أحوال عربيةإقتصادالمغرب الكبير

الدّيون وانتفاء السيادة – نموذج المغرب العربي

الدّيون وانتفاء السيادة – نموذج المغرب العربي الطاهر المعز

خلال العام الحالي (2022)، أدّى ارتفاع دُيون سريلانكا وارتفاع الأسعار إلى الإطاحة برئيسها وحُكُومته، لكن لم يتغيّر نظام الحكم، فقد بقي بأيدي المُقرّبين من الرئيس المخلوع، وفي باكستان، أدّت الفيضانات بسبب الأمطار الموسمية إلى أضرار مادّية قُدّرت قيمتها بعشرة مليارات دولار و1500 حالة وفاة، حتى 15 سبتمبر 2022، وتضرر مليون مبنى سكني كليًا أو جزئيًا، مما خلف أكثر من 50 مليون نازح، ونفق 800 ألف رأس من الماشية، ودمرت المياه ما يقرب من مليون هكتار من المحاصيل والبساتين، وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن هذه الفيضانات ناجمة عن تغير المناخ، في بلدٍ لا يُنتج سوى أقل من 1% من انبعاثات الكربون العالمية، ويتحمّل أسوأ عواقب أزمة المناخ، وطلبت الدّولة قُرُوضًا لإصلاح الأضرار وإعادة تأهيل ملايين النازحين الذين هم أول ضحايا أزمة المناخ، ولكن وجب على الحكومة توفير38 مليار دولارا لسداد فوائد الديون السابقة، قبل نهاية العام 2022…
يمكن أن ينطبق المثال الباكستاني على بنغلاديش وإثيوبيا وموزمبيق ودول البحر الكاريبي وغيرها من البلدان المنخفضة الدخل والمثقلة بالفعل بالديون، والتي تتعرض باستمرار للعواصف وفيضانات الأمطار المَوْسِمِيّة، ويدّعي صندوق النقد الدولي إنه يُقدّم “مساعدة إنقاذ”، وهي ليست مساعدة ، بل ديونًا إضافية، تُعرقل تنمية البلدان المُقْتَرِضَة.
في إفريقيا يعتبر الكاميرون واحد من البلدان المُثقلة بالدّيون، ففي حزيران/يونيو 2022، قاربت قيمة الدّيون الخارجية عشرين مليار دولارا، وسبق أن شهدت البلاد احتجاجات، منذ 1987، ضد برنامج “التّعديل الهيكلي” (أو “الإصلاح الإقتصادي” الذي فَرَضَهُ الدّائنون، وخلال الفترة 2014 – 2021، بلغ النمو السنوي للديون الخارجية للكاميرون 14% سنويًا، في حين لا يزيد تطور عائدات الصادرات التي تعول عليها الحكومة لتسديد الدّيون عن نسبة 3%.
المغرب العربي
تتزايد مديونية الدول العربية بشكل مطرد، خصوصًا منذ العام 2012، لا سيما منذ جائحة كوفيد -19 والحرب في أوكرانيا. أما مَصْدَر معظم القُروض فهو صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وهي قُرُوضٌ تخضع لشروط قاسية وتطبيق تدابير نيوليبرالية لصالح القطاع الخاص، وخفض دعم أسعار السلع والخدمات الأساسية وخفض الميزانيات الاجتماعية والصحة والتعليم، ما يزيد من هشاشة الفُقراء والعاملين ومن ارتفاع البطالة والفقر إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة على القروض، وما يُوسّع الهُوّة الطّبقية وزيادة عدم المساواة الاجتماعية، وهي الأسباب التي أنتجت انتفاضات 2010/2011، وانْجَرّت عن عواقب أزمة سنة 2008 وارتفاع أسعار المواد الغذائية…
تتميز البلدان العربية باتساع الفَجْوة الطّبقيةن حيث يمتلك 10% من الأثرياء نسبة 65% من الثروة، وعلى سبيل المقارنة، تعتبر البرازيل من أكثر البلدان تفاوتًا في الدّخل، حيث يمتلك أغنى 10% من الأثرياء، نحو 55% من ثروة البلاد، أي إن التفاوت الطبقي أقل حدة من البلدان العربية ككُتْلَة أو كإقليم.
كانت انتفاضات 2010/2011 عفوية، تفتقر إلى القيادة السياسية والبرنامج أو البديل لسياسات الأنظمة القائمة تنازع، وتخلت القوى الإمبريالية في أوروبا والولايات المتحدة عن رُمُوز، مثل زين العابدين بن علي وحسني مبارك، لِتُحافظَ على النّظام، ونجحت في تشكيل حكومات طَبّقَتْ نفس السياسة، مع المحافظة على سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على الثروة والزيادة السريعة في الدين الخارجي الذي تضاعف خلال عشر سنوات في تونس، وترافَقَ ذلك مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتدهور المستوى المعيشي لغالبية السكان …
شكل الدين العام في تونس 38% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2010 وارتفع إلى 80% (نفس المعدل 80% في مصر والأردن) سنة 2020، وبلغت نسبة الدين المغربي 96% من الناتج المحلي الإجمالي…
اقترضت حكومات تونس التي يهيمن عليها الإخوان المسلمون 1,5 مليار دولار من صندوق النقد الدولي سنة 2013 ، ثم 2,9 مليار دولار سنة 2016 و 745 مليار دولار سنة 2020، بالإضافة إلى قروض من منظمات أخرى (البنك العالمي، المصرف الإفريقي للتنمية) أو من دول الاتحاد الأوروبي واليابان… ولم يتغيّر الأمر بعد الإطاحة بالإخوان المسلمين (25 تموز/يوليو 2021)، إذ تطلب الحكومة التونسية، منذ تشرين الأول/أكتوبر 2021، قرضًا من صندوق النقد الدولي بقيمة أرْبَع مليارات دولار، لكن المفاوضات لم تنجح (حتى منتصف سبتمبر 2022)، رغم التزام الحكومة ببرنامج يُقدّم امتيازات للشركات الأجنبية وإعفاء الشركات الكُبْرى من الرّسوم والضرائب، ومجموعة من التدابير غير الشعبية، منها خفض عدد العاملين في القطاع العام، وإلغاء دعم السلع والخَدَمات الأساسية، وتخفيض قيمة الدينار، وما إلى ذلك، وهو برنامج يُؤَدّي مباشرة إلى انخفاض دخل الأُجَراء والمُزارعين والحِرَفِيِّين، ورفضت نقابة الأُجَراء (الإتحاد العام التونسي للشغل) هذه “الإصلاحات” ونفذ إضرابًا وطنيًا في القطاع العام يوم 16 حزيران/يونيو 2022، ويعتزم تنظيم إضراب عام ثاني، لم يتحدّد موعدُهُ بَعْدُ.
اتبعت حكومة الإخوان المسلمين في المغرب نفس المسار وحصلت على خمسة قروض من صندوق النقد الدولي بمبلغ إجمالي قدره 20,37 مليار دولار، بين سَنَتَيْ 2012 و 2020، ولا تزال المفاوضات جارية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، بنفس الشروط التي ذُكِرَتْ بخصوص تونس أو البلدان الأخرى، ويقود حكومة المغرب (سنة 2022) رئيس الوزراء عبد العزيز أخنوش، الذي تقدر ثروته الشخصية بملياري دولار، بحسب مجلة “فوربس” الأمريكية التي تُتابع نمو ثروات أكبر أثرياء العالم…
رغم اكتشافات حقول الغاز في مصر فإن وضعها مماثل لتونس والمغرب والأردن ولبنان ناهيك عن دول تعرضت للعدوان العسكري مثل ليبيا وسوريا واليمن …
لتقريب الصّورة أو لتوضيح الفكرة عن حجم الضرر الناتج عن الدّيون، يبلغ حجم “خدمة الدين” المغربي تسعة أضعاف ميزانية الصحة العامة، وحجم خدمة الدّين المصري سبع مرات قيمة ميزانية وزارة الصحة (في مصر) وخدمة الدّين التونسي أربع مرات حجم ميزانية الصحة في تونس التي يتهدّدها “التخلف عن السداد” منذ الربع الثاني من العام 2022. تعادل خدمة الدين الخارجي 20% من إنفاق الدولة المصرية، و 26% من إنفاق الدولة التونسية، عام 2019، قبل جائحة كوفيد- 19 وما نتج عنها من أضرار
استنتاجات
يشكل سداد الدين العام أحد الأبواب الرئيسية في ميزانية الدولة التي تخصم هذه المبالغ من الإنفاق على الصحة والتعليم والعمل والحماية الاجتماعية، إلخ.
يستخدم جزء كبير من ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة (ضريبة على استهلاك السلع والخدمات الأساسية) لسداد الديون، بدل الإستثمار في قطاعات الإنتاج والخدمات العامة وخدمة مصالح المواطنين.
إن معظم هذه الديون هي دُيُون “كَرِيهَة” أو “بغيضة” ولذلك في غير شرعية، وغير مَشْرُوعة، لأنها مرفقة بشروط لا تخدم المصلحة العامة بل تَضُرُّ بمصالح المواطنين الذي لا حلّ لهم سوى رفض الدّيُون وشرُوطها، ووضع حد لانتهاك السيادة الذي يُمارسه البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وإلغاء الديون التي يطالبون بسدادها، مُضاعَفَة.
إن مطلب إلغاء الديون (وليس “تخفيف”) ليس جديدا، فقد فَرَضته الولايات المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية وأثناء إنشاء ألمانيا الاتحادية (الغربية) على الدول الأوروبية التي اضطرّت إلى إلغاء ديون ألمانيا، وفي العام 2022، توصّل دائنو أوكرانيا، بإيعاز من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، إلى اتفاق لتأجيل سداد ديونها، وإعادة التفاوض بعد انتهاء الحرب.
إن إلغاء الدّيُون مشروط بتخصيص قيمتها للإنفاق على البنية التحتية والتعليم ، وصحة المواطنين وللاستثمار في القطاع الزراعي والصناعي، بهدف تحقيق السيادة الغذائية وخفض حجم التوريد وتوفير العملات الأجنبية، وهو ما لا تُنفذه الأنظمة العميلة، وكيلة الشركات الأجنبية ومصالح الدّول الإمبريالية، لذا فإن مطلب إلغاء الدّيون يقترن ببرنامج لاستخام قيمتها لمصالحة المواطنين، ما يتطلب مشاورات بين المنظمات السياسية ونقابات العمال وصغار المزارعين والجمعيات التي يمكنها منذ الساعة إطلاق حملات لإلغاء الدين العام الذي يُعْتَبَرُ نهبًا للثروة الوطنية وإعاقة لسيادة الشعوب والدول.
مصادر:
نشرة المعلومات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي لما يسميانه “منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”. نيسان/أبريل 2022
البنك العالمي “إعادة البناء بشكل أفضل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لن يكون بالضرورة مكلفًا للغاية” – كانون الثاني/يناير 2022
متابعة بيانات ومنشورات منظمة أوكسفام وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وصندوق النقد العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى