أخبار العالمإقتصادفي الواجهة

الهيمنة الهيكلية للمركز الرأسمالي العالمي الأمريكي

حمدى عبد العزيز

زبيجينيو بيرجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق وأحد أكبر عقول الدولة الأمريكية العميقة التي لازالت افكارها تهيمن على استراتيجيات السياسة الأمريكية عبر إداراتها المتعاقبة منذ مطلع الثمانينيات وحتى تاريخه كتب في مؤلفه الأشهر (رقعة الشطرنج الكبرى) وهو بصدد استعراض مكامن القوة التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية والتي يجب أن تحافظ عليها كمرتكزات حيوية في سبيل تحقيقها حلم الإمبراطورية والهيمنة على العالم فينزع الغطاء كاشفاً عن حقيقة دور المؤسسات المالية الدولية ووظيفتها التي تدور حول مهمة واحدة هي أن تعمل كأذرع اخطبوطية متمكنة من تكريس فكرة خضوع باقي دول العالم للهيمنة الهيكلية للمركز الرأسمالي العالمي وبالتالي الرضوخ لعالم تقوده الإمبراطورية الأمريكية وتهيمن عليها لتظل هذه المؤسسات آداة للحفاظ على هذه الهيمنة والترسيخ الدائم لها ..
لنقرأ نص ماكتب زبيجينيو بيرجينسكي معلقاً الأهمية الجيوبولتيكية الأمريكية على هذه المؤسسات
يقول بيرجينسكي :
{{ .. وفضلاً عن ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار، وكجزء من النظام الأميركي، الشبكة العالمية للتنظيمات المتخصصة ، وخاصة المؤسسات المالية “الدولية”.
، وهكذا يمكن القول إن صندوق النقد الدولى والبنك الدولى يمثلان مصالح عالمية كما أن بنيتهما يمكن أن تفهم على أنها عالمية ، أما في الواقع فتتم السيطرة عليهما وإلى حد كبير من قبل أميركا .
، ويمكن تقفي أثرهما في مبادرة أميركية أصلا تعود بشكل خاص إلى مؤتمر بريتون وودز عام 1944 ..}}
ثم يضيف بيرجينسكي في معرض اشمل واعمق لوظيفة مثل هذه للمؤسسات وصفه التالي لفلسفة نشأة وعمل هذه المؤسسات في المقتبس التالي من الكتاب :
{{ .. ، وهكذا نجد أن السيادة الأميركية قد خلقت نظاماً دولياً جديداً لم يعمل على تقديم نسخة ثانيـة للكثير من ملامح النظام الأميركي فحسب ، بل عمل أيضاً على اضفاء الطابع المؤسسـاتي المشروع على هذه الملامح .
وتشمل الملامح الرئيسة لهذا النظام ما يلي :
ـ نظام أمن جماعي، بما في ذلك قيادة وقوات موحدة (الناتو، المعاهدة الأمنية الأميركيـةاليابانية، الخ …)
ـ تعاون اقتصادي إقليمي (ندوة التعاون الاقتصادي الآسيوي – الباسيفيكي، واتفاقية التجارةالحرة لأميركيا الشمالية) ومؤسسات تعاونية عالمية متخصصة (البنك الدولي، وصندوق النقـد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية).
ـ إجراءات تشدد على صنع القرار الإجماعي ، حتى ولو كان مسيطراً عليـة مـن قبـل الولايات المتحدة .
ـ تفضيل العضوية الديمقراطية ضمن التحالفات الرئيسة .
ـ بنية دستورية وقضائية عالمية صارمة (تتراوح بين المحكمة العالمية والمحكمة الخاصة
المعدة لمحاكمة جرائم الحرب في البوسنة ).
كان معظم هذا النظام قد نشأ في أثناء الحرب الباردة بوصفه جزءاً من الجهـد الأميركـي الهادف إلى احتواء منافسه العالمي الذي هو الاتحاد السوفييتي . .}}
انتهت هاتان الفقرتان اللتان وردتا على لسان زبيحينيو بيرجينسكي في كتابه رقعة (الشطرنج الكبرى) الذي صدر في عام 1997 والذي اصبح فيمابعد هو من أهم مراجع تحديد أولويات الأمن القومي الأمريكي ومن ثم وضع وتخطيط استراتيجيات السياسة الأمريكية تجاه العالم وعقب كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء كانت تتبع أي من الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري .
ولعلنا في عالمنا الشرق أوسطي والعربي والمصري في حاجة لقراءة هذا السفر الجيوسياسي البالغ الخطورة والأهمية لكى نعرف جزءاً هاماً من حقائق الصراعات التي تدور حولنا وتتحدد معها الكثير من مصائرنا ونحن نمر بعقود – ولازلنا – ضيعنا فيها فرص تحقيق إرادة البناء الذاتي لإمكانات نهوضنا وتحقيق فكاكنا (ولو على نحو نسبي) من قيود الدوران اللاهث في فلك ماتحدده المؤسسات الدولية التي لاتخدم إلا الدوافع الجيوسياسية لتكريس الهيمنة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى