إقتصادالجزائر من الداخل

الجمارك التجارة الصناعة الضرائب .. أدوات في يد الحكومة لتسيير الاقتصاد

 
مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي
بكلية الاقتصاد – جامعة دمشق
السياسة الاقتصادية (Economic Policy) في أي دولة هي: مجموع القرارات التي تتخذها الحكومة بهدف التأثير في النشاط الاقتصادي أو التحكم فيه كالقرارات المتخذة بشأن الإنفاق الحكومي والضرائب، وقرارات إعادة توزيع الدخل بين الأغنياء والفقراء وغيرها.
ويُقصد بالسياسة الاقتصادية المناسبة مجموعة الإجراءات والقرارات التي تتخذها الدولة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وضعتها لدعم النمو الاقتصادي، وتثبيت الأسعار، وخلق فرص العمل، وتعزيز الصادرات، وتحرير التجارة وغيرها من الأهداف الأخرى، ولا يكون ذلك إلا من خلال وسائل وأدوات تستخدمها لتحقيق الأهداف المرجوة من تفعيل هذه السياسات.
يتضمن كل جانب من جوانب النشاط الحكومي عنصراً اقتصادياً مهماً، يتأثر بالسياسات الاقتصادية التي تتبعها الدولة:
منها السياسة المتعلقة بالاقتصاد الكلي، والتي تحاول الدولة من خلالها الحفاظ على تطور عرض النقود بمعدل لا ينتج عنه تضخم مفرط، أو محاولاتها تهدئة دورة النشاط الاقتصادي ودورة العمل، والسياسة التجارية، التي تحدد التعرفات والرسوم الجمركية والاتفاقيات التجارية والمؤسسات الدولية التي تحكمها، أو سياسة رفع معدلات النمو الاقتصادي والتنمية، السياسات التي تتناول إعادة توزيع الدخل أو الممتلكات أو الثروة، وسياسة مكافحة الاحتكار، والسياسة الصناعية أو الزراعية وغيرها.
تباينت الآراء حول أنسب السياسات الاقتصادية، وأكثر الأدوات فعالية في تحفيز الاقتصاد الوطني لتحقيق التنمية الشاملة، لسنا هنا بصدد التقييم، لكن الهدف هو الاسترشاد بهذه السياسات حين وضع الأسس العلمية السليمة لخطط التنمية واختيار الأدوات المناسبة. والعديد من المجالات الأخرى للتدخلات الحكومية في الاقتصاد.
بصفة عامة هناك اتفاق على عدد من المبادئ العامة الأساسية التي يتعين مراعاتها عند وضع وتحديد السياسات الاقتصادية، من أهمها:
1 – الواقعية: بحيث يتم وضع السياسات، واختيار الأدوات، على أسس ومعرفة واقعية بظروف المجتمع وإمكانيات الاقتصاد، وأن توضع الغايات والأهداف بما يتلاءم مع الواقع القائم، ويجب أن تكون الأهداف المنشودة واقعية وقابلة للتحقيق وللقياس قدر الإمكان، وان يتم انتهاج الوسائل والآليات الممكنة والفعالة.
2 – الشمولية: يتعين أن تشمل السياسات أغلب المتغيرات الاقتصادية ذات العلاقة، وأن تستثمر وتشمل كل الموارد والإمكانيات المتاحة، وأن يتم التنسيق بين كافة القطاعات التي لها علاقة بالسياسات ودور في التطبيق.
3 – التكامل والاتساق: بحيث تكون السياسات بأنواعها متكاملة، وتشكل في مجموعها وحدة متناسقة، وهذا التناسق والتكامل يتعين أن يشمل الأهداف والوسائل والآليات.
4 – المرونة: يتعين أن تتمتع السياسة بقدر من المرونة يمكّنها من الاستجابة لمتطلبات الاقتصاد، وأن تواكب التغيرات والمستجدات، وتستجيب للتطورات المتسارعة في العلوم والتقنية، وإجمالا يتعين ألا تكون هذه السياسات قيدا يحد من حركة المجتمع ومؤسساته.
فالسياسات الاقتصادية الفعالة هي التي ترسم أدواراً جديدة للقطاع العام ومؤسساته، وللقطاع الخاص، وبما يحقق أهداف المجتمع ويخدم المصلحة العامة. ورسم السياسات الاقتصادية التي تلائم المرحلة وتواكب التغيرات وبما يلبي طموحات الأطراف المتنوعة المشاركة في الجهود الاقتصادية التنموية.
أهداف السياسة الاقتصادية:
يتم توجيه السياسة الاقتصادية عموماً لتحقيق أهداف محددة، تتعلق أحياناً بكبح جماح التضخم أو الحد من البطالة أو زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وتتعلق أحياناً بأهداف أخرى كالإنفاق العسكري أو التأميم وغيرها. ولتحقيق هذه الأهداف، تستخدم الحكومة عادة أدوات تخضع لسيطرة الحكومة منها: سعر الفائدة، معدلات الضرائب، حجم الإنفاق العام، التعرفات والرسوم الجمركية، عرض النقود، وأنظمة سوق العمل وغيرها.
أدوات السياسة الاقتصاديّة:
كافة الدول تسعى لتحقيق النمو الاقتصادي، والحد من الفقر، والتوازن في السوق المحلي، وتستخدم الدولة عادة أدوات السياسة الاقتصادية لتحقيق أهدافها الاقتصادية، ومن أهمها: تحديد معدلات الضريبة على المنشآت، والمبيعات، والأفراد، وكذلك الإعفاء الضريبي، ومنشآت القطاع العام الاقتصادية التابعة للحكومة، والتحكم في الإنفاق العام، وأسعار الصرف، والتحكم بسعر الفائدة، وتحديد التعرفات والرسوم الجمركية، والإعفاءات الجمركية، ورسوم الاستيراد، والائتمان المصرفي، وغيرها من الأدوات والوسائل الاقتصادية.
وفقاً للمبادئ الأساسية السابقة في رسم السياسة الاقتصادية، من الضروري توفير بنية سليمة تتكون من السياسات والإجراءات الضرورية الآتية:
1 – تهيئة المناخ الإداري والقانوني للاستثمار: أي السياسات المتعلقة بتهيئة المناخ الإداري والقانوني للاستثمار، أي ضرورة أن يتسم المناخ الاستثماري بالاستقرار الإداري والقانوني، وأن يكون مناخاً صديقاً لبيئة الإعمال وللقطاع الخاص، خاصة فيما يتعلق بالإعمال الإدارية الخاصة بالتسجيل والتراخيص والموافقات وغيرها، حيث من الضروري أن تهدف هذه السياسات إلى تسهيل الإجراءات القانونية وجعل النصوص واضحة الفهم والتفسير، بعيدة عن الغموض، خالية من الثغرات، بعيدة عن المحاباة، شفافة وموضوعية. فمن الأمور التي تؤخذ على البيئة الاقتصادية والقانونية والإدارية في اقتصادات الدول النامية خلال العقود الماضية، عدم الاستقرار التشريعي والإداري وكثرة حالات الدمج والفصل والتغيير والإلغاء وغيرها مما افرز بيئة غير ملائمة وذات سلوكيات لها آثارها السلبية الواضحة.
2 – دعم وتأهيل القطاع الخاص: أي سياسات دعم وتأهيل القطاع الخاص، من الضروري دعم وتأهيل القطاع الخاص لكي يتمكن من قيادة العمل التنموي الفعال، وتتحسن معدلات أدائه، ويتمكن من استيعاب الفرص الاستثمارية المتاحة. ومن ضمن أهداف هذه السياسات كسب ثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب، ودعم برامج تدريب مركزة بشأن إعداد رواد مبادرين حقيقيين “Entrepreneurs”، ورعاية الواعدين منهم ودعم مشاريعهم لتكون الأساس لبناء قطاع خاص وطني فعال.
3 – توفير الحوافز المجزية وعوامل الجذب الحقيقية: يتطلب وضع السياسات الخاصة بتوفير الحوافز المجزية وعوامل الجذب الحقيقية برنامجاً واضحاً يوفر جملة من عوامل الجذب والحوافز الكــفؤة والفعالة في جذب المستثمرين المحليين والأجانب دون تمييز، وأن تتسم هذه الحوافز بالشفافية والوضوح، وبحيث تغطي مجالات متنوعة، خاصة فيما يتعلق بتحقيق التنمية المكانية أو تحقيق الأمن الغذائي، أو تشجيع القطاع التصديري أو تنمية المجالات الاجتماعية الحيوية، كالخدمات الصحية والتعليمية والإسكان والبنية التحتية.
4 – توزيع الأدوار بين القطاعين العام والخاص: أي وضع السياسات المتعلقة بتوزيع الأدوار بين القطاعين العام والخاص، حيث يتعين أن يتم التأكيد في هذه السياسات على مبدأ التكاملية بدل التنافسية بين القطاعين، وعدم اعتبار أحدهما بديلاً عن الآخر أو نقيضاً أو منافساً له، بل لكل منهما دوره المميز ومكانته المهمة في عملية التنمية. وتجدر الإشارة إلى أنه يتوقع من القطاع العام المخضرم أن يقدم الدعم والمساندة للقطاع الخاص الناشئ، وأن يمده بكافة الوسائل والسبل التي تمكنه من أداء الدور المرتقب في إطار تحقيق أهداف التنمية.
5 – زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني: أي السياسات الرامية لزيادة المقدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، حيث أنه من المعروف أن من الأمور المصاحبة لإعادة التنمية وإعطاء دور أكبر للمبادرات الفردية، زيادة درجة الانفتاح على السوق العالمي وما يتضمنه من اشتداد لدرجات المنافسة في كل الأسواق، خاصة في إطار منظمة التجارة العالمية واتفاقيات الشراكة العربية والمتوسطية، كل ذلك يتطلب وجود سياسات اقتصادية محددة تشجع الوحدات العاملة في الاقتصاد الوطني على ضرورة رفع المقدرة التنافسية ومستويات الأداء والكفاءة وجعل ذلك المعيار الأساسي للمنافسة والتواجد في السوق العالمي.
6 – تنظيم الاستخدام وسوق العمل: أي السياسات المتعلقة بتنظيم الاستخدام وسوق العمل بحيث تتضمن هذه السياسات آليات ووسائل محددة، وسبل عملية ممكنة، لحل مشاكل العاطلين عن العمل، والمشاكل المتعلقة بالبطالة المقنعة وبالتكدس الإداري، بالإضافة إلى تنظيم أسس الاستخدام وفق هيكل معدل ومناسب للمرتبات والأجور، ووفق ضوابط عامة ومعايير علمية لشغل الوظائف، وبما يضمن سيادة معايير الكفاءة والمقدرة بعيدا عن الوساطة والمحسوبية والمعايير الأخرى الاجتماعية وغيرها.
7 – دعم برامج البحث والتطوير: أي سياسات داعمة لبرامج البحث والتطوير، وذلك عن طريق الإنفاق المباشر على المؤسسات العلمية، ومراكز البحوث، للقيام بالدراسات الاقتصادية والفنية اللازمة للتطوير في المجالات المختلفة وللرفع من مستويات الجودة والمواصفات والمعايير للمنتجات الوطنية، والرفع من الإمكانيات التنافسية لمؤسساتنا الوطنية محليا ودوليا. ونشير في هذا الصدد إلى عدم وجود سياسة وطنية واضحة للبحث العلمي، بل إن الإطار المؤسسي الحاضن للبحث العلمي ومؤسساته غير موجود بالصورة المطلوبة التي يحتمها حجم التحدي المعرفي الذي نواجهه من جهة وواقع البحث العلمي المعاش من جهة أخرى.
8 – قاعدة بيانات ومعلومات متطورة: يعتبر توفير قاعدة بيانات ومعلومات عن بيئة الأعمال والاستثمار والقطاعات الاقتصادية من الأمور الحيوية المهمة، بحيث تتضمن المؤشرات المالية والاقتصادية العامة ذات العلاقة، وتحديثها بشكل دوري (شهري، سنوي) وأن يتم الإفصاح عن المعلومات والبيانات الجديدة بشكل سريع يفيد القطاعات والأنشطة الاقتصادية. فتوفر قاعدة حديثة متطورة للبيانات يعد من المتطلبات الأساسية المهمة لتحسين أداء وكفاءة السياسات الاقتصادية والعامة، حيث يعاني المهتمين بشؤون الاقتصاد والمال من النقص الواضح في البيانات الحديثة، والتعارض والتناقض بين المتوفر منها، نظرا لتعدد الجهات التي تقوم بإعدادها، وبشكل عام هناك نقص في البيانات، وغالبا ما يتم التعامل مع فجوة تمتد أحيانا لسنوات.
9- الشعور بالانتماء وسيادة القيم الأخلاقية: التأكيد على أهمية سيادة القيم الأخلاقية وارتفاع الشعور بالانتماء للوطن وما لذلك من آثار إيجابية في مجال الأعمال حين وضع السياسات الاقتصادية، وتحقيق الاستخدام الرشيد للموارد العامة والخاصة والرفع من مستويات الكفاءة، والحرص على مقدرات الاقتصاد الوطني. فالبعد عن الغش والرشوة والاحتكار والاستغلال والأنانية والوساطة والمحسوبية والقضاء على كافة صور الفساد، في المقابل انتشار قيم الصدق والعدل والتعاون وحب الوطن، وتغليب المصلحة العامة، والحرص على أداء الواجب، والالتزام واحترام السياسات العامة، كلها أمور تجعل من بيئة الأعمال مناخا طيبا تنمو فيه قيم التعاون والخير وتزداد فيه الكفاءة ويرتفع فيه الأداء إلى المستويات المنشودة.
تحرص كل دولة على رسم سياسة اقتصادية فعالة تعمل على توفير بيئة استثمارية واعدة في القطاعات ذات الأولوية للاقتصاد الوطني ورفدها بمنظومة إدارية وتشريعية محفزة لممارسة الأعمال وانشاط الاقتصادي.
الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى