إسلامثقافة

الشورى بين صدق بلقيس، ومكر فرعون

الشورى بين صدق بلقيس، ومكر فرعون – معمر حبار

مكر فرعون في ادّعاء الشورى

قال الله تعالى في كتابه العزيز، وهو يتحدّث عن علاقة فرعون بقومه حين قال: “”يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ”. سورة غافر – الآية 29.

يرى

أقول: ماقام به فرعون لايعتبر بحال شورى، ولايصنّف ضمن الذين يشاورون أبناءهم، ومجتمعاتهم.

لو عرّفنا الشورى لقلنا: هي عرض الرأي على المجتمع قبل الإقدام عليه. وعرضه من جديد بعد تنفيذه لمتابعة منحناه، وتصحيح مجراه. وتستمر عملية عرض الرأي كلّما دعت الضرورة لذلك.

يعرض القائد العسكري خطّته على قادته قبل الشروع في تجسيدها، وتنفيذها ويظلّ يعرض الجزئيات اللاّحقة على قادته حسب تطور منحنى المعركة، ويستمر في مناقشتهم، ويناقشونه فيما عزم عليه، وفي كلّ جديد، وطارىء.

فرعون في هذه الحالة قرّر، وأكّد، وفصل في الأمر، ثمّ فرض عليهم الأمر الواقع من خلال مايبدو للوهلة الأولى أنّه شورى، وما هو بشورى. وفرعون لم يستشر قومه بداية إنّما قرّر، وفصل في الأمر.

سبق لفرعون أنّه لم يستأذن قومه، واتّخذ قرار “إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ”، سورة القصص – الآية 4 .

وسبق له أيضا، أن: “لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ”، سورة الأعراف – الآية 124.

لو كان فرعون يستشير قومه، لاستشارهم في ذبح أبنائهم، واستحياء نسائهم، وقتل علمائهم ومستشاريه. مايدلّ أنّ فرعون لايستشير قومه، إنّما يضع قومه أمام الأمر الواقع، لأنّهم لايملكون غير الالتزام بحكمه النهائي المقدّم لهم على شكل شورى من الناحية الشكلية.

صدق بلقيس في تطبيق الشورى:

أوّل أمر اتّخذته بلقيس حين تلقت رسالة حربية من سيّدنا سليمان عليه السّلام، أن مارست الشورى مع قادة جندها، حين قالت: “قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ”، سورة النمل – الآية 32.

بلقيس، وقبل أنّ تتخذ أيّ قرار، ومهما كان لمواجهة تهديد سيّدنا سليمان عليه السّلام، عرضت الأمر على قادتها، وأبلغتهم وهي رئيسة الدولة، والقائدة العليا للقوات المسلّحة، أنّها ستكون رهن أيّ قرار يتّخذونه، وهذه هي الشورى بعينها.

عرضت بلقيس الأمر قبل الإقدام على أيّ عمل، وعرضته حين تلقت الإجابة من قادتها بأنّنا مستعدون لأيّ قرار تتّخذينه، ثمّ راحت تعرض عليهم الأمر من جديد حين أخبرتهم أنّها ستختبر القوي سيّدنا سليمان عليه السلام بهدية، وتنظر بعدها ماذا ستفعل؟ وأكيد ستشيرهم في نتائج الهدية: “وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ”، سورة ” النمل – الآية 35.

استشارت بلقيس قادتها قبل أن تقدم على أيّ عمل، ثمّ استشارتهم من جديد بعدما أبدوا رأيهم، ومنحوها الضوء الأخضر. وهذا هو المقصود من تعريف الشورى الذي ذكرناه.

خلاصة :

تكمن الخطورة في كون من يرى أنّ فرعون طبّق الشورى مع قومه، وطلب رأيهم وسعى إليه في ترسيخ ضحك الحاكم على المجتمع بالظهور أمامهم بأنّه يسلك معهم مسلك الشورى، وهو في الحقيقة يريد فرض واقع لايستطيعون ردّه، وإجبارهم على قبول قرار اتّخذه ليلا ومن قبل، ويريد تمريره بزعم أنّه يشاورهم، وفي حقيقة الأمر يريد انصياعا مطلقا لايحدث ضجيجا، وباسم مايبدو لهم أنّه شورى.

ليس من مقاصد المقال إثبات أنّ فرعون طبّق الشورى مع قومه أم لا؟ إنّما الغاية التّحذير من الذي يضحك على المجتمع باسم الشورى لتحقيق مكاسب لاعلاقة لها بالشورى، وتضرّ المجتمع أكثر من نفعه بزعم أنّه “حتّى فرعون طبّق الشورى؟ !”..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى