرب إلى خسائر كبيرة في هذا الجانب، كما يخشى المستوردون حول العالم وفي الشرق الأوسط من تأثير قدرة روسيا على الحركة للقيام بهذا الدور بالشكل المطلوب.

تقويض الطموح

قلصت الحرب الروسية الأوكرانية من حجم الانتشار العسكري في الشرق الأوسط، كما قوضت طموحات روسيا في المزيد من عمليات الانتشار، بالإضافة إلى سحب بعض الأسلحة الروسية والمقاتلين من بعض المناطق، وهو ما يمكن تناوله في السياق التالي:

1- تراجع الانتشار البحري في البحرين الأحمر والمتوسط: فقبل أن تندلع الحرب، ومع انخراط روسيا في الحرب السورية، تمكنت من بناء قاعدة بحرية في السواحل السورية، كقاعدة للانطلاق في شرق المتوسط، حيث ركزت انتشارها البحري في البحر الأسود بشكل رئيسي، وفي البحر الأحمر أيضاً كانت روسيا تطمح إلى بناء قاعدة بحرية في السودان، وخطت العديد من الخطوات في الاتفاق مع الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ومع الإطاحة بالبشير في الاحتجاجات الشعبية في أبريل 2019 تضاءلت الفرص تدريجياً في تنفيذ هذا المشروع، لكن من المتصور أن اندلاع الحرب في أوكرانيا دفع روسيا إلى تأجيل هذه المشروعات لأجل غير مسمى. وفي الوقت الذي تتهم فيه روسيا الولايات المتحدة بالضغط على السلطة الانتقالية في السودان لإلغاء المشروع البحري الروسي بالأساس، تشير تقديرات غربية أخرى إلى أن معاناة روسيا اقتصادياً هو الدافع الفعلي لتأجيل روسيا المشروع في ظل اتجاه خفض النفقات الخارجية.

2- تقليص حجم القوات الخارجية وسحب المعدات العسكرية: بحلول المائة يوم الأولى للحرب الروسية في أوكرانيا، كشفت تقارير للبنتاجون أن موسكو اضطرت في نهاية شهر مايو 2022 إلى القيام بأكبر عملية سحب لقواتها من سوريا وإعادة إرسالهم إلى أوكرانيا، وشملت عملية تقليص قواتها الخارجية أيضاً سحب العديد من العناصر التابعين لشركة “فاغنر” الروسية من سوريا وليبيا، بالإضافة إلى سحب العديد من الأسلحة، كان من أبرزها ما كشفت عنه تقارير إسرائيلية في أغسطس 2022 بأن موسكو اضطرت إلى سحب منظومة S-300 من منطقة مصياف غرب سوريا وإعادتها إلى روسيا لنشرها في سواحل منطقة شبه جزيرة القرم ضمن خطة لسد ثغرات الدفاع الجوي هناك.

3- تغير برامج الأنشطة والفاعليات العسكرية المشتركة: كان لدى روسيا العديد من الأنشطة والفاعليات العسكرية مع العديد من الدول في الشرق الأوسط، وكان من بينها مناورات تتم مع مصر والجزائر بالإضافة إلى سوريا وإيران. وبالفعل، أجرت روسيا واحدة من أكبر مناورات العسكرية البحرية والجوية في سوريا قبل اندلاع الحرب بنحو أسبوع، لكن بعد اندلاع الحرب كان من المقرر أن تجري روسيا مناورات لمكافحة الإرهاب مع الجزائر في قاعدة “حماقير” جنوبي البلاد، إلا أنه تم الإعلان عن تأجيلها ثم إلغائها، في حين أعلن عن القيام بمناورة بحرية في أكتوبر من العام ذاته لكن لم يتم الإعلان عن البيان العملي للمناورة. على الجانب الآخر، ومع ذلك شارك كل من الجزائر وسوريا وإيران في مناورة “فوستوك” 2022 التي أُقيمت في روسيا (سبتمبر 2022).

تأثيرات حادة

في الأخير، يمكن القول إن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية أفرزت تأثيرات حادة على علاقات موسكو بالشرق الأوسط فيما يتعلق بالمجال العسكري بشكل رئيسي، لتصل إلى الحد الأدنى بعد نحو عقدين من الانتعاش تقريباً، إذ جرى تجميد أغلب الفاعليات والأنشطة العسكرية المشتركة، بالإضافة إلى التراجع الحاد في مبيعات السلاح للشرق الأوسط بشكل عام، ومع ذلك ستظل تبحث عن تنمية هذه العلاقات مع الجزائر، بالإضافة إلى استمرار توظيف العلاقة مع إيران في هذا الجانب كورقة سياسية وللحصول على الدعم العسكري الإيراني أكثر من أي أهداف أخرى. ويقلص هذا الوضع من هامش فرص تنوع الأسلحة في الشرق الأوسط، خاصة في ظل ما تشكله روسيا تاريخياً من مصدر للتسلح والخبرة العسكرية للعديد من الجيوش في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى