رأي

القوى السياسية المسيطرة على مناطق زلزال قهرمان مرعش دفعونا لنعبد الطبيعة بدل الله

د. محمود عباس

القوى السياسية المسيطرة على مناطق زلزال قهرمان مرعش دفعونا لنعبد الطبيعة بدل الله

الكوارث والحروب تدفع بالإنسان إلى إعادة النظر في العديد من معتقداته، ومفاهيمه، وتجديد رؤيته للحياة، على خلفية ما يظهر في الأولى من التلاحم والتآلف والرحمة، وفي الثانية يتوسع الحقد والكراهية والشرخ بين المجتمعات ويتعمق الصراع بين الأنظمة والشعوب، رغم أن كلاهما يخلقان الكوارث والمآسي على مقاسات متشابهة.

رغم المؤشرات العديدة التي تفرقهما عن بعضهما، يوجد عامل مشترك واحد يجمعهما، وهي أن الحكومات والأنظمة لها دور في تفاقم الكوارث ونتائجها. رغم أنها في الأولى تحاول أن تنقذ الشعب وفي الثانية تدمره.

فالحروب الجارية، في سوريا وأوكرانيا وغيرها من المناطق، كوارث لا تقل فظاعة عن الزلزال المدمر لجنوب تركيا وشمال سوريا. عانت الشعوب في كلا الحالتين من الدمار، والفرق هي أن الحروب خلقتها الأنظمة عن سابق إصرار وتخطيط، أما في زلزال قهرمان مرعش، ورغم إنها من عوامل الطبيعة ولا قدرة للإنسان على توقعها ولا التحكم بها، إلا أن الأنظمة والقوى المسيطرة على مناطق الكارثة وعلى خلفية سلوكياتها الماضية فاقمت من حجم الدمار والمآسي، من صرف إمكاناتها في الصراعات الداخلية والخارجية، إلى السماح للمقاولين الفاسدين بالتمادي في البناء الهش غير الصالح لمنطقة تعاني وبشكل دائم من الزلازل، لتظهر ذاتها على أنها تنمي حركة الاقتصاد في الوطن. نفس الأنظمة تحاول التخفيف من مآلات الشعب بدعاية لصالحها قبل الشعب. الإشكالية التي يعجز الفكر الإنساني الواعي والحكيم حائرا أمام هذا التناقض العجيب في التكوين البشري.

تعاونت الدول والمنظمات الإنسانية على تخفيف آلام الشعب، لكن مخلفات الحرب السورية الجارية، خلقت شريحة مارقة لا تهمها الدمار ولا حالة الشعب، كنظام بشار الأسد، والقوى المعارضة السورية التابعة لتركيا، التي لم تجد في غضب الطبيعة حثا على تغيير سلوكياتها. فمنها من:

  1. اعترضت مسيرة قافلة المساعدات الإنسانية المكونة من 24 طنا، التي أرسلتها مؤسسة البرزاني الخيرية إلى منطقة جنديريس وعفرين وسرمدا وغيرها من المناطق المنكوبة، وطلبت إما بالاستيلاء عليها أو إعادتها إلى عفرين.
  2. رفضت نفس القوى ومثلهم النظام في دمشق، من إدخال 130 شاحنة محملة بالمحروقات والمواد الأخرى المرسلة من قبل الإدارة الذاتية إلى المناطق المنكوبة.
  3. صرح مسؤول عن هيئة الأمم المتحدة أن هيئة تحرير الشام منعت من دخول المساعدات المرسلة من قبل الهيئة إلى منطقة إدلب وغيرها.
  4. كما وقامت نفس هذه المنظمات بنهب ما أرسله أبناء المنطقة من أوروبا من المساعدات لأهاليهم في منطقة عفرين وإدلب.
  5. أوقفت الحكومة التركية العديد من قوافل المساعدات المارة من أراضيها إلى منطقة عفرين وشمال حلب. مدة الزلزال بحدود دقيقة اتبعتها الارتدادات، نتائجها قد تستمر لسنوات، والكل يتكاتف لتخفيف هول الكارثة وتقصير مدة المعاناة، أما الحرب السورية المستمرة طوال عقد وأكثر، وربما الأوكرانية ستجاري السورية، والأنظمة التي تحارب بعضها تحت غطاء الدفاع عن شعوبها تعمل المستحيل لديمومة نتائجها المرعبة على نفس الشعوب لعقود طويلة، تتنافس وعن قصد في تعميق وتوسيع حجم الدمار، وتتغاضى بشكل شبه مطلق عن مآسي الإنسان. عند حدوث الزلزال تسارعت القيم الإنسانية بالظهور وبأجمل صورها، وفي الثانية، بل وفي جميع الحروب، انهدمت القيم والأخلاق لتظهر بأبشع أشكالها، كما وانتشرت مثلما في جميع الحروب، المفاهيم المدمرة للروح الإنسانية. الأولى أعادت القليل من ثقافة الرحمة وعمقتها، ومعها محاولات منطقية لدراسة المفاهيم عن الإله ومنطق العلاقات الإنسانية بروح حضارية جديدة، والثانية قتلتها أو تعمل على قتلها.

منطقتنا وعلى خلفية الحروب، ظهرت ثقافة مؤلمة، تكلمت بها الفتاة التي كانت عالقة تحت الأنقاض، وهي تنادي رجل الإنقاذ، بكلمات لا ألم أعمق منها، تعكس ما فعلته أنظمة المنطقة بإنسانها، ثقافة الحرب السورية ونظامها المجرم، الفتاة تنادي بلغة تعجز البشرية عن وصفها (يرجى قراءة مقال، الكاتب: حسام الغزالي – مؤسسة رؤى للدراسات (عمو.. بس طالعني، بشتغل عندك خدّامة) إنها أبنة الحروب. الأنظمة المجرمة التي دفعت بها وبغيرها وبشعوب المنطقة عامة على أن يكره الناس كل من يلبس الأطقم العسكرية والنظام الذي يقف على رأسه مجرم يبتسم وبكل وقاحة وهو يسير بين رفات المئات من الناس العالقين تحت الأنقاض في المناطق المنكوبة بحلب.

للتخلص من ثقافة الأجرام، والأنظمة بكل أنواعها الروحية الدينية والمادية السياسية، ربما يجب التفكير بعبادة الطبيعة بمفاهيم ومقاييس عصرنا، علا الإنسان يرى الله من خلالها، ويفضل كوارثها على كوارث الحروب، ففي الأولى تظهر ثقافة الرحمة وفي الثانية ثقافة الكراهية.

كما ومن خلال معرفة التغيرات التكتونية والجيولوجية، والبيئية وغيرها، ومن خلال الاختراعات وتطوير العلوم، والتكنولوجيا، والبنية التحتية، ومواجهة الطبيعة وكوراثها، يعطي الإنسان بدون مقابل، يرأف ويساهم في رفاهية ما حوله، أما في الحروب والصراعات الدينية والسياسية، تتعمق الدراسات التي تعلم الإنسان ألا يعطي إلا بمقدار ما يأخذ، ولا يرحم إلا عندما يجد منفعة لذاته.

الطبيعة هي القوة التي لا قدرة للإنسان على مواجهتها، لكنه أصبح ومنذ نهايات القرن الماضي بالإمكان التخفيف من غضبها بدراستها والتلاؤم معها، هذه هي العبادة العلمية، التفكير بها بشكل يومي، يجب أن تكون مثل عبادة الإنسان من خلال الأديان الروحية كالفروض اليومية من الصلاة والصوم، فكلاهما تفكير يومي في معرفة ماهية الإله، إما من خلال الإحساس أو بالعقل.

على الإنسان أن يدمجهما، وبعدل، على أمل أن تتغير سلوكيات الأنظمة المتحكمة بمنطقتنا، فتزداد نسبة النجاة من غضب الطبيعة، وتسخر قدراتها على مواجهتها بدل الصراعات الداخلية والخارجية. فالحروب الجارية، في سوريا وصرف تركيا معظم إمكاناتها في محاربة القوى المجاورة، ومثلها إمكانات روسيا وأوروبا وأمريكا في الحرب الأوكرانية وغيرها في المنطقة، أدت بشكل مباشر إلى ضعفهم أمام ثقل الكارثة الزلزالية في جنوب تركيا وشمال غربي سوريا.

الطبيعة هي الإله الذي لربما كان الإنسان البدائي بفطرته، يجد بعبادته لها أملا بالنجاة من غضبها، وتوقعا بأنها ستفضل خيرها على شرها، في مرحلة كان فيها معدم الإمكانات أمام كوارثها، العلاقة التي تطورت مع قدراته ليس فقط في فهم الكوارث، بل بمدى نمو تفكيره لإيجاد السبل للنجاة. ورغم الانتقال إلى عالم اللاهوتيات ومن الأديان المادية إلى الروحية، ظلت الأخيرة تحتضن الكثير من عوامل الأولى وظل الإنسان يقدس بعض مواد الطبيعة، ربما كرها بالأنظمة الفاسدة التي طورت أدوات الدمار، وتخلفت في أجهزة الإنقاذ.

لا الأديان تمكنت من إنقاذ الإنسان ولا الأنظمة والعلوم فعلتها بالشكل المطلوب، الطبيعة مستمرة بتغيراتها لوجه الكرة الأرضية والتي هي جزء من مسيرة الكون، لربما هي تغيرات في العقل الكوني، أي تطور في ماهية الإله ذاته؟

فيظهر السؤال: هل حروب الأنظمة أم كوارث الطبيعة، ستضع نهاية الحياة على الأرض، وينقلون الإنسان القادم من العدم إلى العدم.

سؤال لا يهم الشعب المعاني اليوم من الدمارين حروب سوريا وأوكرانيا وزلزال قهرمان مرعش، بل يهمه الحاضر الجاري وقادمه. لذلك لا بد من الوقوف على مسببي تفاقم الألآم التي تخلقها الكوارث وكيفية التقليل منها، وفي مقدمتهم الأنظمة الغارقة في الصراعات السياسية والمذهبية، والمؤدية إلى ضعفها في مواجهة الكوارث الطبيعية كزلزال قهرمان مرعش، والتي لم تتمكن دولة بحجم تركيا، ونحن لا نتحدث عن نظام بشار الأسد المجرم المهترئ ومنظمات المعارضة الفاسدة، الذين هم خارج الزمن والإنسانية، من تسخير مؤسساتها وتجميع المنظمات العالمية بالسرعة المطلوبة لمساعدة المنكوبين.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى