تعاليقرأي

اللّغة ليست هي السّبب؛ صراع بين الحقّ والباطل.

رشيد مصباح (فوزي)

ــــــ

مداوروش في: 06 نوفمبر 2022

ــــــــــ

لايزال أعداء اللّغة العربيّة في بلادي يتربّصون بها من كل النّواحي؛ حقد دفين وحرب قديمة متجدّدة.

بعض الفرنكفونيين نشأوا وترعرعوا بين الأعاجم، وأخذوا منهم العلم والمعرفة، وهؤلاء لا يقع اللّوم عليهم. منهم من حاول تعلّم لغته الأصليّة التي تعبّر عن هويّته ودينه، من أمثال الكاتب الكبير (مولود فرعون) -رحمة الله عليه-، وكان من أوائل كتاب الجزائر الذين فازوا بشهرة كبيرة وواسعة في فرنسا،

سُئل ذات يوم عن رأيه في الكتابة باللغة الفرنسية؟

فكان جوابه كالتّالي:

((لقد حاولت كثيرا أن أتعلّم اللّغة العربيّة لكنّي فشلتُ، و فشلي في تعلّم لغة بلادي أثبت غبائي عن جدارة، و هذه مأساتي التي تكمن في داخلي و تُسبّب لي كثيرا من الآلام و لكن الأجيال المقبلة من الكتّاب الجزائريّين سيعوّض كل ما حُرِمنا منه))اهـ.

لكن اللّوم يقع على جيل ما بعد الاستقلال الذين ساعدهم الحظ، ووجدوا أنفسهم أحرارا بعد تحرير الجزائر من ربقة الجهل، و براثن الاستعمار الذي عمل كل ما بوسعه في حربه القذرة ضد الهويّة الجزائريّة، من أجل فرض لغته العجماء ودينه الوثنيّ على الشعب الجزائري الأمازيغي العربي المسلم.

الذين لا يجدون حرجا في مسخ ألسنتهم الفصيحة بلغة الأعاجم الغزاة الذين يئسوا من محاولتهم تركيع الشّعب الجزائري؛ خلال مدّة القرن ونصف القرن التي احتلّوا فيها الجزائر وحاولوا طمس هويّة شعبها، لكنّهم لم ييأسوا من محاولات التّهجين، والتّدجيل، والتّدجين… لفئة من الشّعب لاتزال تعتبر اللّغة الفرنسيّة لغتها. وهؤلاء يمثّلون الطّابور الخامس لفرنسا الرّسميّة التي يبدو إنّها لم تيأس بعد في مراهنتها على مستعمراتها الكلاسيكيّة القديمة؛ وقد تساءل الرّئيس الفرنسي (ماكرون)؛ الذي لا يخفي عداوته لكلّ ما له علاقة بالمسلمين والإسلام، خلال زيارته الأخيرة للجزائر التي جاءها باكيّا يشحذ الغاز الجزائري؛ على طريقة سلفه (بيير دوفال) القنصل الفرنسي بالجزائر يومها-: ((لماذا لا ينتقد الشعب الجزائري الوجود العثماني في الجزائر انتقاده لفرنسا؟)). معتبرا العثمانيين غزاة ؟ا. وهي نظرة بعض الفرنكفونيّيين من أبناء الجزائر للأسف!

الذين لا يتورّعون في مقارنتهم بين من جاء من شبه الجزيرة فاتحا يحمل راية الذّين أو جاء لنصرة الشعب على الأعداء الصّليبيّين، ومن جاء إليها غازيّا بعد”حادثة المروحة” ليحتلّ الجزائر ويدنّس أرضها وشعبها؛ ديدن كل خائن لأصله بائع لوطنه، وطبيعة في كل محتل غاشم.

وهذا حاكم الجزائر يقول بمناسبة مرور مئة سنة على احتلال الجزائر: لن نتمكّن من احتلال هذا الشّعب حتى نقتلع اللّغة من لسانه وننتزع الدّين من صدره. وكان يعي ويدرك جيّدا ما يقول.

وهل يعي هذا الجيل المحسود على الحريّة والاستقىل أن اللّغة العربية هي بصرف النّظر عن كوها اللّغة التي حباها الله وشرّفها على سائر اللّغات لتكون لغة الوحي، هي لغة تحدّت كل الصّعوبات والعراقيل عبر السّنين، وبقيت صامدة في وجه كل المتغيّرات؛ أنظر إلى ما تعرّضتْ له من جفاء القريب والصّديق و مكر العدو والبعيد. وهي لغة غنيّة بمعانيها ثريّة بخصائصها ومفرداتها؛ لم ولن تشيخ أبداً.

لكن هناك من يريد أن ينسب إليها الحال المزريّة التي نعيشها في هذا الزّمان الغريب، على الرّغم من أن اللّغة ليست سوى وسيلة للتعارف والتخاطب؛ فإن الدّاء المزمن المتمثّل في التخلّف الذي صار صفة متلازمة لأهلها العرب، اللّغة العربية بريئة منه كل البراء، “براءة الذّئب من دم ابن يعقوب-عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام”. ولعلّ من بين أسباب هذا التخلّف، تنكّر هم لها؛ يري بعض المفكّرين الأنثروبولوجيين، إنّ اللّغة من مقوّمات الحضارة، وينسبون ظاهرة التّقدّم والتطوّر السّريع الذي تعرفه بعض البلدان الآسيوية؛ من أمثال أندونيسيا والصّين واليابان… إلى قدرتهم على المحافظة على التّقاليد، وإصرارهم على لغتهم الأصلية.

وليعلم هؤلاء المتغرّبين المنبهرين بفرنسا الاستعمارية، أن الحضارة الغربية المعاصرة قد استمدّت وجودها من الحضارة العربيّة الاسلامية.

ولعلّ أفضل ردّ على هؤلاء المتغرّبين ما قاله الإمام الشّافعي- رحمة الله عليه الواسعة-:

نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا

وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا

وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ

وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى