تعاليقرأي

المؤامرة

المؤامرة…
محمد سعد عبد اللطيف


محمد سعد عبداللطيفأصبحت سمة العقل العربي الإيمان بنظرية المؤامرة التي تريح العقل من عناء البحث عن الأسباب، وتغني المراقب عن نقد الذات، وتغذي الشعور بأننا ضحايا لأعداء متآمرين، لولاهم لكان وضعنا أفضل بكثير.

لا يحتاج من يطرح تفسيراته للآخرين بناء على تلك النظرية عادةً إلى عناء كبير لإثباتها، فالتدخلات الخارجية حتى وإن كانت ردود

أفعال لأحداث محلية تغذي تلك النظرة وتريح العقل العربي من عناء النظر في المرآة وتشخيص المسائل .

لا يزال الكثيرون منا مثلاً يتحدثون بحماس عن نظرية المؤامرة ،،

في إثبات تزوير هذه الوثائق، بل وتأكيد أنها تؤدي إلى نتيجة معاكسة من ناحية بث اليأس في نفوس العرب وإلصاق صورة العنصرية بهم. رغم ذلك، يرفض البعض أن من شرنقة المؤامرة التي تعيق التفكير الحر المبني على الحقائق، لأن هذا لن يمنحهم راحة الإحساس بأنهم ضحايا وبأنهم يستحقون الشفقة.

مثال آخر من الماضي القريب هو أحداث سبتمبر 2001 التي هزت العالم وأطلقت حقبة جديدة من علاقة الغرب بالعالمين العربي والإسلامي،

أقل ما يقال عنها أنها مشوبة بالحذر وعدم الثقة. لو تنقلت في العالم العربي سائلاً عن هذه الهجمات لدهشت من كم المؤمنين بنظرية أن الولايات المتحدة نفسها أو حليفتها إسرائيل هما من قاما بتلك الهجمات لتبرير حرب ضد الإسلام والعالم العربي.

كذلك برتوكلات بني صهيون من كتبها وكيف نشرت وأنها سبب كل المصائب، ولقاء السفيرة الأمريكية مع صدام قبل غزو العراق وكأنها كانت مؤامرة لدخول الكويت ،وتصريح كوندليزا رايس عن الفوضي الخلاقة ،،

لقد صرحت أن الوضع الحالي ليس مستقراً، وأن الفوضى التي تنتجها عملية التحول الديمقراطي في البداية هي فوضى خلاقة، ربما تنتج في النهاية وضعاً أفضل من الذي تعيشه حالياً”، هو توصيف ينطبق حتى على الثورة الفرنسية التي قامت قبل بضعة قرون واحتاجت لسنوات عديدة قبل أن ترسي معالم الديمقراطية.

يوجد لدى مروجي نظرية مؤامرة الربيع العربي أية إجابة عن آليات التنفيذ التي يعتمدها الغرب في خلق تلك الثورات، أو في الفائدة التي جنتها الدول الغربية حتى الآن من هذه الفوضى. كما أن هناك تجاهلاً مخلاً بالحقائق لرغبات الشعوب،

وإحباطاتها ومعاناتها مع كم الفساد والديكتاتورية الهائلين اللذين ولدّا ضغطاً متزايدًا لم يحتج لأكثر من الراحل محمد بوعزيزي ،أن يشعل النار مرة أخري ليثبت أنها كانت عفوية ،

إن أخطاءنا السياسية، وتمزقنا الفكري والديني والطائفي، وانتشار ثقافة رفض الآخر، وتكفيره، وغيرها من الأمراض الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، تلعب دورًا أكبر بكثير من قدرة أية قوة خارجية على إحداث ضرر مماثل في بلداننا.

إن التحدي الأكبر في مقاربة أي مرض أو حل أي مشكلة هو دقة التشخيص، فإن تمكنّا من فعل هذا بناء على تفكير صحي يستند إلى رؤية الواقع ومعطياته دون اللجوء إلى نظرياته المظلمة،

حينها ستصبح إمكانية الحل أقرب إلى أيدينا من السابق.،،

نحن من نصنع المؤامرة وننسج خيوطها .

محمد سعد عبد اللطیف کاتب وباحث فی الجغرافیا السیاسیه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى