أخبار العالمفي الواجهة

السياسة الخارجية لإدارة بايدن

فهد المضحكي

قبل عامين، عندما حل جو بايدن محل ترامب في البيت الأبيض، تنفس عديد من محللي السياسية الخارجية الصعداء. فمع استلام بايدن دفة القيادة، وانتهاء فترة ولاية ترامب غير المنتظمة في بعض الأحيان، أمكن الولايات المتحدة استعادة دورها كقوة التوازن والاستقرار في العالم. وقد تبنى الرئيس نفسه هذا التصور، وتعهد أمام الحلفاء بأن «أمريكا عادت». وهكذا، بعد الاضطرابات التي شهدتها سنوات ترامب، أصبح هناك إدارة ذات أجندة جدية في السياسة الخارجية تمسك بزمام الأمور مجددا في واشنطن. ماذكرناه، يقودنا إلى مقال للكاتبة الأمريكية كوري شايك ترجمة «INDEPENDENT عربية»، ذكرت فيه أن أول سنتين من رئاسة بايدن لم تكونا على قدر هذا التفاؤل أو الوعود. وعوضا عن ذلك، سادت ارتباك رافقها انفصال مقلق بين اولويات الإدارة المعلنة من جهة وسلوكها من جهة أخرى. وتبين أن رغبة بايدن في حماية العمال الأمريكيين وتعزيز الصناعات الموجودة في الولايات المتحدة نفسها متعارضة مع ضرورة بناء تحالف يرمي إلى احتواء الخطر الصيني. وتجدر الإشارة إلى أن الخلل الرئيس في إستراتيجية الأمن القومي التي انتهجها بايدن يكمن في عدم توافر رؤية اقتصادية تسمح للولايات المتحدة ودول أخرى بتقليل اعتمادها على المنتوجات والأسواق الصينية. وفي ضوء عدم قدرة واشنطن على إقناع الحلفاء بالانضمام إليها على الجبهة الاقتصادية، يزداد في نهاية المطاف الحمل على المتلقى على عناصر أخرى في تلك الإستراتيجية، وبشكل خاص القوات المسلحة. ولكن في هذا المجال أيضا، لم يؤد اعتراف الإدارة بالتهديد العسكري الملح الذي تشكله الصين إلى إحداث تغيير كاف في السياسة الفعلية، سواء على صعيد موازنة الدفاع أو في الطريقة التي يعتمدها صانعو السياسية في نشر القوات الأمريكية.

ويتضح من هذا أن وزارة الخارجية الأمريكية لا تعتبر قوية بما يكفي لتعويض أوجه القصور وغالبا ما تجد نفسها مهمشة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الإستراتيجية غير متوازنة تفتقر إلى الصدقية، وما لم تضعها الإدارة التي تمجدها موضع التنفيذ، من خلال ضبط الرئيس لتعليقاته الفضفاضة حول تايوان ومنح الدول الصديقة حوافز للبدء في تطبيق تحولات اقتصادية صعبة وفرض ضوابط على الصادرات وزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير وتعزيز قدرة القوات المسلحة، ستظل الخارجية غير فعالة. وتستعرض شايك منتقدة، كيف تجاهلت إدارة بايدن مناشدات الحلفاء في شرق ٱسيا لمساعدتهم في تقليل اهتمامهم الاقتصادي على الصين. في الواقع لا يريدون أناشيد مديح الديمقراطية أو مواقف عسكرية قد تزيد من مخاطر الحرب. عوضا عن ذلك، يريدون طريقا نحو الازدهار الاقتصادي. على سبيل المثال، طلبت أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية من الولايات المتحدة الالتزام بجدية أكبر بالتجارة الحرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لا يكفي واشنطن عزل بكين، بل هي تحتاج أيضا إلى صياغة سياسة اقتصادية إيجابية تقنع حلفاءها بتطوير أسواق وسلاسل توريد تكون مستقلة عن الصين. ولكن يبدو أن المبدأ الاقتصادي الأساسي في سياسة بايدن الخارجية لا يركز إلا على تقلبات السياسية الداخلية للولايات المتحدة، ويطالب الحلفاء بجعل اقتصاداتهم متوافقة مع المعايير الأمريكية في مقابل تقديم تنازلات ضئيلة.

إن التزام بايدن بـ«سياسة خارجية للطبقة الوسطى»، هو شعار غامض تبين أنه يعني على أرض الواقع توفير الحمائية التجارية والدعم للشركات الأمريكية، هو الذي يستأثر بالأولوية ويعتبر أكثر أهمية من بناء جبهة موحدة مع الحلفاء. كان دفاع إدارة بايدن عن تشريعها الحمائي الأخير، الذي قدمه في دافوس السيناتور الديمقراطي جو مانشين، يتمثل في إخبار الأوروبيين أنه ينبغي عليهم ببساطة الترحيب بالجهود المبذولة لتعزيز الاقتصاد الأمريكي، حتى لو كان علي حساب الشركات الأوروبية. قد لا تؤمن الحكومة الحالية في واشنطن بالتجارة الحرة، خلافا لتلك التي في الصين. في العام الماضي، أنشأت الصين أكبر منطقة تجارة حرة في العالم من خلال إطلاق الشراكة الاقتصادية الأقليمية الشاملة مع دول جنوب شرق ٱسيا، في المقابل، لم تقم الولايات المتحدة إلا بإطلاق مبادرة غامضة تسمى منتدى الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ، ويبدو أن لا أحد قادرا على تفسيرها. وفي تصورها إن الافتقار إلى سياسة اقتصادية متماسكة قادرة على دعم هدف إستراتيجية الأمن القومي المتمثل في التنافس بنجاح مع الصين لتشكيل النظام الدولي يضع مزيدا من الضغط على مجالات أخرى في القوى الوطنية، وبشكل خاص الجيش. كان على الولايات المتحدة التحدث بحزم عن الأمن في المنطقة من أجل طمأنة الحلفاء، بخاصة وأن سياساتها الاقتصادية أدت إلى تنفيرهم، بيد أنها لم تدعم هذا الكلام بالأفعال. فالإدارة الأمريكية قامت باتخاذ خيارات سياسية مهمة تتطلب زيادة في الإنفاق الدفاعي، أبرزها ابتعاد الرئيس عن الغموض الأمريكي الذي كان سائدا تجاه تايوان على مدى عقود، من خلال التأكيد على أن القوات الأمريكية ستدافع عن الجزيرة في حال هجوم صيني. ويمكن لبكين أن تفسر خطاب واشنطن الجديد على أنه استفرازا، فتنقض على تايوان.

هناك ملاحظات راحت تتحدث عنها بوضوح، وفي مقدمتها، كانت الحكومة الأمريكية في عهد بايدن، غير قادرة على فك العناصر المتناقضة في إستراتيجيتها الطموحة، ولم تعوض عن سوء التقديرات هذه من خلال زيادة إنفاقها العسكري والدبلوماسي. والجدير بالذكر أن عجز الإدارة عن صياغة سياسة اقتصادية دولية يعوق هدفها الأساسي في بناء تحالف دولي فعال لمواجهة المخاطر الخارجية. وبهذه الطريقة، فإنه يرجح كفة الأهمية بعيدا من كل من السياسة الاقتصادية والدبلوماسية ونحو الممارسة العسكرية، وهو أمر كانت الإدارة تتجنبه بوضوح. في ظل هذا المناخ ترى مع تبقي عامين من ولاية الرئيس، يجب على الإدارة أن تستفيد من الدعم الشعبي العام للتجارة، الذي وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، وفقا لدراسة أجراها مجلس شيكاغو المعني بالشؤون العالمية لعام 2021، وأن توفر القيادة التي يحتاج إليها الحلفاء من أجل تقليص اعتمادهم على الصين. عوضا عن تفعيل السياسات الحمائية في إطار سياسة خارجية للطبقة الوسطى، يمكن للرئيس أن يدعم قضية تعزيز الديمقراطية من خلال تشديد التعاون الاقتصادي مع الحلفاء والشركاء، وإصدار تعليمات لتطوير سياسات تحول التصنيع وتوريد المواد إلى الدول الحليفة، وتشجيع الدول على تبني معايير الولايات المتحدة من خلال زيادة فرص وصولها إلى سوق الولايات المتحدة من خلال منتدى الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ، وتقديم إعفاء واسع النطاق من القيود الموجودة في «قانون الحد من التضخم» للشركات التابعة إلى الدول الحليفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى