أحوال عربيةأخبار العالمأمن وإستراتيجية

الناتو الشرق أوسطي وصراع القوى الكبرى

نهاد ابو غوش


يشهد هذا العام حالة من الاستقطاب العالمي الحاد الذي يعبر عن نفسه بالصراعات العسكرية المباشرة وما يتبعها من صراعات اقتصادية وسياسية وحملات مقاطعة، بين الدول الكبرى، او أدواتها او بين من يمثلها كما هو الحال في اوكرانيا في مواجهة بين الغرب وبين روسيا وليس فقط بين اوكرانيا وروسيا، وبشكل أوسع بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة والدول الناشئة خاصة الصين التي تطمح لبناء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب لا تكون فيه الولايات المتحدة القوة المهيمنة، والآمر الناهي الوحيد في العالم، بل تكون للدول الأخرى كلمتها وإسهاماتها في مصير النظام الدولي والقوانين التي تسيرهكما تحفظ من خلاله مصالحها الحيوية».
وكما رأينا ان روسيا تدخلت في اوكرانيا والشيشان وشبه جزيرة القرم وسوريا وقبلها في جورجيا، وبشكل أو بآخر في دول آسيا الوسطى وآخرها كازاخستان، وبررت هذه العمليات بأن لها مصالح حيوية تمس الأمة الروسية وأمن الاتحاد الروسي، وهي نفس الحجة التي استخدمتها الولايات المتحدة عشرات المرات للتدخل في كثير من دول امريكا اللاتينية وبعضها نفذت فيه انقلابات عسكرية دموية كما في تشيلي ضد الرئيس المنتخب سيلفادور آييندي، أو من خلال التدخل العسكري المباشر كما في غرينادا وبنما وكوبا. كذلك للصين مصالح حيوية لكن امريكا لا تريد للصين ان تمارس أي شكل من أشكال الضغط ولا التأثير على محيطها الاقليمي سواء بمناورات عسكرية او غير ذلك .
إذن العالم يشهد حالة من التوتر أصبحت فيه كل مناطق العالم حلبات للمواجهة بين العملاقين الروسي والامريكي . ومنطقة الشرق الأوسط هي احدى المناطق الرئيسية التي يمكن ان تشهد بعض أنواع المواجهة خاصة بعد ما أبرزته الأزمة الاوكرانية من تصدع في مواقف الدول الحليفة للولايات المتحدة وتحديدا عندما صوتت الامارات ضد مشروع القرار الغربي الامريكي وعندما امتنعت السعودية عن رفع أسعار النفط وضبط اسعاره». كنا قد رأينا في أواخر عهد اوباما وبداية عهد ترامب ما وصفه بعض المحللين ب”انكفاء” الولايات المتحدة الأميريكية عن المنطقة وابتعادها عن التدخل المباشر بعد ما أظهرته تدخلاتها من نتائج كارثية وفشل سواء في العراق او في افغانستان. وهذا الانكفاء أغرى الدول الطامح لتشكيل النظام متعدد الأقطاب بالتمدد والسعي لملء الفراغ سواء عبر أدوات الاقتصاد وآليات السوق وبرامج التنمية المشتركة كما تفعل الصين، أو من خلال التدخلات العسكرية كما فعلت روسيا بوتين، ولكن من الواضح الآن ان الولايات المتحدة لن تنسحب على الاطلاق من المنطقة وقد يختلف شكل تدخلها فهي ليست مضطرة للتدخل المباشر بل يمكن ان تحيل ذلك لدول اقليمية مثل «إسرائيل» لذلك ما نخشاه ان تتحول المنطقة الى حلبة للصراع والتنافس يريد فيها كل طرف دولي ان يجتذب دول المنطقة ويستقطبها الى جانبه، روسيا من خلال استمالة ايران وربما العراق وسوريا وبعض الحلفاء الاقليميين والولايات المتحدة من خلال اعادة احياء فكرة الأحلاف القديمة التي رفضتها الشعوب العربية في الخمسينات مثل حلف بغداد الذي أفشلته الشعوب والحركة القومية والوطنية الناهضة وبعض الأنظمة الوطنية وبخاصة مصر جمال عبد الناصر», الآن يريدون اعادة هذا الحلف من خلال ما يسمى بالناتو الشرق الاوسطي من خلال مشاركة كل حلفاء الولايات المتحدة في هذا الحلف الذي يحاولون تصويره على أنه دفاعي لكن أهم ما فيه أنه سيكون بمشاركة عدد من الدول العربية وإسرائيل في مواجهة إيران مع أن عقبات جدية تعترض إنشاء هذا الحلف وابرزها المعارضة الجادة التي يواجهها من قبل حكومات وشعوب وبرلمانات ومجتمع مدني وخاصة في العراق والكويت والحساسية الشعبية الهائلة لمثل هذا الحلف في الأردن ومصر، ولأن بعض الدول مثل قطر وعمان لها حساباتها الخاصة التي لا تتطابق مع حسابات الآخرين فضلا عن صعوبة انخراط السعودية وهي الهدف الأكبر الذي يعمل على استقطابه للحلف. لا مصلحة إذن لشعوب المنطقة في الاصطفاف وراء هذا الطرف او ذاك بل ان مصلحة العالم العربي في نظام قائم على التعاون مع الجيران سواء الإيرانيين او الأفارقة او الاتراك ، فحروب الآخرين في ساحات بلادنا لن تفيد المنطقة العربية بل ستزيد تدهور وتأزم الأوضاع فيها خاصة في المناطق والدول الأكثر هشاشة سياسيا وامنيا واقتصاديا.
من مقابلة مع جريدة المغرب التونسية أجرتها روعة قاسم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى