أخبارأمن وإستراتيجيةفي الواجهة

الحرب النفسية … أهم مراحل الحرب الحديثة وأخطرها

محمد يونس
اتخذ مفهوم العمليات النفسية عدة تعاريف، كما وجدت وجهات نظر متباينة حول معانيه. يقول الدكتور (رفيق السكري): “هناك العديد من التعاريف للعمليات النفسية، إلا أن أكثرها لا يزال يكتنفها ـ حتى الآن ـ الغموض وعدم التحديد”. ويعود السبب في ذلك إلى أن بعض الكتاب لا يزالون يربطون بين العمليات النفسية والعمليات العسكرية. ثم قال: “إن المعنى الجديد للعمليات النفسية لم يعد مجرد وسيلة يستخدمها القائد العسكري أثناء الحرب فقط، لقد أصبحت العمليات النفسية مستقلة عن الصراع العسكري حتى أصبح هذا الأخير عنصراً من عناصرها”. وعُرِّفت العمليات النفسية أول ما عُرِّفتْ في ملحق معجم ويبستر الدولي الجديد للغة الإنجليزية عام (1941م). وقد اعتُرِفَ بالتعبير في الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية، وحظي التعبير باعتراف سريع نسبياً في خلال النزاع الذي كان قائماً في أوروبا وفي آسيا. وبعد تورط الولايات المتحدة والأمم المتحدة في النزاع المسلح في كوريا عام (1950م)، وبعد أن افتتح الرئيس (ترومان) الحملة الاستراتيجية الأمريكية الكبرى المسماة (حملة الحقيقة) دخلت هذه التسمية تدريجياً في مجال المناقشات العامة، (في مناقشة الكونجرس الأمريكي وفي الصحف) وذلك عند وصف الأنشطة التي كانت تقوم بها أجهزة الحكومة الأمريكية والتي كانوا يطلقون عليها قبل ذلك اسم (استعلامات ما وراء البحار). ويعرف أحد القادة العسكريين الجنرال (مارك كلارك) العمليات النفسية بقوله: “هي أي عمل من شأنه أن يجبر العدو على أن يحوِّل رجاله وعتاده من الجهة النشطة، وتجعله يقيد رجاله وأسلحته استعداداً لصد هجوم لن يأتي”. ويتضح من هذا التعريف أن مهمة العمليات النفسية الأساسية هي فرض إرادة مستخدمها على إرادة العدو بغرض التحكم في أعماله بطرق غير الطرق العسكرية، ووسائل غير الوسائل الاقتصادية، ولذلك فهي من أسلحة الحرب الحديثة الموجهة ضد (الفكر) والعقيدة والشجاعة، وضد الرغبة في القتال. وهي حرب دفاعية هجومية وذلك لأنها تحاول أن تبني معنويات الشعب والجنود بينما تحطم في الوقت نفسه معنويات العدو.
ويعرف الأمريكيون العمليات النفسية بأنها “سلسلة الجهود المكملة للعمليات الحربية العادية عن طريق استخدام وسائل الاتصال، أي أنها تصميم وتنفيذ الخطط الاستراتيجية الحربية والسياسية على أسس نفسانية مدروسة”، ومن وجهة نظر الأمريكيين تضمنت العبارة تغييراً تناول الأساليب الحربية التقليدية عن طريق استخدام سلاح جديد وتطبيقه على نطاق واسع. أما من وجهة نظر الألمان فقد تضمنت هذه الكلمة تغييراً طرأ على عملية الحرب نفسها، والتجديد في النشاط الحربي الألماني بدأ في ميدانين هامين: الأول: التوحيد بين المجهودات الحربية ونشاط السياسة والدعاية والهدم. الثاني: ما أسفرت عنه بحوث علم النفس الحديث من نتائج يمكن أن تستخدم في تحقيق الأهداف الحربية. أما مفهوم البريطانيين للعمليات النفسية (أو الحرب السياسية كما يسمونها) “هي نوع من الصراع بين الدول، يسعى فيه كل جانب لفرض إرادته على أعدائه بأساليب متنوعة لا تدخل فيها القوة المسلحة، والسلاح الرئيسي للحرب السياسية عندهم هو الجمع بين الدبلوماسية والدعاية، وينطوي هذا الفهم للعمليات النفسية، ضمنياً، على الاهتمام بالرأي العام”. وتقول الموسوعة العسكرية في تعريف العمليات النفسية: “هي مجموعة الأعمال التي تستهدف التأثير على أفراد العدو، بما في ذلك القادة السياسيين والأفراد غير المقاتلين، بهدف خدمة أغراض مستخدمي هذا النوع من الحرب”. وتهدف العمليات النفسية إلى خلق تصورات معينة لدى العدو، أو نفي تصورات معينة، وذلك عن طريق الدعاية أو العمليات العسكرية الاستعراضية، والتنسيق بين العمل العسكري والدبلوماسي، بهدف إحداث الفوضى والبلبلة في معسكر العدو للتأثير على روح الجنود المعنوية، وعلى انضباطهم، وعلى قرارات ضباطهم وقادتهم. ويقول الدكتور (أحمد نوفل) وربما كان أفضل التعاريف للحرب النفسية والعسكرية هو الذي كتبه (بول لينبارجر)[1] في كتابه المعروف “الحرب النفسية، طبعة عام 1954م”، والذي عرفها فيه بمعناها الضيق: “أنها استخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية، أو اقتصادية، أو سياسية مما تتطلبه الدعاية”، ثم يعرف الدعاية بأنها: “استخدام مخطط لأي شكل من أشكال الإعلام بقصد التأثير في عقول وعواطف مجموعة معادية أو محايدة أو صديقة، وذلك لتحقيق غرض استراتيجي أو تكتيكي معين”. أما بالمعنى الواسع فقد عرف (لينبارجر) العمليات النفسية بأنها: “تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية”. ولعل التعريف الآتي هو الأكثر تداولاً بين المراجع وأكثر وروداً في الكتب، ويكاد يكون متفقاً عليه بين غالبية من كتبوا في المنطقة عن العمليات النفسية… فقد أورده كل من الدكتور (حامد عبدالسلام زهران) والدكتور (مختار التهامي)، واللواء (جمال الدين محفوظ)… وغيرهم وهو قريب من تعريف (لينبارجر) السابق وفيه أن العمليات النفسية هي: “استخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول في وقت الحرب أو في وقت السلام، لإجراءات إعلامية، بقصد التأثير في أداء وعواطف ومواقف وسلوك جماعات أجنبية معادية أو محايدة أو صديقة بطريقة تساعد على تحقيق سياسة وأهداف الدولة أو الدول المستخدمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى