أمن وإستراتيجيةإقتصادفي الواجهة

الحرب الروسية الأوكرانية ..هل تقود العالم إلى مجاعة .؟

كريم المظفر
يبدو أن العالم على أبواب “المجاعة” وسط ارتفاع أسعار القمح وترجيحات بانخفاض المحصول العالمي، الأمر الذي دفع دولا لإيقاف بيع محاصيلها وأخرى لإعلان نفاده قريبا، وبحسب تقرير لصحيفة “Financial Times”، فإنه من المرجح أن ينخفض إنتاج القمح العالمي للمرة الأولى منذ 4 سنوات، وفقا لتوقعات الحكومة الأمريكية التي قامت بمراقبة موسم المحاصيل المقبل عن كثب، مما يؤكد المخاوف من زيادة تعقد الإمدادات وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وارتفعت أسعار القمح بعد أن أصدرت وزارة الزراعة الأمريكية أول تقديراتها العالمية لموسم المحاصيل 2022-23 يوم الخميس، حيث ارتفعت العقود الآجلة للمحصول الجديد، تسليم سبتمبر، والمتداولة في شيكاغو، إلى 12 دولارا للبوشل، بزيادة 8 بالمائة على مدار الأسبوع، قبل أن تتراجع قليلا، وتم تداول عقود القمح الآجلة في “يورونكست” عند أعلى مستوى في شهرين، عند 411.50 يورو للطن.
ويراقب تجار الحبوب وشركات الأغذية والحكومات الإمدادات عن كثب منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي عطلت الزراعة في أوكرانيا، التي هي واحدة من أكبر خمس دول مصدرة للقمح، في حين توقعت وزارة الزراعة الأمريكية، أن إنتاج القمح الأوكراني سينخفض بنسبة أكبر من المتوقع، بنسبة 35 في المائة عن العام السابق، إلى 21.5 مليون طن، وأن يصل إجمالي إنتاج القمح العالمي في الفترة 2022-23 عند 774.8 مليون طن، وهو أول انخفاض منذ موسم 2018-2019، ومن المتوقع أن تبلغ المخزونات الاحتياطية العالمية 267 مليون طن، بانخفاض للعام الثاني على التوالي وأدنى مستوى في 6 سنوات.
وتحذر المنظمات العالمية من المخاطر الناتجة عن هذه الازمة التي تمس دول العالم، وبحسب المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة (الفاو) تومسون بيري، الذي أشار إلى أن أوكرانيا وروسيا تمثلان 76٪ من إمدادات عباد الشمس في العالم، و30٪ من صادرات القمح، و20٪ من صادرات الذرة، فإن الأزمة في أوكرانيا يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وإلى الجوع في العالم .
وبالطبع والحالة هذه فإن الغرب يحمل روسيا مسؤولية هذه الازمة العالمية (على مبدأ كل واحد عدوه امام عينيه)، وادعت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، مرة أخرى، أن روسيا تستخدم الحصار المزعوم على صادرات الحبوب من أوكرانيا كسلاح، وبدوره أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن أزمة الغذاء في العالم حدثت قبل وقت طويل من بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، وكانت أسبابها، من بين أمور أخرى، جائحة فيروس كورونا وسوء تقدير الدول الغربية، وأن الوضع الحالي أدى إلى تفاقم المشكلة، وأصبحت العقوبات الغربية أحد الأسباب الرئيسية لتعطيل الإمدادات الغذائية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
كما واكدت موسكو بأنها لا تتدخل في تصدير الحبوب الأوكرانية، مشيرة إلى أن “المشاكل اللوجيستية نشأت بسبب خطأ كييف”، وان الحديث برأي المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عن منع روسيا لتصدير الحبوب الأوكرانية في موانئ البحر الأسود والعجز الناتج في سوق الحبوب ليس سوى “تكهنات”، وأشارت، إلى أن “اللوم يقع فقط على كييف، حيث قامت القوات الأوكرانية بنشر الألغام في موانئها البحرية”، وأن الجانب الروسي يفتح باستمرار ممرات إنسانية في البحر.
أما نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف، والذي اكد بدوره بانه لا توجد إمدادات تصدير على حساب السوق الروسي، باعتبار ان الغذاء للمواطنين الروس – “مقدس”، كتب مدفيديف على قناته في تطبيق “تلغرام” أن روسيا “مستعدة للوفاء بالتزاماتها بالكامل، لكنها تتوقع أيضا التعاون من الشركاء التجاريين، بما في ذلك على المنصات الدولية، وإلا برأيه سيكون الأمر غير منطقي: من ناحية، يتم فرض عقوبات مجنونة ” علينا “، ومن ناحية أخرى، يطلبون توفير الغذاء، موضحا أن “هذا غير ممكن.. نحن لسنا أغبياء”.
اما وزارة الدفاع الروسية فتشير الى أن السلطات الأوكرانية أرسلت 20 مليون طن من الحبوب والماشية إلى رومانيا على الرغم من نقص الغذاء في البلاد، وذلك مقابل أسلحة وذخائر أجنبية تلقتها، ووفقا للمعلومات المتاحة بحسب رئيس مركز مراقبة الدفاع الوطني الروسي الفريق أول ميخائيل ميزينتسيف، فان أوكرانيا، نظمت يوميا عن طريق الشاحنات والسكك الحديدية وعن طريق السفن من ميناء إسماعيل على نهر الدانوب عمليات تصدير ضخمة للحبوب والذرة والمحاصيل الزيتية والماشية إلى رومانيا، وتم تصدير حوالي 20 مليون طن.
وترفض روسيا تحميلها المسؤولية عن أزمة الغذاء العالمية، وتشدد على أن المسبب الرئيسي للأزمة يكمن في العقوبات الغربية، بحسب قول الرئيس الروسي، وإن اللوم في العواقب العالمية للعقوبات المفروضة على روسيا، بما في ذلك المجاعة المحتملة في عدد من دول العالم، يقع على عاتق الدول الغربية المستعدة للتضحية ببقية العالم من أجل الهيمنة، وتؤكد موسكو أن كييف تتجنب بكل طريقة ممكنة التعاون بشأن الخروج الآمن للسفن من البحر الأسود، مشيرا إلى أنها تواصل منع 75 سفينة أجنبية من 17 دولة من مغادرة موانئ نيكولاييف وخيرسون وتشرنومورسك وماريوبول وأوتشاكوف وأوديسا ويوجني، ويرى مبعوث روسيا الدائم إلى الأمم المتحدة في اجتماع لمجلس الأمن الدولي في الاتهامات الغربية لبلاده بمنعها حركة السفن التجارية وحظر خروج شحنات القمح من الموائئ الأوكرانية بأنها “مخادعة”، لافتا إلى انه “لا يزال هناك خطر على الملاحة والبنية التحتية من الألغام الأوكرانية التي أفلتت من مراسيها على طول ساحل دول البحر الأسود”.
وفي الوقت الذي تعبر فيه موسكو عن شكوكها من أن الحبوب الأوكرانية يتم ضخها إلى مخازن الحبوب في الدول الأوروبية كثمن للحصول على أسلحة حصلت عليها كييف، فإنها (أي روسيا) تعرض 25 مليون طن من الحبوب للتصدير عبر ميناء نوفوروسيسك اعتبارا من 1 أغسطس حتى نهاية العام، على اعتبار أن محصول الحبوب في روسيا في العام الجاري كما اعلنه الرئيس بوتين قد يبلغ وفق التوقعات الأولية، 130 مليون طن بما فيها 87 مليون طن من القمح، وهذا “سيسمح هذا ليس فقط بتلبية الاحتياجات المحلية بهامش، ولكن أيضا بزيادة الإمدادات إلى السوق العالمية لشركائنا”.
ولتفادي أزمة الحبوب، سمح الاتحاد الأوروبي بزراعة الأراضي البور، في خطوة تهدف إلى تخفيف تبعات الأزمة الأوكرانية على الأمن الغذائي في أوروبا، وتعويض الانخفاض المستقبلي في إنتاج الحبوب وأعلن الاتحاد الأوروبي أنه وفي إطار تخفيف تبعات الأزمة الأوكرانية على الأمن الغذائي في أوروبا، ولتعويض الانخفاض المستقبلي في إنتاج الحبوب العالمي المرتبط بالحرب في أوكرانيا، ستقوم أوروبا بتعبئة أراضيها البور (حسب منظمة “الإسكوا” فإن الأراضي البور هي الأراضي المزروعة التي لم تُبذر لموسم نمو واحد أو أكثر، ولفترة لا تتخطى خمس سنوات)، لموازنة عواقب الحرب في أوكرانيا، وسيكون من الممكن إنتاج أي محصول مخصص للاستهلاك البشري أو الحيواني في هذه الحقول، ويمكن استخدام الأراضي غير الخصبة لرعي الحيوانات.
وفي تقرير لها دحضت صحيفة Die Welt الألمانية، تقارير عن مسؤولة روسيا في ارتفاع أسعار القمح وقالت إن أسعار القمح بالعالم وصلت مستوى قياسيا لكن روسيا ليست مسؤولة عن نقص القمح كما أنها لا تساهم بتطور المشكلة، وأشارت إلى أن “المشكلة تفاقمت بعد أن أعلنت الهند وقف تصدير الحبوب لضمان احتياجات سكانها بعد موجة الحر الشديدة، وكذلك بسبب الأوضاع في أوكرانيا التي تعيق زراعة الأراضي وتصدير المحاصيل من البلاد”، كما واتضح أن الادعاء بأن روسيا تسبب نقصا في القمح وترفع الأسعار هو خرافة، ومع ذلك، ستحقق موسكو في جميع الأحوال المكاسب، لأن صوامع الحبوب في أوكرانيا فارغة.
كما ويتضح أن اتهام روسيا بالتعمد في حجب القمح لا صحة لها، والدليل على ذلك، أنها صدّرت في شهر مارس الماضي حوالي 1.7 مليون طن، وهذا يزيد عن صادراتها في نفس الفترة من العام الماضي بمقدار 0.6 مليون طن، وتشير وكالة “بلومبرغ”، إلى أن صادرات القمح في شهر أبريل الماضي زادت بمقدار 2.1 مليون طن، أي أن روسيا ستستفيد كثيرا من ارتفاع أسعار القمح، تماما كما استفادت، كدولة مصدرة، من ارتفاع أسعار النفط والغاز نتيجة القتال.
وعلى ما يبدو فإن أسعار القمح في العالم خرجت عن السيطرة في الأسابيع الأخيرة على خلفية الوضع في أوكرانيا، ما يهدد بالمجاعة في مناطق عدّة بالعالم، وان دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أكبر مستوردي الحبوب، ستكون الأكثر عرضة لخطر المجاعة، وكما سيؤدي انخفاض احتياطيات أكبر مصدري القمح وهم الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة وكندا وأوكرانيا والأرجنتين وأستراليا وكازاخستان، إلى تفاقم أزمة الإمدادات، و أن احتياطيات هذه الدول عند أدنى مستوى لها منذ تسع سنوات وتبلغ 57 مليون طن، وتكفي العالم لمدة 27 يوما، ولكن بدون احتياطيات روسيا وأوكرانيا، لن تكفي لأكثر من ثلاثة أسابيع.
***
بقلم الدكتور كريم المظفر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى