تعاليقرأي

الذات المفقودة!!

د. صادق السامرائي

ربما فقد الإبداع طعمه وخصوصيته ومتعته، لأنه صار سلوكا هلاميا مشاعا لا يعرف التمرس والإحتراف، وأضحى كينونات سفسطائية خالية من المعنى المؤثر الفياض، والتعبير الرصين المستساغ، الذي يتسلل إلى النفس والروح والقلب وأعماق الإنسان.

فالكثير مما يُنشر يدعو للقرف والنفور، ففيه تندلق النفوس عارية مكشرة عن آفات السوء التي فيها، وكأنها تتأمر على اليراع وتدير دفة الإبداع، ليبدو مكفهرا شاحبا غليظ القسمات.

فالكتابة توطنٌ في جوهر الفكر والمعرفة، وغوصٌ في أعماق الكلمات، وإبحار في بواطن اللغة، وتشرب بالإحساس وتوقد للمشاعر، وإنسكاب ممزوج بالطيب اللذيذ من وجبات العقول والأرواح الشهية، التي تنوّر ظلمات الرؤوس.

وهناك مَن يتوهم الإبداع، فهو كل شيئ ما دام يستطيع أن يكتب، أو يضرب بأصابعه على لوحة الحروف (الكي بورد)، والمشكلة أن المبدعين يتخادعون فيوهمون بعضهم بأنهم القادرون على الكتابة الأصيلة، وهم ينقشون.

وسبب ذلك عاهة المديح والمجاملات، التي تقتل الإبداع، فيحسب الممدوح بأنه أمسك بعقال ما يريد.

ويبدو أن للتعليقات الكاذبة دورها في جعل الذي ينشر نصا ينتشي بما كتبه، وهي على منوال “إكذب ثم إكذب حتى يصدق الناس”، وهنا يصدّق الشخص المشار إليه بالتعليق.

إن الأقلام الصادقة لا تكتب لكي تنال المديح من الآخرين، إنها تكتب لأنها تحمل رسالة وعندها موقف، فلا يعنيها كثيرا قول غيرها فيها، فهي تخاطب الأجيال، وتترك للزمن الحكم والتقدير، فالعديد من الذين لم يُعرَفوا في حياتهم، إشتهروا بعد رحيلهم لأصالة عطاءاتهم ونبل تفاعلاتهم.

واللافت للنظر أن الأجيال تتصارع بوحشية على صفحات المواقع والصحف، وكلٌّ يدّعي ما يدّعيه ويبرر ما يرضيه، ويساهم في تنمية المشاعر السلبية وتأمين تنافر الأجيال، لا تفاعلها الإيجابي وتماسكها الحضاري.

وهذه علتنا بإمتياز فاضح!!

فهل سنستفيق، ونتعلم أن للموجودات خصال ومميزات وملامح وحدود؟!!


د. صادق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى