ثقافة

العدالة المتعالية

فلسفة السلام والحرية والتطوّر

 
حسن عجمي
تنشأ الحضارات وتتطوّر بفضل العدالة المتعالية. فالحضارة فن بناء العدالة والعدالة فن إنتاج التطوّر. العدالة المتعالية هي العدالة التي تُطوِّر كل فرد اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. هكذا تهدف العدالة المتعالية إلى تعالي الفرد عما هو عليه في الحاضر و عما كان عليه في الماضي ما يضمن تطوّر كل فرد فتطوّر المجتمع. من هنا، تستلزم العدالة المتعالية بناء آليات قادرة على تطوير الأفراد و من تلك الآليات الحرية والمساواة والسلام. بلا حرية ومساواة يخسر الفرد إمكانية أن يتطوّر. فالذي يفتقر إلى الحرية لا يتمكّن من أن يُطوِّر نفسه و الذي لا يُعامَل بمساواة اقتصادية واجتماعية ومساواة أمام القانون هو ضحية التمييز والعنصرية ما يُحتِّم عدم إمكانية أن يتطوّر. لكن التطوّر حق كل إنسان. لذلك لا بدّ من تحليل العدالة على أنها الحرية والمساواة بالإضافة إلى كونها السلام. فبلا سلام لا تتطوّر المجتمعات لأنَّ الحروب قاتلة الإنسان وإنجازاته.
بالنسبة إلى العدالة المتعالية، العدالة معادلة رياضية فلسفية مفادها التالي: العدالة = السلام × الحرية × المساواة بينما الحرية = التطوّر × الاستقلال. بلا سلام يستحيل تحقيق الحرية والمساواة لأنَّ الصراعات والحروب تؤدي لا محالة إلى عدم احترام حقوق الأفراد كحق الفرد في أن يكون حُرّاً و حقه في أن يُعامَل بمساواة كما يُعامَل الآخرون. أما الحرية فمعادلة رياضية فلسفية أيضاً ألا و هي: الحرية = التطوّر × الاستقلال. فالذي لا يتطوّر سجين ما هو عليه ولذلك لا حرية بلا تطوّر وبذلك لا بدّ من تعريف الحرية على أنها التطوّر بمعنى أنَّ الإنسان حُرّ بالفعل حين يتطوّر اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً و متى كان قادراً على أن يتطوّر بشكل مستمر. أما الاستقلال فهو أن يحيا الفرد بمعزلٍ عن هوياته المختلفة والمتصارعة كهوياته الطائفية والمذهبية والعِرقية. إن لم يحيا الفرد بمعزلٍ عن هوياته المتنوّعة فحينئذٍ سوف يبقى سجين هوياته الماضوية ما يُحتِّم خسران حريته. لذا لا بدّ أيضاً من تحليل الحرية على أنها استقلال الأفراد تماماً كما تفعل معادلة الحرية بقولها إنَّ الحرية = التطوّر × الاستقلال. و بما أنَّ العدالة = السلام × الحرية × المساواة بينما الحرية = التطوّر × الاستقلال، إذن العدالة تتضمن بالضرورة التطوّر ما يسمح بالتعبير عن العدالة المتعالية التي تُعرِّف العدالة على أنها أداة تطوير كل فرد اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. لا عدالة بلا تطوّر تماماً كما لا تطوّر بلا عدالة.
أما التطوّر فمعادلة فلسفية رياضية مفادها التالي: التطوّر = إنتاج كل العلوم والمعارف الممكنة × إنتاج كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة. تنجح هذه المعادلة في التعبير عن أنَّ التطوّر قائم على إنتاج العلوم والمعارف والأخلاق والفنون والآداب والمنجزات الحضارية كافة كالعمران والحفاظ على البيئة الطبيعية فالفنون والآداب والمنجزات الحضارية الأخرى معارف أيضاً كالمعارف التي تسمح بإنتاج الفنون والآداب المختلفة. كما من فضائل هذه المعادلة الفلسفية أنها تضمن التعدّدية. فبما أنَّ التطوّر = إنتاج كل العلوم والمعارف الممكنة × إنتاج كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة، و علماً بأنَّ العلوم والمعارف والسلوكيات الأخلاقية الممكنة متعدّدة ومتنوّعة، إذن تضمن معادلة التطوّر التعدّدية الفكرية والثقافية والسلوكية ما يضمن بدوره الدرجة العليا من الحرية وسيادتها.
بالإضافة إلى ذلك، تضمن هذه المعادلة التطوّر المستمر. فبما أنَّ التطوّر = إنتاج كل العلوم والمعارف الممكنة × إنتاج كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة، و علماً بأنه ثمة علوم ومعارف وأخلاقيات ممكنة لم تُكتشَف بعد، إذن تطالبنا معادلة التطوّر باكتشاف علوم ومعارف وأخلاقيات جديدة في المستقبل ما يضمن التطوّر المستمر. و بهذا تكتسب هذه المعادلة صفة أنها متعالية من جراء ضمان استمرارية التطوّر فتتعالى عما وُجِد في الماضي بإنتاجها لسلوكيات أخلاقية وعلوم ومعارف مُبتكَرة. من جهة أخرى، بما أنَّ الحرية = التطوّر × الاستقلال بينما التطوّر = إنتاج كل العلوم والمعارف الممكنة × إنتاج كل السلوكيات الأخلاقية الممكنة، إذن الحرية كامنة في إنتاج كل العلوم والمعارف والأخلاقيات الممكنة. ولذلك الشعوب التي تتمتع بالحرية مُنتِجة للعلوم والمعارف والأخلاقيات وما يترتب عليها من إنجازات حضارية كالتكنولوجيا والعمران. هكذا تُفسِّر معادلتا الحرية والتطوّر الحقيقة السابقة فتكتسب بذلك قدرة تفسيرية ناجحة ما يعزِّز صدق المعادلتين السابقتين.
أما السلام فمعادلة فلسفية مضمونها التالي: السلام = المعارف الإنسانوية × القرارات الإنسانوية. فمن المعارف الإنسانوية المعرفة العلمية القائلة بأنَّ كل البشر يمتلكون الجينات البيولوجية نفسها التي على ضوئها تتشكّل أجسادهم وتُبنَى. كما من القرارات الإنسانوية قرار قبول الآخر و إن اختلف عنا فكرياً وعقائدياً وسلوكياً. و بقبول الآخر والتيقن بأنَّ كل البشر يشكّلون كياناً إنسانياً واحداً بفضل امتلاكهم للجينات نفسها يتحقق السلام لا محالة. هكذا يولد السلام من جراء المعارف والقرارات الإنسانوية ما يدلّ على أنَّ السلام = المعارف الإنسانوية × القرارات الإنسانوية. تتضمن هذه المعادلة أيضاً أنه لا سلام بلا إنتاج معارف وعلوم وقرارات إنسانوية مبنية على أساس تلك المعارف والعلوم كالعِلم بأنَّ كل البشر يشكّلون كينونة واحدة لا تتجزأ من جراء امتلاكهم للجينات البيولوجية نفسها. لذا الشعوب المتطوِّرة حقاً بمعارفها وعلومها شعوب تتمتع بالسلام و تدعو إليه.
لكن العدالة = السلام × الحرية × المساواة. وبذلك لا سلام بلا عدالة تماماً كما لا عدالة بلا سلام. فغياب العدالة بين الشعوب والأمم هو السبب الأساسي لنشوء الصراعات والحروب. من هنا، العدالة أساس الحضارة والتحضر. فالحضارة فن إنتاج السلام والسلام فن إنتاج المعارف والعلوم والقرارات الإنسانوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى