رأي

الثّوب لايصنع الرّاهب، واللّحية لا تصنع الفيلسوف.

الثّوب لايصنع الرّاهب، واللّحية لا تصنع الفيلسوف. رشيد مصباح (فوزي) ** مداوروش الأربعاء 12 أكتوبر 2022


“الثّوب لا يصنع الرّاهب”. بمعنى: المظاهر خدّاعة في بعض الأحيان. ولكن ما أصل هذه المقولة؟

نُسبت إلى الفيلسوف اليوناني (بلوتارخ) وقد تمت صياغتها من اللاّتينية إلى الفرنسية: “L’habit ne fait pas le moine”

؛ وأصلها يوناني قديم يعود إلى القرن الثالث عشر: ( barba non facit philosophum). وتعني: “اللّحية لا تصنع الفيلسوف”.

كيف تفهم الدّين على أنه مظهر من المظاهر التي راجت قديما وهي الآن محلّ جدل كبير بين من يتمسّك بها-المظاهر- كسنّة للتشبّه بالسّلف ومن يقول بوجوب “المينستريم” الذي هو ثوب العصرنة والحداثة ؟

و-الدِّين- بالنّسبة للسواد الأعظم عبارة عن مجموعة من الحركات التعبّدية وبعض الطّقوس: تؤدّى فرديّا وجماعيّا ؛ كغيرها من الطّقوس اليهودية و النّصرانية والبوذية والمجوسيّة.

فلو قال لك أحدٌ عرّف لي دينك الإسلام؟

فبماذا تردّ ؟

هل تقول له: إن الإسلام الصّلوات الخمس المتثّملة في عدد معيّن من الرّكعات، وصيام شهر رمضان، وحج مبرور … وافعل بعدها ما تشاء.

أم تقول له الإسلام هو الذي جاء ليحرّر الإنسان من ربق العبودية والاستبداد، وأن الله حرّم جميع أشكال الظّلم والجور، وأنّه قد كرّم الإنسان ورفعه عاليّا:

۞ [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا] الإسراء الآية (70).

0 – وأنّه: (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ، ولا لأبيضَ على أسودَ ، ولا لأسودَ على أبيضَ – : إلَّا بالتَّقوَى ، النَّاسُ من آدمُ ، وآدمُ من ترابٍ).

0 – وإنّ: (المسلمُ أخو المسلمِ ، لا يخونُه ، و لا يكذِّبُه ، و لا يخذُلْه ، كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ ، عِرضُه ، ومالُه ، ودمُه ، التقوى ها هنا وأشار إلى القلبِ بحسْبِ امريءٍ من الشرِّ أن يحقِرَ أخاه المسلمَ) والنّقوى حقيقة في القلب وليست في الثّوب ولا في المظاهر. كما أشار إلى ذلك نبيّ الهدى رسولنا الكريم.

و الإسلام حرّم الخمر لأنّه مضرّ بالصحّة مذهب للعقل. وحرّم الفاحشة ما ظهر منها وما بطن.

وإن النّظافة أو الطهور شطر الإيمان فقد حرّم الفرد الأوروبي الماء على جسده قبل هذا؛ قبل معرفة مدى أهميّة النّظافة.

كما وحرّم الرّبا، والزّنا، وأكل مال اليتيم. وحرّم الغيبة والنّميمة، وقذف المحصنات… وحرّم الإسراف في كل شيء:

۞ [يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ] سورة الأعراف: الآية(31)

والإسلام يحث على الحب والتآخي:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري ومسلم.

ويوصي بحسن الجوار:

  • ما زال جبريلُ يوصيني بالجارِ حتَّى ظننتُ أنه سيورِّثُه

وأوصى بالعمل:

[قُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ] التّوبة:الآية (105)

وإنّما هي جملة من السلوكيات الرّاقية والأخلاق الجميلة. ولهذا حين أراد الله أن يمتدح حبيبه قال له:

[وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ] القلم: الآية (04)

و الحبيب لمصطفى حين سألوه عن أحبّ النّاس إليه وأقربهم منه في الآخرة، لم يقل أكثرهم عبادة بل قال:

(إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ محاسنُكم أخلاقًا وإنَّ أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم منِّي في الآخرةِ أساوِئُكم أخلاقًا الثَّرثارونَ المُتَفْيهِقونَ المُتشدِّقونَ).

فديننا يدعو إلى التأسّي بأخلاق نبيّ الهدى؛ رسولنا الكريم الذي قال :

(إنَّما أنا أعلمُكُم باللَّهِ و أخشاكم له و لكنِّي أقومُ و أنامُ وأصومُ و أفطِرُ و أتزوَّجُ النِّساءَ فمَن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ منِّي).

ردّا على الرّهط الذين ذهبوا إلى بيوتِ النَّبِيِّ يسألونَ أزواجَهُ عن عبادتِهِ فلمَّا أُخبِرُوا بها كأنَّهُم تقالُّوها أي : اعتبروها قليلةً ثُمَّ قالوا : أينَ نحنُ مِن رسولِ اللَّهِ و قد غَفرَ اللَّهُ له ما تقدَّمَ من ذنبِهِ و ما تأخَّرَ ؟ فقال أحدُهُم : أما أنا فأصومُ الدَّهرَ فلا أفطرُ و قال الثَّاني : و أنا أقومُ اللَّيلِ فلا أنامُ و قال الثَّالثُ : و أنا أعتَزِلُ النِّساءَ.

لا رهبانية في الإسلام:

(لا طلاقَ قبلَ النِّكاحِ ولا عتقَ لمن لا يملِكُ ولا صمتَ يومٍ إلى الليلِ. ولا وصالَ في صيامٍ ولا رضاعَ بعدَ فطامٍ ولا يُتمَ بعدَ حُلُمٍ ولا رَهبانيَّةَ فينا). كما قال-صلى الله عليه وسلّم-

فلا بدّ من التأسّي بهذه السنّة العطرة وهذه الأخلاق: (تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ).

فما بال هؤلاء الذين يستفردون بالدّين كأنّما أوحي إليهم على الطّريقة العبرية: أنتم أسياد هذه الأمّة وأن غيركم “جوييم”.

مابال هؤلاء العبوسين كأنّهم يمنّون علينا إسلامهم:

[يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ]. الحجرات: الآية(17).

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا] النّساء: الآية (94)

هل هم أفضل من الصّادق المصدوق، والذي قال: (لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا ، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ).

ما بالنا في هذا القرن الواحد والعشرين نمقت بعضنا، وننفّر غيرنا من هذا الدّين؟ والله يقول:

[ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ]النّحل: الآية (125).

ويقول: [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ]. فصلت: الآية(34).

إذا كان قد استعصى على الفلاسفة والمفكّرين التفريق بين الأخلاق والثّقافة من قبل، فهل يصحّ الآن التفريق بين الدّين والأخلاق بعدما ما عرفنا الحق؟

ومن أحقّ وأجدر بالأتّباع (محمّد)-صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه الكرام، أم هؤلاء “المستفردين”؟

و أختم بالآية الكريمة:

وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)

والهَوْنُ في اللّغة: التّواضع، وليس الكبرياء والتّعجرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى