تعاليقرأي

الحواضن السياسية ..بين الاختطاف و التشظي

مظهر محمد صالح

1- بادق العبارات التي خطها في مقاله الثري المفكر السياسي حسين العادلي بعنوان (( الدولة العراقية من الاختطاف الى التشظي )) مدركاً ان حراك الدولة الحديثة هو حراك انتزاع السلطة من اختطاف المحتكر لها والمستبد بها ، فالدولة ظاهرة سياسية مجتمعية انتجتها نضالات المحكومين لانتزاع الصلاحيات المختطفة من قبل السلطات المطلقة بغية تقنيتها و مأسستها ، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
الا ان ارتباط جريمة الاختطاف بالسياسة قد شغل النزعات المعاصرة في علوم الاجتماع السياسي ، اذ وجد الكاتب الغربي MARK TURNER في المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية والقانون International Journal of the Sociology of Law 1998, 26, 145–160، في مقاله بعنوان ( الاختطاف والعلوم السياسية ) انه كيف تحول الاختطاف من ظاهرة غير سياسية ارقت مجتمع روما القديم عندما حكم الامبراطور الروماني قسطنطين 317 بعد الميلاد بعقوبة الموت على الخاطفين ، وكيف شاع مصطلح الخطف في القرن الثامن عشر ولاسيما على الصغار واليافعين لزجهم في المزارع الكولونيالية للبيض ، حتى تحول الخطف تدريجيا واخذ مداه في العلوم السياسية كاحد اساليب الابتزاز السياسي وبشكل متصاعد ابان الحرب الباردة ليصبح حدثا مهما تتغير على اساسه الكثير من موازين القوى في العالم .
ويقابل ظاهرة الاختطاف ظواهر سياسية انتقلت من عصر الصيد البدائي الى عصر العولمة وتشرذم الدولة -الامة الراهن و هو ( التشظي) الشكل الاخر ( للاختطاف ).فاللافت ان التشظي هو الاخطر في حواضن السياسة لكونه يمهد حقا الى بعثرة المواطن في الكثير من السياقات . اذ لم اجد ابلغ من سعي الانسان في العصر الحجري القديم وتعلمه صناعة رؤوس السهام من الاحجار ، لتاخذ الصخور المتشظية دورها في تدمير الخصم عندما تلفظ السهام شظاياها .
2-يقول المفكر حسين العادلي في مفكرته التحليلية : حول
الدولة العراقية من الإختطاف إلى التشظي قائلاً:

((تُختطف الدولة بتغييب الإرادة العامة للمواطنين، وتُغيب الإرادة بالإستبداد من خلال مصادرة حق الجمهور بإنتاج السلطات ديمقراطياً. وتُختطف الدولة عندما يتم تجريد مواطنيها من حقوقهم وحرياتهم، وعندما تختل منظومات الحقوق والواجبات بفعل التمييز والإقصاء واللا عدالة المجتمعية والسياسية. وتغيّب الدولة بفشل إدارة وظائفها من أمن وخدمات وتنمية على يد السلطات الفاشلة والعاجزة عن الحكم الفعّال والكفوء.
فبعد العام 2003م خرجت الدولة من فج (الإختطاف )إلى نفق (التشظي….) اذ تم اعتماد معادلة الحكم التوافقي المكوّناتي الحزبي الذي شظى الدولة على عدد الهويات والمصالح والقوى تحت عناوين الشراكة والتوازن والتوافق، وليصل التنازع والتحاصص إلى كل ما يتصل بالدولة من سلطات ومؤسسات وعلاقات سيادية!! فأنتج التشظي الإختطاف بدوره، على عدد مراكز القوى والنفوذ والمصالح!! )).

3- فالانقلابات السياسية Coup d état عبر التاريخ ونجاح الانقلابيين والاستحواذ الفوري على الشرعية السياسية والقانونية والايديولوجية وفق برنامج التشكيل الانقلابي هو اكثر النماذج تجسيدا لظاهرة (الاختطاف بصيغة الجملة ..…او صفقة الاستيلاء لصالح الانظمة المستبدة او الدكتاتورية وهو مالم يدركة مارك تيرنر ضمن تحول الاختطاف من حالته غير السياسية الى حالته السياسية مما ذكرنا آنفاً ) . وعادةً ما يكون الاستيلاء على السلطة بالانقلاب من الافعال غير القانونية التي يتولاها فريق سياسي أو طائفة أو جماعة متمردة أو جيش أو ديكتاتور.وعلى الرغم من ذلك يرى العديد من علماء السياسة أن الانقلاب يعد ناجحًا عندما يستولى المغتصبون على السلطة لمدة سبعة أيام على الأقل. ولكن يبقى ( التشظي ) نمطا من انماطا (الاختطاف بصيغة الجزيئية او المفردة )..فالاخير هو اقرب الى اختطاف فريسة الحكم بين المتصارعين على اجزاء القوة والثروة والمعتقدات مقابل الاختطاف المطلق او الجملة .
فبين (اختطاف الجملة )و (اختطاف المفرد ) تتحول الكيانات السياسية الى قطبين ، الاول : الذي يفسر (الاحتكار مطلق للقوة والثروة والايديولوجيا )وهم القوة الدكتاتورية الخاطفة للسلطة والمتفردة بفريق واحد والاخر : وهو اختطاف المفرد ويفسره ( احتكار القلة وهم القوة المتشظية التي تتفرد بتشرذم القوة والثروة والمعتقد الايديولوجي) وبين هذا وذاك يغيب العقد الاجتماعي ويفقد مقوماته وتتهالك الدولة- الامة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى